أصبح الحوار الجريء الذي دار بين مواطن ومراسل صحافي بأحد الشوارع التركية حديث الأتراك على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بعد استدعائهما من قبل الأمن. وفيما أطلق سراح المراسل لا يزال المواطن يخضع للتحقيق بتهمة “إهانة الرئيس”.
أنقرة – أثار تقرير ميداني متداول نشرته قناة تحمل اسم “المراسل الذاتي” على موقع يوتيوب جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا بسبب تصريحات لمواطن وصف النظام الحاكم في تركيا بـ”الشركة العائلية”، على خلفية استقالة صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بيرات ألبيرق من منصب وزير الخزانة والمالية.
وكان البرلماني التركي المعارض عن حزب الشعب الجمهوري، مراد أمير، زعم على حسابه على تويتر أن القنوات التركية الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية رفضت طلب الوزير المستقيل بيرات ألبيرق نشر خبر استقالته ما اضطره إلى نشر استقالته على حسابه على إنستغرام الذي تعطل بعدها بـ24 ساعة.
وخضع المواطن التركي والمراسل للتحقيق، بعد أن قال المواطن، الذي لم تعرف هويته، إن السلطة في تركيا أصبحت أشبه بـ”شركة عائلية”، وعلى الفور انتشر مقطع الفيديو بشكل واسع تحت شعار “فليسمع أردوغان” كما انتشرت عبارة “Bir aile şirketi” التي تعني شركة عائلية على مواقع التواصل.
وأكد المواطن أن الدكتاتورية يجب أن ترحل من تركيا قبل كل شيء لكي تعود الأمور إلى نصابها، وأضاف “كل من صدام والقذافي حكما البلاد بالقمع والدكتاتورية لكنهما لقيا حتفهما في الشوارع، وإذا ما واصل هؤلاء على هذا المنوال فإنهم كذلك سيواجهون المصير ذاته بسبب مشاعر الغضب الشعبي جراء الأوضاع الاقتصادية التي جعلت المواطن يفتقر إلى الخبز”، وتابع “بينما الشعب يعاني من فقر إلى هذا الحد نرى أن أردوغان متنعم في قصره الفاره المكون من أكثر من ألف غرفة، وكذلك بنى قصرا آخر بجوار بحيرة وان، ويمتلك ابنه أسطول سفن شحن دولية. أنا أعرف أردوغان أيام شبابه، لم يكن يمتلك حتى سيارة، بل كان له خاتم واحد فقط. أما الآن فقد أصبح أغنى رئيس في العالم. كيف صنع هذه الثروة يا ترى؟ لقد صنعها بتخصيص ضرائب المواطنين لرجال أعمال مقربين منه، وبناء مستشفيات ومطارات بتكاليف أكثر من قيمتها الحقيقية.. وقد أنهى احتياطي البنك المركزي ومن ثم طبع نقودا دون تغطية”.
ولفت المواطن إلى أنه لا يخاف أحدا حتى لو تم اعتقاله وإرساله إلى خلف القضبان وأكد قائلا “لقد أقدم أردوغان على جمع كل السلطات في يده، فأصبح هو من يدير الأمن والنيابة العامة والقضاة والجيش”.
واستمر المواطن قائلا “أردوغان يعتقل اليوم الجميع بتهمة الانتماء إلى منظمة فتح الله كولن، بينما هو من عمل وتعاون مع هذه الجماعة لسنوات طويلة، وقد دعا نفسه فتح الله كولن لإنهاء غربته والعودة من الولايات المتحدة إلى أرض الوطن، والآن بات يعتقل كل من مر من أمام بنك آسيا التابع لهذه الجماعة. أرجو منكم أن تنشروا كل ما قلته دون تغيير. إني لا أخاف أحدا، وأعلن الحقائق حتى لو أودعوني السجن. لا أخاف أبدا، وإن اتهموني بالكذب فإني مستعد لإثبات جميع ما قلته لكم”. وسرعان ما انتشر مقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا.
