خصومة بين قاضيين في تونس تكشف فسادا وتلاعبا بملفات الإرهاب

خصومة بين قاضيين في تونس تكشف فسادا وتلاعبا بملفات الإرهاب

تونس – قرر مجلس القضاء العدلي بتونس مساء الثلاثاء رفع الحصانة القضائية عن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، وتعهيد النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس للنظر في فحوى التسريبات من شبهات جرائم تتعلق بقضايا اغتيال المعارضين شكري بالعيد ومحمد البراهمي وشبهات جرائم تتعلق بقضايا إرهابية وقضايا فساد مالي.

وجاء قرار المجلس استجابة لطلب تقدم به الطيب راشد، لرفع الحصانة عنه وأعرب فيه عن استعداده لتحمل مسؤولياته ورفع الحرج عن مجلس القضاء العدلي والمثول أمام الهيئة القضائية المختصة، وفق قناة التاسعة الخاصة.

وأوضح المجلس أنه اتخذ هذه القرارات في جلسته المنعقدة الثلاثاء على أن يتم إعلام المجلس بما سيتم اتخاذه من إجراءات، كمراسلة التفقدية العامة بوزارة العدل لمدها بمآل الأبحاث في جميع الشكاوى المرفوعة ضد القاضيين الطيب راشد والبشير العكرمي في أجل أقصاه أسبوعان.

وقرر المجلس رفع الحصانة عن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد في ملف واحد من مجموع ثلاثة ملفات، دون الالتفات لمطلب التخلي عن الحصانة المقدم من طرفه أثناء التداول في الملف، وتأجيل البت في الملفين الآخرين لاستكمال الوثائق اللازمة.

وبدأت الخصومة بين القاضيين إثر توجيه مراسلات صادرة عن الطيب راشد رئيس محكمة التعقيب وهي أعلى وظيفة في سلك القضاء والبشير العكرمي النائب العام إلى التفقدية العامة بوزارة العدل وإلى وزير العدل وإلى المجلس الأعلى للقضاء، تضمنت اتهامات متبادلة بين الطرفين، كشفت تلاعبا بالملفات القضائية وسوء استخدام السلطة القضائية وتوظيفها لتحقيق إثراء غير مشروع.

واتهم الطيب راشد وكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي بـ”التلاعب بملف اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013″.

وقال راشد “إنه اكتشف عند تكليفه من قبل وزير العدل بمراجعة ملفيهما، أن العكرمي لم يقم باعتماد شهادة الإرهابي عامر البلعزي الذي اعترف بإتلاف السلاحين الناريين اللذين تم استعمالهما في عمليتي الاغتيال كما تم إخفاء محاضر البحث المتعلقة به”، مضيفا أن “الأبحاث لم تتضمن ما يفيد بإجراء الاختبارات الفنية اللازمة بخصوص كمبيوترين تم حجزهما في علاقة بعمليتي الاغتيال”.

وأكد “أن العكرمي استغل صفة الضابطة العدلية والقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والقطب القضائي الاقتصادي والمالي بحكم إشرافه القانوني على تلك الهياكل لضرب كل من يصنفه عدوا له، والانحراف بهذه الهياكل في مهامها الأصلية في كشف الحقائق” واتهمه أيضا بـ”تلفيق التهم لخصومه، والتستر على الجرائم الإرهابية من خلال إغلاق الملفات رغم ثبوت الصبغة الإرهابية لبعض الأفعال”.

وفي المقابل اتهم العكرمي، في مراسلته، الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، بالتورط في شبهات فساد مالي والثراء غير المشروع، موضحا أنه “قام بشراء عدة عقارات وتعمّد التنصيص على أثمان غير حقيقية لها مع وجود شبهة قوية على استعماله شخصا كواجهة لشراء العقارات سنة 2019، الأوّل ثمنه مليون ألف دينار والثاني ثمنه 240 ألف دينار”، مشيرا إلى أنّ أحد العقارين تمّ إبرام عقد بيعه خلال نفس التاريخ ومن طرف نفس عدلي الإشهاد وبنفس مكان إبرام العقد.

وأكد العكرمي أن “قيمة العقارات الحقيقية تتجاوز بكثير تلك المصرح بها بعقود البيع إذ تتجاوز ستة أو سبعة مليارات”، مضيفا أنّ “ثروة الطيب راشد هي ثروة ضخمة حسب ما هو مضمّن بتقرير الإدارة العامة للأداءات”.

وأثارت هذه التسريبات ردود فعل من قبل عدد من الهيئات المهنية والمتابعين للشأن القضائي والسياسي والرأي العام عموما، الذين طالبوا المجلس الأعلى للقضاء بالتدخل للبت في هذه المسألة والتحقيق في هذه الاتهامات المتبادلة.

ووصف القاضي السابق أحمد الصواب ما يحدث من تبادل للاتهامات بين وكيل الجمهورية السابق للمحكمة الابتدائية بتونس والرئيس الأول لمحكمة التعقيب بالكارثة.

وقال الصواب “إن القانون يخول للمجلس الأعلى للقضاء الإيقاف التحفظي للقضاة في صورة المس من شرف المهنة أو ارتكاب جناية”، مشددا على ضرورة تفعيل القانون واتخاذ قرار بالإيقاف التحفظي للقاضيين المعنيين.

وأعادت الخصومة بين القاضيين والتي كشفت المستور من التجاوزات في السلطة القضائية، مسألة استقلالية القضاء التي طالما طالب العديد من الحقوقيين والمجتمع المدني برفع اليد عنه وحمايته من التدخلات السياسية والحزبية، في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية التي كثيرا ما وجهت لها اتهامات بتدجين القضاء وتطويعه خدمة لمصالحها.

العرب