“حشد العتبات” والدور الوطني

“حشد العتبات” والدور الوطني

 

بعد ستة أعوام على تشكيلها، عقدت فصائل عراقية مسلحة ترتبط بالعتبات الدينية المقدسة جنوبي العراق، وتعرف عادة بـ”حشد العتبات” أو “حشد النجف” تمييزاً لها عن المليشيات المرتبطة بإيران، اليوم الثلاثاء، مؤتمراًا هو الأول من نوعه تحت شعار “حشد العتبات حاضنة الفتوى وبناة الدولة”، في مدينة النجف.

ويضم “حشد العتبات” عدة فصائل مسلحة ترتبط عقائدياً بمرجعية السيد علي السيستاني في النجف، وتم تشكيلها بعد اجتياح تنظيم “داعش” الإرهابي للعراق في حزيران/يونيو عام 2014 على ضوء الفتوى الدينية للسيستاني. وأبرز تلك الفصائل “فرقة الإمام علي”، و”لواء علي الأكبر”، و”فرقة العبّاس القتالية”، و”لواء أنصار المرجعيّة”. وتشكل أكثر من 40% من تعداد عناصر “الحشد الشعبي”.

أن دلالة المؤتمر يمكن استنتاجه من شعاره الذي أشار إلى ارتباطه بالعتبات الدينية وليس بالسياسة. وأن الرسالة الأولى والأخيرة من مؤتمر حشد العتبات هو تأكيده على الارتباط بفتوى المرجعية بخصوص الجهاد الكفائي التي أكدت على الانضمام والتطوع وقتال تنظيم داعش الإرهابي تحت راية الدولة لا الأحزاب.

ولعل الهدف من انعقاد المؤتمر الذي ضمّ قيادات الفصائل وأمراء الوحدات ومسؤولين من مختلف المستويات الدينية والحكومية العراقية، فضلاً عن ممثلي المرجع علي السيستاني؛ وفي هذا التوقيت الحساس من تاريخ العراق المعاصر، هو توحيد موقف فصائل العتبات المقدسة من عملية التهميش الذي تتعرض له من قبل قيادات وشخصيات بالفصائل الولائية. والتأكيد على فك الارتباط بين القوى السياسية التي تملك فصائل مسلحة تنتمي إلى تشكيلات الحشد الشعبي، وتستعد للمشاركة في الانتخابات المقبلة.

أما الرسالة التي يهدف المؤتمر إلى إرسالها مفادها بأنه لن يستمر بمنح غطاء شرعي لفصائل تعمل ضد القرار الوطني، وخدمة لأجندات خارجية، وأن فك ارتباط فصائل العتبات عن هيئة “الحشد الشعبي” غير مستبعد بسبب هيمنة الفصائل الولائية، والتي ترفض تسلم قيادات مقربة من مرجعية النجف أي منصب قيادي داخل الهيئة.

ويقصد بالفصائل الولائية المليشيات المرتبطة بإيران، والتي استولت على القرار وأغلب المفاصل المهمة في هيئة “الحشد الشعبي”، المظلة الجامعة للفصائل المسلحة في العراق، وأبرز تلك المليشيات كتائب “حزب الله” و”بدر” و”العصائب” و”النجباء” و”البدلاء” و”الخراساني” و”الطفوف”، وجماعات مسلحة أخرى ترتبط بشكل مباشر بـ”الحرس الثوري” الإيراني، ويمتلك أغلبها أجنحة مسلحة تدعم نظام بشار الأسد في سورية.

