مقتل محسن فخري زاده، العالم النووي والضابط في الحرس الثوري شكل عنصر إحراج لمختلف أجنحة النظام الإيراني التي تباينت ردود أفعالها بين المطالبة بالانتقام الفوري والتريث حتى يحين الوقت المناسب للرد.
غير أن الثابت أن جهة القرار تفضل أن لا تدخل إيران في شبكة معقدة من ردود الفعل غير المتوقعة إن هي تورطت في المضي وراء حماسات غير مدروسة في مرحلة دقيقة يمر العالم بها بسبب انتقال السلطة في الولايات المتحدة.
اللافت في الأمر أن إيران وعلى لسان رئيسها وجهت الاتهام إلى إسرائيل في حين أنها صمتت حين تعرضت منشآتها النووية ومصانع صواريخها إلى حرائق متتالية خلال الأشهر الماضية فكان الفاعل مجهولا.
إيران التي تخطط أن تكون دولة نووية هي أضعف من أن تدخل حربا تقليدية مع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة
صمتت إيران في حينها لأنها لم ترغب في الكشف عن عجزها مقابل تفوق عدوها الذي لم يسبق له أن تعرض بالحديث عن تلك المنشآت إلا بطريقة عرضية. أما في حالة اغتيال فخري زاده فإن إسرائيل سبق لها وعلى لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أن تحدثت عن الدور الكبير الذي يلعبه فخري زاده في تطوير البرنامج النووي الإيراني. ولقد اعتبرت إيران ذلك الحديث هو بمثابة اعتراف مسبق بالمسؤولية عن مقتل العالم النووي.
ولكن ما الذي تملكه إيران لتقوم بانتقامها؟
من المؤكد أنها لن توجه صواريخها إلى إسرائيل. ذلك تصرف انتحاري لن تقوم به. أقصى ما يمكن أن تقوم به إيران هو أن توعز لميليشياتها في العراق ولبنان واليمن بتوجيه صواريخ إلى دول عربية هي صديقة للولايات المتحدة وهو تصرف قاصر يدل على الجهل السياسي وعدم القدرة على فهم العلاقات بين الدول.
من جهة أخرى فإن إيران أربكت نفسها في انتظار تسليم السلطة في الولايات المتحدة، فهي تعتقد أن جو بايدن سيعيد إليها كل ما اكتسبته بسبب الاتفاق النووي الذي أشرف عليه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وهي تظن أن عملية اغتيال عالمها النووي جاءت من أجل إفساد ذلك الانتظار.
وإذا كانت إسرائيل هي التي قامت بتلك العملية التي تذكر بعملية اغتيال قاسم سليماني في بغداد فإن ذلك معناه أنها دخلت في سباق مع واشنطن على الصعيد نفسه. وهو صناعة واقع تكون الولايات المتحدة في ظل زعامة جو بايدن مضطرة للتعامل معه.
غير أن ذلك لا يمكن النظر إليه إلا باعتباره تكهنات. فالولايات المتحدة لا يمكن أن تفاجئ إسرائيل بقرار على مستوى العودة إلى الاتفاق النووي بشروط جديدة. ذلك ما تحلم به إيران. غير أن ذلك لن يكون حلما متاحا. فإيران نفسها تغيرت بعد أن مدت أذرعها إلى مناطق لا يمكن أن تتخلى عنها الولايات المتحدة.
تدرك إيران أن الوقت لا يمر لصالحها. كانت هناك ضربة أميركية قد تم إلغاؤها. قبل مقتل فخري زاده كانت إيران خائفة من المرحلة الانتقالية في الولايات المتحدة. ذلك خوف يمكن تفسيره من خلال التسريبات التي يمكن أن تكون إيرانية ولا أساس لها من الصحة.
وبغض النظر عما يحدث لها فإن إيران لن تتمكن من الانتقام في الاتجاه الصحيح. لا لأنها ستخطئ الهدف بل لأنها تعرف أن ذلك التصرف سيكون ثمنه باهظا. وهي تدرك أنها لن تكون مؤهلة للدخول في حرب ستدمرها.
لقد سبق لإسرائيل أن وجهت ضربات نوعية إلى إيران داخل العمق الإيراني وخارجه من غير أن تتمكن إيران من الرد، بل أنها لم تفكر في الرد. لا لشيء إلا لأنها تتحاشى الانزلاق إلى حرب شاملة تعرف أنها ستخسرها.
إيران وعلى لسان رئيسها وجهت الاتهام إلى إسرائيل في حين أنها صمتت حين تعرضت منشآتها النووية ومصانع صواريخها إلى حرائق متتالية
فإيران التي تخطط أن تكون دولة نووية هي أضعف من أن تدخل حربا تقليدية مع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة. ستكون الشعارات في مكان خفي أما الواقع فإنه يقول شيئا آخر. يعرف الإيرانيون أنهم سيُهزمون إذا ما وقعت تلك الحرب. بل إن النظام الإسلامي سيسقط وذلك ما تنتظره الشعوب الإيرانية.
لذلك فإن مقتل فخري زاده سيمر. سينظر إليه النظام الإيراني من جهة كونه الخسارة التي يجب أن يقدمها في مرحلة الانتظار. وهو منطق سياسي يفتقد إلى الكثير من الحس الإنساني.
يحلم النظام الإيراني بأن يعيده بايدن إلى سكة السلامة. وهو ما لا يتوقعه أحد.
العرب