وعبر حسابه بموقع تويتر، أعلن مالك قناة “المراسل” الذي أجرى الحوار أن السلطات التركية قامت باستدعائه للتحقيق معه على خلفية التقرير الميداني المشار إليه، قائلا:
اعتبارا من هذه اللحظة تم استدعائي للتحقيق بسبب ذلك التقرير الميداني. من الذي ينزعج من إعطاء الميكروفون للمواطنين وسماع آرائهم وأفكارهم ولماذا؟ إنني أؤمن بأنني سأكون شخصا جبانا إن التزمت الصمت بينما نفقد شبابنا وقيمنا واحدة تلو الأخرى.
وخلال إجابته عن سؤال أحد المتابعين عن مصير المواطن الذي أجرى معه الحوار، أكد مالك القناة أنه يخضع حاليا للاستجواب لدى الأجهزة الأمنية.
ويرجح مغردون أن يحاكم المواطن بـ”تهمة إهانة الرئيس”. وشهدت تركيا 66691 تحقيقا قضائيا بتهمة “إهانة الرئيس” منذ انتخاب رجب طيب أردوغان في عام 2014، حتى أبريل 2019. ونتجت عن التحقيقات محاكمة 12305 أشخاص.
وتحولت قضايا أردوغان المرفوعة ضد المنتقدين له في التغريدات إلى مادة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال ناشطون إن أردوغان نصب نفسه الرئيس الأكثر إهانة في العالم بسبب هذه القضايا.
وصرح أوزغور أكتوتون رئيس رابطة خريجي علم الاجتماع، لصحيفة بيرغون التركية بأنه على الرغم من أن تركيا “مجتمع من المخبرين” منذ عهد الإمبراطورية العثمانية، فإنه “من المدهش مدى تفشي استخدام البلاغات بشأن كل مسألة”. وتُعتبر “إهانة الرئيس” جريمة وفقا للمادة 299 من قانون العقوبات التركي الذي اعتُمد في عام 1926. وإذا أُدين شخص بتلك التهمة، يُعاقب بالسجن لمدة يمكن أن تصل إلى أربع سنوات، وقد تزيد هذه المدة إذا كانت الإهانة علنية.
وخلال السنوات الأخيرة تحوّل العشرات من الشباب الأتراك إلى نجوم حقيقيين، لا تقل شهرتهم عن شهرة نجوم الإعلام المعروفين محليا، وربما أصبح جمهورهم على منصة يوتيوب يفوق عدد متابعي بعض الإعلاميين.
ووفرت القنوات على يوتيوب منصة حرة للأتراك للتعبير عن آرائهم بحرية في ظل سيطرة شبه تامة من النظام التركي على الإعلام في البلاد.
وسبق أن اتهم أنصار أردوغان قرابة 400 ألف شخص سجلوا عدم إعجابهم (Dislike) بفيديو للرئيس بـ”خيانة البلاد”.
وكان البرلمان التركي صوت على قانون في وقت سابق من هذا العام يفرض القانون على أبرز شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، التي يستخدمها الملايين يوميا، أن يكون لها ممثل في تركيا والانصياع لأوامر المحاكم التركية التي تطلب سحب مضمون معين، تحت طائلة التعرض لغرامة مالية كبرى.
وعن الهدف من وراء هذا القانون، قال المحامي التركي وخبير حقوق الإنترنت يامان آكدنيز إن “الهدف الرئيسي من القانون هو وضع شبكة الإنترنت تحت سيطرة هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (BTK) تحت شعار رنان هو المصلحة العامة”. كما سبق أن سيطر على الإعلام في البلاد.
وتراقب السلطات التركية تويتر وفيسبوك عن كثب، وتستند العديد من الدعاوى القضائية القائمة على أساس “إهانة رئيس الدولة” أو “الدعاية الإرهابية” فقط إلى تغريدة واحدة أو بضع تغريدات.
ويقول مراقبون في العالم الافتراضي “تنتشر روح شبه عسكرية”، ويطالبون بإيقاف البلطجة الإلكترونية المنظمة التي تقوم برعاية حزب العدالة والتنمية.
العرب