على خلاف ما ذهب إليه محللون من أنّ محور القمة السعودية الأميركية التي ستجمع اليوم في واشنطن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرئيس الأميركي باراك أوباما سيكون الاتفاق النووي الإيراني، يرى عدد من المراقبين أنّ هذا الاتفاق لن يكون سوى منطلق سعودي لتناول جملة التهديدات والمخاطر التي تشكلها محاولات التوسع الإيرانية في المنطقة، ومدى استعداد الرياض بمساعدة واشنطن أو من دونها للتصدي لها على الشاكلة التي سارت عليها عاصفة الحزم في اليمن.
تتفق العديد من تحليلات المراقبين هذه الأيام على أنّ الظرفية الإقليمية والتطورات التي تشهدها الساحتان الدولية والإقليمية على حدّ سواء، وما استجدّ عليهما من تعقيدات على خلفية الاتفاق النووي الإيراني، ستكون محور اللقاء القمة الذي سيجمع، اليوم الجمعة، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرئيس الأميركي باراك أوباما، في واشنطن.
ولئن يرى البعض أنّ الجانب الأميركي سيواصل العمل على التخفيف من قلق السعوديين من خلال اجترار نفس التطمينات السابقة التي أطلقها مسؤولون أميركيون في مناسبات عدّة، والتي تتعلق بالتزام واشنطن الدائم بأمن حلفائها العرب في المنطقة، إلاّ أنّ البعض الآخر يرى أنّ خطاب الملك سلمان سيكون هذه المرّة أكثر حدّة وأكثر وضوحا، خاصّة في ما يتعلق بالتهديدات التي تشكلها إيران باستعمال أذرعها الطائفية وميليشياتها المسلحة، على أمن دول عديدة في المنطقة شأن اليمن والعراق وسوريا والبحرين، تمهيدا لبسط نفوذها عليها.
وتأكيدا لذلك أفادت تقارير صحفية، مؤخرا، بأنه ينتظر أن تكون هذه القمة الأميركية السعودية حاسمة بالنسبة إلى عدة ملفات في المنطقة، وفي مقدمتها الملفان السوري واليمني اللذان لا يمكن التطرق لهما دون الحديث عن الدور الإيراني وضرورة مواجهته.
كما ألمحت التقارير إلى أنّ هذه الزيارة التي يؤديها الملك سلمان إلى واشنطن والتي تعتبر الأولى من نوعها منذ اعتلائه العرش خلفا للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، تسبق بأيام شروع الكونغرس الأميركي إثر عودته من عطلته الصيفية في الثامن من أيلول الجاري، في مناقشة الاتفاق النووي مع إيران، حيث تتجدّد حاجة الرئيس أوباما إلى الدعم السعودي، وعلى أقل تقدير إلى تخفيض الرياض من حجم تحفظها على الاتفاق، في ظل الاعتراض الشرس عليه من قبل الجمهوريين وقسم من الديمقراطيين أنفسهم.
ويعتبر مراقبون أنّ هذا الأمر يمثّل إحدى أوراق القوّة بيد الملك سلمان خلال زيارته لواشنطن، لكنه لا يمثّل كلّ الأوراق، حسب رأيهم.
ويقول هؤلاء إن لحظة زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الولايات المتحدة متخيّرة بدقّة وعناية، مشيرين إلاّ أن العاهل السعودي الذي رفض في مايو الماضي الانضمام لقمّة كامب ديفيد التي جمعت بين الرئيس أوباما وقادة دول الخليج العربي، اختار التوجّه إلى الولايات المتّحدة بعد أن تجمّعت بيده جملة من الأوراق التي تتيح له “مواجهة” الرئيس الأميركي على أساس “مقايضة الملفات”، بعد أنّ عدّل أوباما خلال فترة حكمه الأخيرة من قواعد العلاقة بين بلاده والسعودية، وخصم من رصيد الثقة الذي تراكم على مدار عقود من الزمان.
اجترار لخطاب التطمين
أعلن مسؤولون بالبيت الأبيض، أول أمس الأربعاء، أنّ باراك أوباما سيؤكد للعاهل السعودي الملك سلمان التزام الولايات المتحدة بالمساعدة في التصدي لأي تهديد أمني إيراني في محاولة للتخفيف من حدّة قلق حلفاء واشنطن الخليجيين من أن اتفاقا نوويا جديدا قد يعزز نفوذ طهران في المنطقة.
