العمالة المنزلية في الكويت.. ملف صغير يشغل بال الدولة

العمالة المنزلية في الكويت.. ملف صغير يشغل بال الدولة

الكويت – يجري التعامل في الكويت مع قرب قدوم عمال المنازل العالقين في بلدانهم بسبب أزمة كورونا، كحدث يستقطب اهتمام الإعلاميين وحتى السياسيين، بالنظر إلى الأزمة التي تسبّب فيها النقص في هذا النوع من الأيدي العاملة المطلوبة بشدّة في بلد اعتاد مواطنون على درجة مرتفعة من الرفاه مأتاه الأساسي سخاء الدولة في تقديماتها لهم وإحاطتها الاجتماعية بهم، ما جعل الترفّع عن العمل في الكثير من المهن لاسيما أكثرها صعوبة وأقلّها دخلا بمثابة ثقافة اجتماعية راسخة في الكويت.

وشهدت الكويت خلال الأشهر الأخيرة نقصا كبيرا في عاملات المنازل المستقدمات من الخارج، وذلك جرّاء القيود التي فرضتها جائجة كورونا على عملية نقل الأفراد والبضائع عبر العالم، وعزوف الكثير من البلدان عن إرسال مواطناتها لممارسة تلك المهنة في الكويت حيث تعرضت الكثير من عاملات المنازل لصنوف شتّى من الاستغلال والاضطهاد نقلت العديد من التقارير الإعلامية والحقوقية الدولية نماذج عنها.

وبسبب ذلك النقص نشطت “سوق سوداء” للمتاجرة بعاملات المنازل وبلغت فيها الممارسات غير المشروعة ما قالت عنه وسائل إعلام محلية إنّه بمثابة “تجارة رقيق معاصرة”.

وفي تعبير عن عمق انشغال الكويت مجتمعا ودولة، بأزمة العمالة المنزلية وُصفت بوادر فتح قنوات استقدام تلك العمالة من بلدانها الأصلية بـ”الانفراجة الكبيرة”.

وقالت صحيفة الرأي المحلية إنّ الجهات المعنية بهذا الملف شرعت مع إعادة تشغيل خطوط الطيران باتّجاه الدول التي كانت ضمن قائمة الحظر، “في التنسيق في ما بينها لعودة العمالة المنزلية العالقة خارج البلاد ولديها إقامات سارية، والتي تقدر أعدادها بنحو 10 آلاف فرد”.

ونقلت عن مصادر وصفتها بالمطلعة قولها إن الدول التي توجد بها هذه العمالة المنزلية لا يتجاوز عددها الخمس دول، وهي من ضمن قائمة الدول الـ34 التي يحظر على القادمين منها دخول الكويت، بسبب الإجراءات المرتبطة بمواجهة فايروس كورونا.

وأوضحت المصادر ذاتها أن عودة العمالة المنزلية العالقة تهدف إلى تخفيف الأعباء عن الأسر الكويتية التي تتكلف مبالغ كبيرة لإعادة هذه العمالة عبر دول ثالثة.

نقص العمالة المنزلية أوجد في الكويت ما يشبه “سوقا للرقيق” مكرّسا السمعة السيئة للبلد في معاملة عاملات المنازل الأجنبيات

ويرتقي ملف العمالة المنزلية في الكثير من الأوقات، وخصوصا أوقات الأزمات، إلى مشغل من الطرز الأول للدولة الكويتية، وذلك تحت ضغط الفئة المتربّحة من الملف من أصحاب مكاتب استقدام وغيرهم، وأيضا تحت ضغط الطلب الكبير من قبل المشغّلين لهذا النوع من العمّال.

وقالت الصحيفة إنّ اللجنة الفرعية المشكّلة بقرار من اللجنة الوزارية لطوارئ كورونا خاطبت الإدارة العامة للطيران المدني، وكلفتها بموافاتها خلال أسبوع بخطة واضحة المعالم وجدول زمني لعودة العمالة المنزلية.