وأصدر المؤتمر «بيانًا ختاميًا» جاء فبه:

١- نظرا لما حصلَ من خروقاتٍ أمنيةٍ في الفترةِ القريبةِ الماضيةِ وما يهددُ امنَ البلادِ والعبادِ فإنَّ ألويةَ حشدِ العتباتِ التي كانتْ ولا تزالُ وستبقى المدافعَ الاصيلَ والحاميَ الاكيدَ عن الوطنِ العزيز ِ وشعبهِ الكريمِ متسلحةً بالتطبيقِ الحرفيِّ لفتوى وتوجيهاتِ المرجعِ الديني الاعلى السيد علي الحسيني السيستاني – مَتّعَ اللهُ العراقيينَ وغيرَهم بطولِ عمرهِ الشريفِ

– وتؤكدُ أنها حاضرةٌ وبقوةٍ للدفاعِ عن حياضِ العراقِ وأمنِ ابنائهِ وشموخِ مقدساتهِ تُجاه كلِ من يفكرُ المساسَ بأمنهِ وسلامتهِ وهذا ما أثبتتهُ قواتُنا سابقا في معركتِها مع العدو الداعشي وتؤكدُهُ في حاضرِ هذا المؤتمر

٢- إن الحفاظَ على المنجزاتِ المتحققةِ من النصرِ المؤزر ِعلى داعش لهو أولويةٌ اولى ، وغايةٌ مثلى عندنا وما يعززُ هذا النصر َ ويصونُ مكتسباتهِ هو الحفاظُ على سمعةِ الجهادِ والمجاهدينَ وابعادِهم عن كل ما يلوثُ توجهاتِهم ويحرّفُ مسارَهم وهذا ما سعتْ إليه قواتُنا خلال فترةِ تحريرِ المدنِ وما لمستهُ من تفاعلٍ كبير ٍوتوافقٍ عميقٍ مع ابنائها الاعزاءِ الذين كانوا يرفضون مغادرةَ قواتِنا لمدنِهم بعد انجازِها الواجبَ ، والذي أثمرَ عن علاقاتٍ وطيدةٍ وتواصلٍ مستمر ٍ على مختلفِ الصُّعدِ مع هذه البقاعِ الطيبةِ واهلِها الكرامِ من بلدِنا المعطاء

٣- إنّ حشدَ العتباتِ المقدسةِ يؤكدُ إلتزامَهُ الكاملَ بالقانونِ والدستورِ العراقيَيْنِ ومنعَ مقاتليهِ من القيامِ باي اجراءٍ يخالفُهما ومن ذلك الدخولُ في النشاطِ السياسي او الارتباطِ الحزبيِّ او الاستغلالِ الوظيفيِّ بكل اشكالهِ كما نلتزمُ بمنحِ كاملِ الحريةِ لمقاتلِينا من اتخاذِ قراراتِهم الخاصةِ في الاشتراكِ في العمليةِ الانتخابيةِ

– كناخبينَ حصرا وليسو مرشحينَ فعلا – وانتخابِ مرشحيهم الذين يعتقدون انهم سيغيرون الواقعَ المتردي ومحاربةَ الفسادِ وغير ذلك من تطلعاتِ الشعبِ دونَ التدخلِ بخياراتِهم او السماحِ للترويجِ والدعوةِ لأيِّ مرشحٍ داخلَ وحداتِنا وفي مختلفِ مرافقِها وسنتعاملُ بكل مصداقيةٍ وحزمٍ مع هذا الملفِ المهم

4- يؤكدُ حشدُ العتباتِ المقدسةِ أنّ بناءَ الدولةِ وعمرانَ مستقبلِها فضلا عن حفظِ تأريخِها المشرقِ يبدأ من محاربةِ الفسادِ ومحاسبةِ رؤوسهِ العفنةِ التي أوغلتْ في سرقةِ حقوقِ الشعبِ وقتلِ طموحاتِ شبابهِ وحرمانِ الكفاءاتِ مِن اخذِ مواقعِها الطبيعيةِ لبناءِ الوطنِ وخدمةِ الموطنِ فعلى المتصدينَ في المواقعِ التنفيذيةِ أن يَعُو خطورةَ المرحلةِ وطموحاتِ شعبِهم ونصائحَ المرجعيةِ ويجعلوها حيزَ التنفيذِ