ولفت المسؤولون إلى أنّ أوباما سيسعى إلى تهدئة المخاوف لدى أهم شريك عربي من أنّ رفع العقوبات عن إيران سيسمح لها بالتحرك بطرق مزعزعة للاستقرار، خاصّة أنّه يريد استغلال هذه الزيارة لتعزيز العلاقات مع السعودية بعد فترة من التوترات.
وقال بن رودس مستشار أوباما للأمن القومي “نحن نتفهم أن لدى السعودية مخاوف بشأن ما قد تفعله إيران مع استفادة اقتصادها من رفع العقوبات”.
وأضاف أن الولايات المتحدة تعتقد أن إيران ستستخدم الكثير من أصولها التي سيرفع عنها التجميد بمقتضى الاتفاق، الذي تم التوصل إليه في يوليو الماضي والذي يفرض أيضا قيودا على برنامج طهران النووي، لتحسين اقتصادها المنهك.
واعترف رودس بأن هناك مخاطر لأن تنفق طهران تلك الأموال على “أنشطة شريرة”. لكنه قال إن أوباما سيوضح أنّ الولايات المتحدة ستفعل “كل شيء يمكننا القيام به” للتصدي لأي تهديدات إيرانية لجيرانها.
وأشار إلى أنّ الملك سلمان من المتوقع أن “يعبر عن الارتياح للاتفاق الإيراني في ما يتعلق بالمسألة النووية، لكنه سيكرر المخاوف السعودية بشأن تحركات طهران في المنطقة”.
وأضاف أن إدارة أوباما تركز على تقديم المساعدة التي وعد بها الرئيس الأميركي عندما استضاف قمة عربية خليجية في كامب ديفيد في مايو الماضي، بما في ذلك مساعدة دول الخليج في تحقيق تكامل بين أنظمتها المضادة للصواريخ الذاتية الدفع وتعزيز أمن الشبكات الإلكترونية والأمن البحري.
وكان الملك سلمان قد غاب عن قمة كامب ديفيد، في خطوة اعتبرها الكثيرون زجرا دبلوماسيا لاستراتيجية أوباما تجاه إيران، رغم أن حكومتي البلدين نفت ذلك التفسير.
بدوره قال انتوني كوردسمان المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن هذه الاجتماعات تنتهي عادة “ببيان عام يتحدث عن الاجتماع بأكبر قدر ممكن من الإيجابية”.
وأضاف أن “هذا الاجتماع لن يكون استثناء”، مشيرا إلى أن “البلدين شريكان استراتيجيان وثيقان على الرغم من خلافاتهما وكلا منهما يحتاج الى الآخر”.
ويرى مراقبون أنّ الخطاب التطميني، الصادر عن الدوائر الأميركية، والذي سيحاول أوباما أن يقنع به الملك سلمان لن يجد له صدى يذكر لدى الجانب السعودي ما لم يكن مدعوما بخطوات والتزامات أميركية جادة وجريئة في اتجاه الحد من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وضمان أن تتوقف عن بث الفتن في الدول العربية التي تشهد صراعات، بالإضافة إلى إجبارها على الإحجام عن مدّ ميليشياتها التي تطلقها هنا وهناك بالسلاح والدعم المادي واللوجستي.
ويلفت ذات المراقبين إلى أنّ الخطابات والوعود الجوفاء وحدها، واجترارها متى سنحت الفرصة، لم تعد تقنع حلفاء واشنطن الخليجيين، خاصّة أنّهم أضحوا يستشعرون أكثر من أيّ وقت مضى تنامي خطر طهران التي لم تدّخر جهدا في رفع نسقه أينما أتيحت لها الفرصة لفعل ذلك، في ظلّ صمت أميركي مريب على تلك الممارسات الإيرانية. وهو ما يثير لديهم مخاوف مضاعفة من سياسة غض الطرف الأميركية الجديدة تجاه قضايا المنطقة خاصة في ظل تنامي الحديث عن اعتزام واشنطن التخفيف من وجودها وربما انسحابها الكامل من الشرق الأوسط.
مركزية القضايا الإقليمية
على الرغم من أهمية الاتفاق النووي الإيراني القصوى بالنسبة للسعوديين والخليجيين عموما والأخطار التي يمكن أن تنجم عنه، إلاّ أنّ مناقشته لا تحتل الصدارة في أجندة أعمال الملك سلمان خلال هذه الزيارة التي يؤديها إلى واشنطن.