ورتّب النقص الفادح في عمال المنازل أعباء مادية إضافية على العوائل المشغّلة لعاملات المنازل، لكنّه كلّف الدولة المزيد من تراجع سمعتها في مجال حماية عاملات المنازل الأجنبيات والحفاظ على حقوقهن.

وورد في تقارير صحافية كويتية أنّ بعض مكاتب الاستقدام غير المرخّصة تستغلّ الظروف الحالية لعرض يد عاملة منزلية غير مستجيبة للشروط أو موجودة في الكويت بصفة غير قانونية، وذلك في عمليات مثيرة لشبهات الاتّجار بالبشر.

وشبّهت مصادر استندت إليها تلك التقارير تشغيل عمال المنازل بطريقة غير قانونية بـ”تجارة الرقيق” من خلال “مكاتب وهمية تلتفّ على القانون وتوفّر العاملة بمبالغ تصل شهريا إلى أكثر من 1300 دولار”.

وكثيرا ما كان موضوع العمالة المنزلية ملفا إشكاليا في الكويت ينطوي على مساوئ تنظيمية ويجلب للبلد انتقادات حقوقية. بل إنّ الملف ذاته كاد في أكثر من مناسبة يتسبب في أزمات دبلوماسية بين الكويت والبلدان المصدّرة لهذا النوع من العمالة على غرار ما حدث بين الكويت والفلبين من تجاذب حادّ انطلق أوائل سنة 2018 واستمر لأشهر طويلة بعد مقتل فلبينية على يد مشغّلها الكويتي ما دفع مانيلا إلى اتخاذ قرار بمنع مواطنيها من السفر للعمل في الكويت، قبل أن تتراجع عن قرارها بعد تسوية القضية مع السلطات الكويتية.

وأصدرت النيابة العامة الكويتية في يوليو الماضي تحذيرا من الإساءة للعمالة المنزلية وأصدرت تعليماتها لوزارة الداخلية بضبط وإحضار أي مواطن يقوم بعرض العاملة المنزلية لديه للبيع كـ”سلعة”.

وجاء ذلك التحذير في خضمّ الضجّة الثائرة حول وجود “سوق رائجة” لبيع عاملات المنازل في الكويت كشف عنها تحقيق تلفزيوني عُرضت خلاله وثائق صوتية ومصوّرة تظهر عقد صفقات وإتمامها بنوع من السهولة والأريحية، إضافة إلى شهادات عاملات قلن إنهنّ تعرضن للبيع في الكويت.

وقبل نحو عام بثّت هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي على قناتها الفضائية شريطا استقصائيا عن تعرّض فتاة غينية صغيرة إلى البيع عدّة مرات في الكويت، بحيث تناقلها عدّة مشغّلين لتوظيفها كعاملة منزلية بعد قبض “ثمنها” في عملية بيع صريحة تمت عبر إعلانات موثّقة على شبكة الإنترنت.

ويدعم الشريط ما كان قد ورد في وقت سابق بتقرير تناقلته وسائل إعلام في الغابون (وسط غرب أفريقيا) ورد فيه أن “النساء من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، اللاتي هجرن أوطانهن بسبب الحاجة، يتم بيعهن ومعاملتهن كالعبيد بعد أن تم خداعهن وإيهامهن بأنهن قادرات على كسب العيش الكريم في الكويت”.

وذهب التقرير حدّ وصف وضع العاملات الوافدات إلى الكويت بـ”الكابوس”، لافتا إلى أنّ “عاملات المنازل الأفريقيات اللاّتي يتقاضين رواتب زهيدة في الكويت يتعرضن للعبودية”.

ونقل التقرير عمن أسماهم بوكلاء العمالة الذين يقومون بانتدابهنّ للعمل كعاملات منازل أو ممرضات، ومن ثم بيعهن إلى أرباب عمل محتملين القول إنّه “يتعين عليهن العمل لساعات طويلة وفي أي عمل يسند إليهنّ، وفي الكثير من الأحيان، تحت تهديد السياط”.

العرب