الباحثة شذى خليل*
منذ العام 2003 والعراق يحاول الإعلان عن استثمار مئات المشاريع الخدمية والعمرانية في بغداد، إلا أن أكثرها لم يكنَ عملياً سوى “حبر على ورق”، إذ حال الفساد والمحسوبية وغياب فكر الدولة، والأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة التي رافقت السنوات الماضية دون إنجاز العديد منها ، إضافة الى البيروقراطية الإدارية وغياب الخطط الصحيحة وعدم تشريع القوانين المرنة الجاذبة للاستثمار، إضافة إلى الفساد المالي والإداري، كل ذلك أدى الى تردي الواقع الخدمي والعمراني وظهور عشرات المشاريع المتلكئة في العاصمة بغداد وبقية مدن العراق.
من المعروف ان انجاز المشاريع الخدمية وتأخر إنجازها مرتبط بالوضع السياسي والاستقرار الأمني الذي يمر به العراق، وبات الموضوع اكثر جدية من ذي قبل ، حيث العمل الحقيقي في هذا الحقل الذي يعد من اهم الحقول لبناء المجتمع أولا والوطن ثانيا وماله من تبعات اقتصادية اجتماعية ونفسية وسياسية .
أن الدولة العراقية أنفقت مئات ملايين من الدولارات على تمويل هيئات الاستثمار من أبنية وأثاث ومرتبات، إلا أن عدد المشاريع الاستثمارية المرخصة والتي يقدر عددها بنحو 1500 مشروع لم ينفذ منها إلا العدد القليل في جميع أنحاء البلاد، الذين من الممكن ان يقدموا هذه الاستثمارات بأيدي عراقية تسهم بنهضة العراق من جديد ولكن العوائق المذكورة تحول دون ذلك .
التنمية الاقتصادية والاستثمار في المشاريع بكل أنواعها تلبي طموح الكثير من الشباب المتظاهر واستقطاب عدد كبير من الأيدي العاملة لتقليل البطالة، لكن المماطلة وعدم وضوح الخطط الاستراتيجية لإخراج البلد من هذه الأزمة لم تكن ناجحة التي أثرت وبشكل سلبي في بيئة العراق حيث اصبح بيئة طاردة للاستثمارات .
في جميع الدول تتقدم بالتنمية الاقتصادية والبنى التحتية للخدمات من خلال الاستثمار ووجود نافذة التسهيلات اللازمة للمستثمر واستقطاب رؤوس الأموال والمحافظة على رؤوس الأموال المحلية، وهناك عشرات ملايين الدولارات مستثمرة في الخارج من قبل رجال الأعمال العراقيين، والعراق يفتقر الى هذه الطبقة التي من الممكن ان تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي بأيد عراقية .
واليوم تمر حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بأصعب أوقاتها، حيث من خططها لتجاوز الأزمة اللجوء للاقتراض لسد حاجتها من السيولة النقدية، بالإضافة لتعظيم الموارد من خلال استقطاب الاستثمارات الخارجية، كتلك التي أبرمتها مع السعودية في يونيو/ حزيران الماضي، لاستثمار أرض شاسعة على الشريط الحدودي بين البلدين، مع إحكام قبضتها على بعض الموارد الداخلية.
قانون الاستثمار العراقي
حاول المشرعون العراقيون من خلال سنّ قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006 توفير بيئة قانونية للمستثمرين العراقيين والأجانب من خلال نص القانون على توفير الدولة للأراضي التي سيستخدمها المستثمرون في مشاريعهم، مقابل بدلات إيجار منخفضة نسبيًا، فضلاً عن إعفاءات جمركية وضريبية مغرية، تشمل ضمانات للمستثمرين بعدم مصادرة المشاريع أو تأميمها.
إذ شهد الاستثمار في السنوات الأولى لسن القانون المباشرة بترخيص وتنفيذ بعض المشاريع الاستثمارية في مختلف المحافظات، ومع تقدم الوقت، بدأت العراقيل في اعتراض طريق المستثمرين، وما حدث بمجلس النواب العراقي إجراء عدة تعديلات على القانون ليتلاءم مع الواقع العراقي. تنمية الموارد البشرية حسب متطلبات السوق وتوفير فرص عمل للعراقيين.