ويوضح مراقبون أنّ هذا الاتفاق ليس بحد ذاته ما يقلق المملكة كما بقية الدول العربية، وإنما أطماع إيران التي لا تتوانى عن الإشارة إليها عبر التصريحات أو على الأرض من خلال أذرعها المنتشرة في المنطقة، والتي سيعمل الملك سلمان على تعدادها والتطرق لها باستفاضة من أجل أن يُفهم الجانب الأميركي أنّ تلك التهديدات حقيقية وأكثر خطورة مما يتوقعه الأميركيون وأنّ المخاوف المنجرّة عنها ليست متأتية من فراغ وليست فزاعة كما يريد البعض أن يروج لها.
وتفيد تقارير صحفية في هذا الصدد أنّ الملك سلمان سيطلع الرئيس الأميركي على حقائق تكشف مدى تورط طهران في الصراعات الدائرة في المنطقة خاصّة في اليمن وسوريا، وهي معطيات يعلم السعوديون أنها ليست غائبة عن الولايات المتحدة، ولكنهم سيسعون إلى طرحها بشكل أوضح هذه المرة من أجل الوقوف على مدى مضي أميركا في سياسة غض الطرف الجديدة التي بدأت تنتهجها.
وسيحظى الملفان السوري واليمني بأهمية كبرى خلال هذا اللقاء القمة، إلى جانب الشكوك المتعلقة بالاتفاق النووي مع إيران.
وحول سوريا، قال بن رودس إنّ البيت الأبيض يريد التأكد من أن البلدين “لديهما وجهة نظر واحدة” حول مجموعات المعارضة السورية التي يجب أن تتلقى دعما.
وأضاف “نتطلع إلى عزل مزيد من العناصر المتطرفة عن المعارضة وهذا كان موضوع حوار مستمر مع السعودية”.
وعلى الرغم من التوافق حول بعض النقاط التي تخص الأزمة السورية إلاّ أنّ السعوديين مازالوا يتوجسون بالمقابل من التلكؤ الذي بدت عليه سياسات واشنطن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خاصة في ما يتعلق بمدى جديتها في تسليح القوات المعارضة لنظام بشار الأسد المدعوم من إيران. حيث أنّ الرياض ستعاود التأكيد لواشنطن خلال هذا اللقاء، أنها تأمل في انتهاء الحرب التي تشهدها سوريا بالتزامن مع مغادرة بشار الأسد السلطة.
ويقول سايمن هندرسون، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أنّ “المملكة العربية السعودية تعتبر الحرب ضد نظام الأسد المدعوم من إيران امتدادا للتنافس الفارسي العربي الأوسع”، وهو ما سيعبر عنه الجانب السعودي، وفق محللين، بصراحة مطلقة للأميركيين هذه المرة.
وهذا التورط الإيراني يؤكده مراقبون من خلال تحليلهم للمعطيات الموجودة على الأرض خاصة بعد إقحام طهران لعناصر من الحرس الثوري الإيراني بالإضافة إلى ميليشيات حزب الله اللبناني في المواجهات التي يستهدف من خلالها النظام قوات المعارضة السورية والمدنيين على حدّ سواء.
ويبدو هذا التورّط واضحا أيضا في اليمن، حيث اندلع صراع مسلح بعد سيطرة المتمردين الحوثيين الموالين لطهران على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى من البلاد مما استدعى من السعودية البدء في حملة عسكرية عرفت باسم “عاصفة الحزم” من أجل إعادة الشرعية إلى الرئيس عبدربه منصور هادي وإعادة الأمور إلى نصابها، حققت انتصارات كبيرة على الأرض ونجحت في ردّ التمرد الحوثي، ومن ورائه المساعي الإيرانية.
ويلتقي الملك سلمان بباراك أوباما هذه المرة، معزّزا بانتصاره هذا الذي يوصف بالكبير في اليمن، ليس على جماعة الحوثي المتمرّدة بل على الفاعل الأصلي في الأحداث اليمنية، أي إيران.
وتكمن أهمية هذا الانتصار في أنّه جاء ثمرة جهد عسكري خليجي بالأساس بقيادة السعودية والإمارات العربية المتّحدة سبقه جهد سياسي كبير تمكّن من كسب تأييد عربي ودولي واسع للعملية العسكرية التي كانت انطلقت في آذار الماضي.
وقد أتاحت تلك العملية التي تغيير اسمها لاحقا إلى “إعادة الأمل” تحرير أجزاء واسعة من البلاد وإضعاف ميليشيات الحوثي إلى حدّ كبير فاتحة الباب للإجهاز على الانقلاب بتحرير العاصمة صنعاء الذي تتواتر التوقّعات بقرب موعده.
