ماذا يمكن أن يتحقق لحلف الناتو في ظل رئاسة بايدن

ماذا يمكن أن يتحقق لحلف الناتو في ظل رئاسة بايدن

يتوقع المراقبون السياسيون اليوم حدوث علاقة أكثر انسجاما بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال السنوات المقبلة في ظل الرئيس المنتخب جو بايدن بعد أن خلّف الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب سيلا من الشكوك حول الترابط القديم بين الطرفين، والذي هدّد تماسك هذا الكيان.

بروكسل/واشنطن – شكّل ترحيب حلف شمال الأطلسي (الناتو) بفوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية ودعوته إلى عقد قمة في مارس المقبل يكون فيها الرئيس المنتخب طرفا مهمّا مؤشرا كبيرا، بحسب المتابعين، على مدى امتعاض الحلف من سياسات سلفه دونالد ترامب والتي أدت إلى تماهي الأعضاء مع مزاجيته حتى انتهاء فترة ولايته.

وكان ترامب قد قال مرارا إن الناتو “عفا عليه الزمن” وإن بعض الحلفاء غير ملتزمين حتى أنه أصدر تهديدا مستترا في يوليو 2018 بسحب الولايات المتحدة من الحلف، وزاد من منسوب المشاكل حينما أعلن في وقت سابق هذا العام اعتزامه خفض القوات الأميركية في ألمانيا، متّهما برلين بالتقاعس عن الوفاء بمتطلبات الإنفاق الدفاعي للحلف واتهمها باستغلال واشنطن في مجال التجارة.

وقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، أكد العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين أن معظم الحلفاء يرغبون في فوز بايدن، لكنهم أشاروا إلى أنهم سيعملون مع إدارة ترامب إذا أعيد انتخابه. وقالوا إن القمة المرتقبة ستتيح للرئيس المنتخب أساسا إعادة أوروبا وأميركا الشمالية كل منهما إلى الأخرى، وستتيح لحلف شمال الأطلسي أيضا فرصة لتجاوز عهد ترامب.

ويرى محللون أنه في غياب السياق المحدد للسياسة الأميركية في أعقاب الانتخابات الرئاسية، عمل بايدن طوال حياته في السياسة كعضو في المؤسسة التقليدية، وهذا يعني في دوائر السياسة الخارجية، أن معظم مواقفه مرتبطة بالسياسات الرسمية للولايات المتحدة.

ويقول ماثيو كروسستون كبير المحللين الاستراتيجيين التحليليين في آي 3، وهي شركة استشارات استخباراتية استراتيجية في تقرير نشرته مجلة “موديرن بدلوماسي”، إن الحقيقة الماثلة أمام الجميع الآن هي أن بايدن هو الفائز في انتخابات نما فيها الرئيس المهزوم بالفعل ليؤمن بالنقد اللاذع الذي أرسله به أتباعه المتحمسون إلى واشنطن في عام 2016، أي أن ترامب اعتمد خطابا أراد به ببساطة تقويض سياسية الحزب الديمقراطي لكي يدخل البيت الأبيض.

وفي حين أنه من الصحيح أن ترامب تراجع ببطء عن بعض خطاباته الانتقادية للغاية ضد حلف الناتو الذي يضم 30 دولة وتم تشكيله في عام 1949 لمواجهة التهديد الذي يمثله الاتحاد السوفييتي، إلا أنه من الواضح أن الرئيس المنتهية ولايته لم يعتبر هذا الكيان ذي قيمة ومن غير المرجح أن يدعوها إلى القيام بأي دور حيوي في رؤيته للسياسة الخارجية.

ويؤكد كروسستون، وهو نائب الرئيس التنفيذي لمجلة “موديرن دبلوماسي”، أنه عند النظر إلى بايدن كرئيس، والجمع بين تاريخه الطويل من الدعم التقليدي لمؤسسات السياسة الخارجية القائمة منذ فترة طويلة ورغبته المفهومة في الوقوف بوجه معارضة مباشرة لمواقف ترامب السابقة، فإن “مستقبل الناتو يبدو مشرقا إن لم يكن ملهما أيضا”.

وفي الواقع، ومنذ عام 2016 قبل فوز ترامب بالرئاسة فعليا، سجل بايدن إعلانا عن أن البقاء جزءا من حلف الناتو والوفاء بجميع التزاماته ومسؤولياته كانا بمثابة “شرف مقدس” وتساءل عما إذا كان ترامب قد فهم حتى ما الذي فهمه بعض هؤلاء؟

وسيكون من الصعب على بايدن التعبير بشكل أكثر دراماتيكية عن دعمه لحلف الناتو كما فعل ترامب، وتجاوز التحالف الدبلوماسي ومناقشته بمصطلحات شخصية أكثر عاطفية، ولكن من المؤكد أن وصوله إلى البيت الأبيض يعطي تلميحا مهمّا حول حدوث تغيير في موقفه بشأن التحالف.

وفي الفترة التي سبقت فوزه هذا الشهر، وفي مسار حملته الانتخابية، غيّر بايدن تكتيكاته بشكل طفيف لتعزيز أهمية حلف الناتو في مواجهة مواقف ترامب شبه الانعزالية المنفردة في معظم قضايا السياسة الخارجية.

وفي نظر كروسستون فإن بايدن يتخطى الواجبات المقدسة والالتزامات التاريخية، ويؤكد كيف أنه سيكون ببساطة “كارثيا” بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تعتقد أنه يمكن أن يستمر النظر إليها على أنها شرطي عالمي أو تحاول أداء مثل هذا الدور دون الاعتماد على العلاقات الدولية في بناء تحالفات قوية.

وبرز حلف الناتو، بالنسبة إلى بايدن، كإحدى المنظمات المثالية التي تهدف إلى مساعدة الولايات المتحدة على المضي قدما في تطبيق سياساتها على الأرض حتى أنه خرج بميلودراما الحرب الباردة المتعبة لإخافة الرأي العام الأميركي، مشيرا بشكل لا لبس فيه إلى أن الولاية الثانية لترامب لن تعني على الأرجح نهاية حلف الناتو كمنظمة عاملة فحسب، بل يعني إذعانا فعليا من قبل الولايات المتحدة لـ”الجهات السيئة” في المنطقة الأوروبية الكبرى مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وهذه الصيغة هي الأكثر أهمية من حيث دعم بايدن للناتو، فتقاليده تعني عدم وجود دفع أو رغبة في رؤية أي تطور أو تكيّف مع المهمة بالنسبة إلى المنظمة لأن حلف عام 1965 مناسب تماما لرئاسة بايدن.

وبمعنى آخر تحتاج الولايات المتحدة إلى العمل كحلف حصين ضد أي مبادرات أو مناورات روسية، وإذا كان بايدن يرغب في الاعتماد على شراكات التحالف لتقاسم المسؤوليات، فمن الواضح أن نسخة الناتو الحالية في تعاملها مع موسكو ستكون تماما كما تعامل الحلف مع الاتحاد السوفييتي قبل خمسين عاما.

العرب