ويعد الملف الأمني أحد أبرز التحديات التي تواجه المستثمرين والشركات على حد سواء، فالنزاعات العشائرية وتدخلات بعض المتنفذين في عمل الشركات، إضافة إلى خطر انتشار الجريمة المنظمة والجماعات الخارجة عن القانون، وقيام الأخيرة بفرض الإتاوات على الشركات وتهديد مصالحها وعمالها في حال عدم دفع تلك الإتاوات، الأمر الذي دعا العديد من الشركات العالمية إلى إعادة النظر في العمل والاستثمار في العراق، بحسب دراسة أعدها مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية.
حماية حقوق وممتلكات المستثمرين، وتوسيع الصادرات وتعزيز ميزان المدفوعات والميزان التجاري للعراق، لكن لا شيء منفذ على ارض الواقع .
نحن بحاجة الى نظام مؤسساتي صحيح للقضاء على الفساد، والابتعاد عن الانظمة القديمة في عرقلة عجلة التقدم الاستثماري، وتسهيل الاجراءات التي يحتاجها المستثمر لخلق بيئة صالحة للاستثمار، وما هو مهم هو تطبيق القانون وبشكل دقيق، والالتزام من قبل الدوائر المعنية والقطاعات ذات العلاقة للوصول الى نتيجة يمكن استقطاب الشركات العالمية من خلالها، وأن السبيل الوحيد لإعمار العراق يتمثل في تأسيس مجلس الإعمار الذي يجب أن يكون وفق مبدأ المساهمة، وأن تلحق هيئات الاستثمار به، مع وجوب أن تتولى شركة محاسبة عالمية جميع عمليات المراقبة والتدقيق والخروج بتقرير دوري.
مع كل أزمة اقتصادية يشهدها العراق، تعيد دوائر صنع القرار في البلاد الحديث عن ضرورة تصحيح الوضع الاقتصادي العام، وجلب الاستثمارات الأجنبية والمحلية من أجل بدء إعادة الإعمار وتوفير فرص عمل للشباب،غير أن العراقيين يدركون في كل مرة أن هذه الدعوات لا تكاد تجد لها تطبيقا على أرض الواقع؛ بسبب تضارب القوانين، فضلا عن الفساد والبيروقراطية الإدارية.
ومما لاشك فيه أن هناك دور مهم للاستثمارات في إعادة إعمار ما دمرته الحرب التي عاشها العراق خلال السنوات الماضية إثر سيطرة تنظيم الدولة “داعش” على مساحات كبيرة من البلاد في يونيو/ حزيران 2014، إلا أن مشكلات كبيرة تقف عائقا أمام ذلك، لعل أهمها هو النظام الإداري العراقي، وعدم اعتماد العراق في اقتصاده على مبدأ السوق المفتوح بصورة كاملة.
إذ أنه ومع تضرر وتدمير أعداد كبيرة من الجسور والمستشفيات والبنى التحتية في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وكركوك كونها من أهم المرتكزات التي على الحكومة توفيرها لجذب الاستثمارات للبلاد، أن الأمل الوحيد لتفعيل الاستثمار يتمثل في تعديل قانونه وإلغاء ما يعارضه بما يحمي المستثمر وأمواله، فضلا عن ضرورة الإعلان عن جميع الفرص الاستثمارية المتاحة بشفافية، بعد إكمال جميع إجراءاتها مع تجديد النظام المصرفي العراقي الذي يمكن وصفه “بالمتهالك، والذي يعتمد الآليات التي عفا عليها الزمن، ومن الممكن ان يكون نجحا أيضا لإعمار العراق يتمثل في تأسيس مجلس الإعمار الذي يجب أن يكون وفق مبدأ المساهمة، وأن تلحق هيئات الاستثمار به، مع وجوب أن تتولى شركة محاسبة عالمية جميع عمليات المراقبة والتدقيق والمحاسبة لاي تقصير.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية