ادعى المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت فادي صوان أمس الخميس على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وعلى علي حسن خليل، وزير المالية السابق، وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، وزير الأشغال العامة والنقل الأسبقين، بتهمة «الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة» وجرح مئات الأشخاص، وهو تطوّر قضائي وسياسي كبير في جريمة كبرى تسببت يوم 4 آب/أغسطس الماضي بمقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين، وألحقت أضرارا هائلة بالمرفأ وبعدد من أحياء العاصمة، وشردت عشرات آلاف العائلات من منازلها التي تضررت أو تهدمت.
وبعد الادعاء، الذي جاء بعد التثبت من تلقي الأشخاص المذكورين «عدة مراسلات خطية تحذرهم من المماطلة في إبقاء نترات الأمونيوم» و«عدم قيامهم بالإجراءات الواجب اتخاذها لتلافي الانفجار المدمر» سيقوم المحقق العدلي باستدعاء دياب وخليل وزعيتر وفنيانوس لاستجوابهم كمدعى عليهم، وذلك بعد توقيف 25 شخصا على الأقل من كبار المسؤولين عن إدارة المرفأ وأمنه.
رغم استقالة حكومة دياب على خلفية الانفجار، وهو الحد الأدنى من إعلان الشعور بالمسؤولية عن الكارثة، فإن رئيس وزراء تصريف الأعمال قال إنه «مرتاح الضمير وواثق من نظافة كفه وتعامله المسؤول والشفاف مع ملف انفجار مرفأ بيروت» معتبرا الادعاء ضده استهدافا «يتجاوز الشخص إلى الموقع» متهما المحقق العدلي بخرق الدستور و«تجاوز مجلس النواب».
يعتبر الادعاء الأخير حدثا فريدا بمقاييس السلطات العربية، فالحوادث السابقة التي حوكم فيها رؤساء دول (كما جرى في العراق بعد الغزو الأمريكي وكما يحصل حاليا في السودان) أو حكومات أو وزراء (كما يجري في الجزائر حاليا) تحصل بعد تغيير خطير في النظام يزاح فيه الرئيس، أو يكون فيه رئيس الحكومة أو الوزراء ضحايا للنظام نفسه، أو للرئيس أو الملك أو ولي العهد الذي يريد تحسين صورته أمام مواطنيه بزعم محاربة الفساد الخ.
للأسباب الكثيرة السابقة فإن الترحيب واجب بهذا الحدث القضائي ـ السياسي في لبنان، والبناء عليه لجعله سابقة قانونية، في بلد يصعب أن يمرّ فيه شيء إلا عبر شبكة الحسابات السياسية الطائفية، والإقليمية، وهو ما قد يفسّر، ربما، استثناء رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي تضمن تقرير من المديرية العامة لأمن الدولة رسالة وصلت إليه في 20 تموز/يوليو، أي في اليوم نفسه الذي وصلت حسان دياب، وتلخص ما توصل إليه تحقيق قضائي قام به النائب العام غسان عويدات بدأ في كانون الثاني/يناير، وخلص الى ضرورة تأمين المواد الكيميائية الخطرة على الفور.
يجري هذا في الوقت الذي توقع فيه البنك الدولي أن يبتلع الفقر أكثر من نصف سكان لبنان، بعد أن أدى انهيار الليرة اللبنانية إلى معدلات تضخم تجاوزت نسبة 100 في المئة، فيما قادة الطوائف منشغلون بعدد المقاعد الوزارية في الحكومة الجديدة الموعودة، على أمل استكمال نهب وسرقة البلد وإفساده.
كشف انفجار مرفأ بيروت فساد آلة الحكم اللبناني بأكملها، لكنه، بالتعاون مع انتشار فيروس كورونا، تمكّن من إنهاك الحراك الشعبي المناهض للفساد والطائفية ودفعه لليأس، وهو ما فتح الباب لعودة «الانتداب» الفرنسي، وربط الوعود الاقتصادية بتغيّر شبه مستحيل ضمن الطبقة السياسية اللبنانية.
القدس العربي