هل كانت عملية اغتيال عالم الذرة الإيراني خطوة إسرائيلية حكيمة؟

هل كانت عملية اغتيال عالم الذرة الإيراني خطوة إسرائيلية حكيمة؟

لم يكن السؤال الصحيح فيما يتعلق باغتيال عالم الذرة الإيراني، محسن فخري زادة، هو ما إذا كانت عملية الاغتيال محقة؟ بل: هل كانت حكيمة؟ نحن على حق، فمن يقف على رأس برنامج يشكل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل وجب أن يعرف بأن “ذنبه على جنبه”. والسؤال هو: هل العملية حكيمة؟ يمكن الإجابة على ذلك من خلال فحص عشرة مؤشرات.

1- علينا فحص إذا كان الاغتيال سيؤدي إلى إلحاق ضرر شديد بالمشروع النووي الإيراني. الجواب كما يبدو: لا. الحديث يدور عن تنظيم واسع النطاق، وليس لأي شخص وحده، مهما كان كبيراً، تأثير حاسم عليه. إسرائيل، حسب ما نشر، سبق واغتالت في السابق عدداً من علماء الذرة الإيرانيين، ورغم ذلك يواصل الإيرانيون تنفيذ المشروع. صحيح أن الاغتيالات هذه تردع علماء ذرة شباباً وتتسبب بصيد الساحرات لدى الإيرانيين في محاولة للعثور على عملاء محتملين، لكن كل هذا لن يؤدي إلى تشويش حقيقي على المدى البعيد.

2- ما زال الوقت مبكراً كي نحدد إذا كان هناك رد شديد لإيران. فأحداث العام الماضي، مثل تصفية الجنرال قاسم سليماني على أيدي سلاح الجو الأمريكي، وانفجار في منشأة نطنز، وتصفية رقم 2 في القاعدة في إيران، والآن اغتيال فخري زادة – كل ذلك ينتج ضغطاً كبيراً على النظام الإيراني من أجل الرد، خوفاً من فقدان القدرة على الردع. ولكن إيران تواجه صعوبات غير قليلة في محاولتها للرد على أحداث من هذا النوع. وإذا لم ترد في الأيام القريبة، فهذا يعني أنها قررت الرد في المكان المناسب والزمان المناسب لها. فعلياً، سيعطي هذا التأجيل فرصة للمفاوضات مع بايدن.

3- هل سيزيد الاغتيال احتمالية حدوث مواجهة حقيقية بين إيران وإسرائيل، وضمن ذلك تدخل الولايات المتحدة، في الأسابيع التي بقيت إلى حين تسلم بايدن لمنصبه؟ الإجابة: نعم. هل هذه مصلحة إسرائيلية؟ لا.

في وسائل الإعلام تم عرض سيناريو محتمل بأن إيران سترد بشدة على الاغتيال، وبهذا تمنح ترامب ذريعة لتنفيذ خطوة عسكرية هدفها أن تسحب المشروع الإيراني بضع سنوات إلى الوراء. ربما كان لإسرائيل مصلحة في سيناريو كهذا قبل نصف سنة أو قبل سنة، عندما لم يكن بالإمكان الربط بين هجوم كهذا وبين تغييرات في الإدارة في الولايات المتحدة. ولكنه الآن سيناريو غير مرغوب فيه، بل وخطير.

4- هل سيزيد الاغتيال من الصعوبة على بايدن في التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، وهل سيعتبر في نظر كثيرين في الولايات المتحدة محاولة متعمدة للتخريب في احتمالات التوصل إلى اتفاق كهذا؟ الإجابة: نعم. هل لإسرائيل مصلحة في أن تتصدر هذه الأزمة المواضيع الخارجية للإدارة الجديدة؟ في الحقيقة، لا.

5- هل اغتيال كهذا هو الطريقة السليمة للتأثير على مواقف بايدن في الشأن الإيراني؟ قطعاً لا. بالعكس، هذه هي طريقة للبدء في تأسيس علاقات مع الإدارة الجديدة بالقدم اليسرى، وبالتحديد في قضية أساسية. لبايدن ولمن يتولون الوظائف الرفيعة سجل واضح مؤيد لإسرائيل. ولكن لا يتم خلق صداقات جديدة هكذا.

6- هل يعزز الاغتيال المحافظين في إيران؟ يبدو أن الجواب: نعم. ففي حزيران يتوقع إجراء انتخابات رئاسية في إيران، ومصلحة إسرائيل هي تشجيع المعتدلين الذين يطمحون إلى اتفاق جديد، وليس تعزيز المحافظين.

7- هل كان توقيت الاغتيال صدفياً، وهل كان نتيجة فرصة عملياتية فتحت الآن؟ وإذا كان الأمر هكذا، فكيف كان يجب أن تؤثر على قرارات إسرائيل؟ الاستعداد لعمليات دقيقة جداً من هذا النوع يستمر لأشهر وحتى سنوات. وربما فتحت نافذة فرص عملياتية. ولكن فرصة عملياتية لا تعني ضرورة تنفيذ عملية. شخص ما، أي رئيس الحكومة، مطلوب منه المصادقة على العملية في هذا الوقت.

8- ليست إسرائيل بحاجة إلى أزمة عسكرية خطيرة الآن، خصوصاً في وقت هي فيه في أزمة صحية واقتصادية وسياسية تعدّ الأكثر خطورة منذ قيامها. هذه التداعيات في الوضع الراهن كان يمكن أن تكون مبررة لو تعلق الأمر بإنجاز استراتيجي كبير، من الأرجح أن الأمر يتعلق بمصلحة حيوية لرئيس الحكومة الذي استغل عملية الاغتيال لحرف الأنظار عن التحقيق في موضوع الغواصات، وما زال يدير صراعاً منفلت العقال على البقاء.

9- السؤال الحاسم هو: ما الذي يجب على إسرائيل أن تفعله؟ والجواب: أن تحاول التوصل إلى أكبر قدر من التنسيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة فيما يتعلق بشروط العودة إلى الاتفاق النووي، وفيما يتعلق بالنوايا العلنية لاستغلال الوضع القائم كقاعدة للتوصل إلى اتفاق جديد. لم يشرح بايدن العلاقة بين الأمور. ويدور الحديث بدون شك عن عملية معقدة وصعبة، ولا توجد أي ضمانة بنجاحها، ولإسرائيل إمكانية كبيرة في الإسهام في موقف الإدارة الجديدة للتعامل في هذه المسألة.

الطاقم الذي عينه بايدن يتكون من أشخاص متزنين ويهتمون بمواجهة عيوب الاتفاق القديم. على إسرائيل استغلال فضاء التفاهم الكبير الذي لها مع هؤلاء الأشخاص من أجل رسم مقاربة مشتركة بدلاً من إبعادهم من أجل تحقيق مكاسب تكتيكية محدودة.

10- لا شك بأن لعمليات اغتيال وعمليات إحباط أخرى دوراً مهماً في مجمل الجهود التي تبذلها إسرائيل في محاولة لإيجاد رد بعيد المدى على المشروع النووي الإيراني. ولكن ثلاثين سنة من التجربة تثبت بأنها لا تؤدي إلى أكثر من تأخير تقدم المشروع النووي. مع أنه إنجاز مهم، لكنه لا يكفي. حتى عملية عسكرية لتدمير المنشآت النووية، مهما كانت ناجحة، لن تحقق أكثر من تأجيل لبضع سنوات.

الحل بعيد المدى الوحيد هو اتفاق دبلوماسي. وهذا هو الحل الذي يتطلع إليه بايدن، ومن أجل هذا الهدف يجب على إسرائيل أن تتعاون معه بأكبر قدر ممكن.

بقلم: تشيك فرايليخ

القدس العربي