5- إن حشدَ العتباتِ المقدسةِ الذي ارتبطَ بالسيدِ القائدِ العامِ للقواتِ المسلحةِ حسبَ الامر ِالديواني الصادر ِمن السيدِ رئيسِ مجلسِ الوزراءِ السابقِ ينتظر ُ من الحكومةِ اتمامَ خطواتِ هذا الارتباطِ وبشكلٍ عاجلٍ ليتسنى له اداءَ واجبِهِ الوطني الذي ينشدُهُ ويصبو لتحقيقهِ وإن تأخرَ ذلك يؤثرُ بشكلٍ مباشرٍ على اداءِ المقاتلين في الميدانِ ويؤخر ُالمشاريعَ الانسانيةَ التي يقدمها هذا الحشدُ فضلا عن الاشكالاتِ الاخرى

6- إننا نطالبُ الجهاتِ المعنيةَ في البرلمانِ والحكومةِ الاهتمامَ بموضوعِ الاستقرارِ الاداري لأبناءِ الحشدِ والذين لم تُسكَّنْ درجاتُهم الوظيفيةُ لحد الان وكذلك اعادةُ المفسوخةِ عقودُهم ومساواتُهم مع اقرانِهم في القواتِ الامنيةِ الاخرى من الحقوقِ والامتيازاتِ وهذا اقلُ الواجبِ تُجاه تضحياتِهم وجهودِهم

7- كما نطالبُ الجهاتَ المعنيةَ ان تطبقَ التعليماتِ القاضيةَ بحريةِ اختيارِ المقاتلين جهةَ صرفِ رواتبِهم وعدمَ اجبارِهم على جهةٍ معينةٍ كما هو حاصلٌ الان مما يفرِّطُ بفرصِ المنافسةِ بين المصارفِ والشركاتِ لتقديمِ افضلِ الامتيازاتِ لهم وهذا ما رفعناه للجهاتِ المختصةِ ولم يصلِ الجوابُ لحد الان مع شديدِ الاسف

8- إن عوائلَ الشهداءِ وابطالِنا الجرحى بل وحتى المقاتلين لهم الحقُ ان يسكنوا في بيوتٍ لائقةٍ توفرُها لهم الدولةُ من خلال مواردِها العديدةِ ومبادراتِها المعتمدةِ مع الحفاظِ على سلامةِ الاجراءاتِ الرسميةِ وسرعةِ تنفيذِها والابتعادِ عن الروتين المؤخر لها.

وهذا البيان يؤكد  أن حشد المرجعية مع الدولة العراقية، وليس ضد الدولة كما تعمل بعض الفصائل الولائية، وهدفه استقرار العراق وحفظ الانتصارات المحققة ضد داعش الإرهابي، وليس تحقيق المكاسب السياسية وتنفيذ أجندات إيران، أو أي أجندات خارجية. وهذا تأكيد أيضًا من قبل حشد العتبات المقدسة بأنها مرتبطة بشكل رسمي بالقائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء. كما يؤكد هذا البيان في إشارة واضحة على عدم قبول حشد العتبات المقدسة بتصرفات بعض الفصائل «الولائية» داخل الهيئة، وخاصة تلك التي تعلن ولاءها التام لمرجعية ولاية الفقيه الإيرانية.

خلاصة القول يأتي هذا المؤتمر في سياق إصلاح الحشد الشعبي الذي يصب في الختام في تعزيز الأمن الوطني والحفاظ على السيادة العراقية، ويأتي أيضًا في سياق تحديد أدوار ومهام جميع مكونات القوات المسلحة، تحت السيطرة والإشراف الكاملين من قبل الحكومة المدنية، بمعنى تلقيها الأوامر فقط من رئيس وزراء العراق وليس من أي جهة سواء كانت داخلية وخارجية.

وهي خطوة في طريق إصلاحي شاق تعهد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المضي به مهما عظمت التحديات التي تواجهه، فبإخلاص الكاظمي للعراق وبمساندة جهاز إداري كفوء، وبطولات وتضحيات حشد العتبات الوطني، والقوات المسلحة، سينهض العراق من جديد. وهذا ما نرجوه للعراق، بلد الحضارة الأصيلة في التاريخ الإنساني.

وحدة الدراسات العراقية