وعلى اعتبار إيران كانت اللاّعب الرئيسي في اليمن من خلف ستارة جماعة الحوثي الموالية لها، فإنّ الإنجاز الذي حقّقه التحالف العربي هناك يتضمّن رسالة قوية للولايات المتحدة من السعودية وجلّ دول الخليج مفادها أنّ تلك الدّول ليست بوارد “الاستسلام” للنفوذ الإيراني في المنطقة حتّى وإن تحولت طهران بشكل مفاجئ إلى صديق للولايات المتحدة، وأن دول الخليج قادرة على حماية مجالها وردع التدخلات الأجنبية فيه بجهد سياسي وعسكري ذاتي.
قواعد جديدة للعبة
الثابت من خلال الدرس اليمني أنّ الرئيس الأميركي سيكون، اليوم، أمام قائد خليجي عربي أثبتت بلاده بشكل عملي قدرتها على جمع القوى الفاعلة في المنطقة خلف هدف حماية الأمن والاستقرار ومواجهة الأطماع الخارجية.
ويعتبر مراقبون التعاون والتنسيق عالي المستوى والفاعل بشكل مؤثر على أرض اليمن بين كل من السعودية ودولة الإمارات ومصر يعطي نموذجا عمليا على إمكانية نسج حلف إقليمي صلب يتولّى مهمة حماية الإقليم باستخدام القدرات الذاتية وتقليل التعويل على الصداقات الدولية.
وسيكون لبروز دول الخليج كتكتل وازن قادر على حماية مصالحه وجغرافيته بجهد ذاتي أهميته في تخفيف حدّة التركيز على الجانب الأمني من قبل إدارة الرئيس أوباما عبر تكثيفها مقترحات وعروض حماية دول الخليج ضدّ الأطماع الإيرانية سواء بتسهيل عملية بيع الأسلحة لتلك الدول أو بتركيز درع صاروخية أميركية في المنطقة الخليجية.
وفي هذا السياق قال الكاتب السعودي سلمان الأنصاري في مقال لشبكة سي أن أن الأميركية “إن التعاون العسكري والأمني والاستخباراتي سيكون حتما هو أهم ما ستطرحه حكومة أوباما على السعودية، ولكن السؤال الأهم هو هل هذا ما تريده السعودية حقا أم أنها تبحث عن شيء آخر”، مجيبا في ذات المقال أنّ “السعودية حتما مهتمة بمجالات التعاون الأمنية بكافة صنوفها مع واشنطن ولكن قلق الرياض غير منصب في تفاصيل ذلك التعاون المنشود لسببين أولا هو أن التعاون الأمني مع الولايات المتحدة قائم منذ 1945 وليس بجديد والسبب الآخر هو وفرة البدائل”.
وفي ضوء ذلك يرجّح أن تكون الرياض وراء إدراج قضايا المنطقة في شموليتها على أجندة المحادثات بين الملك سلمان والرئيس أوباما، حيث لن يُكتفى بالموضوع الأمني بل ستشمل المحادثات الأوضاع في سوريا واليمن بالإضافة إلى أنشطة إيران في منطقة الشرق الأوسط، وفق ما أعلنه جوش إرنست المتحدث باسم أوباما.
ومن بين أوراق القوّة الحاصلة بيد القيادة السعودية أيضا ما ثبت من قدرة دول الخليج على تنويع شراكاتها عبر العالم وتجاوز الارتهان للشريك الواحد.
ولا يبدو تنامي العلاقات الروسية السعودية، والروسية الإماراتية بشكل ملحوظ وارتفاع منسوب التواصل والتشاور بين موسكو والعاصمتين الخليجيتين بشأن أعقد القضايا، محض صدفة بقدر ما هو توجّه مدروس بقيادة الرياض وأبوظبي باتجاه كسب روسيا إلى الصف العربي خصوصا عبر الارتباط معها بعلاقات ومصالح اقتصادية.
كما أنّ توجيه بوصلة التسلح الخليجي نحو كلّ من فرنسا وروسيا، والذي بات أمرا واقعا، لن يغيب عن ذهن المحاور الأميركي هذه المرة كونه بدأ يتحسس أنّ الطرف الذي يقابله، بقدر ما هو ملتزم بتحالفاته وصادق في وعوده وواضح في خياراته، بقدر ما هو أقدر كذلك على قلب الطاولة في أيّ لحظة وصياغة منافذ ومسالك متعددة وتركيز قواعد جديدة للعبة، إذا ما تحسس بدوره تواطؤا أو صمتا مريبا من حليفه تجاه خطر داهم يتهدد وجوده.
صحيفة العرب اللندنية