الفتنة القبلية تستيقظ جنوب تونس في غياب الدولة وحضور قطر

الفتنة القبلية تستيقظ جنوب تونس في غياب الدولة وحضور قطر

جدل كبير أثارته الاشتباكات القبلية، التي اندلعت في الجنوب التونسي حول منطقة متنازع عليها، خاصة بعد أن أشارت العديد من الأوساط السياسية إلى أن تسرّب أنباء حول قدوم مستثمر قطري للاستثمار في الجهة، أدى إلى اندلاع هذه المواجهات التي أسفرت عن مقتل شاب وجرح ما لا يقل عن 70 شخصا.

تونس – أثارت الاشتباكات، التي اندلعت جنوب تونس نهاية الأسبوع الماضي، حول منطقة متنازع عليها، مخاوف خاصة بعد تصريحات متواترة من أوساط سياسية بشأن محاولة مستثمر قطري إنشاء مشاريع في هذه المنطقة، ما أثار حفيظة السكان في ولايتي (محافظتي) مدنين وقبلي الذين دخلوا في مواجهات.

وقالت أوساط سياسية إن الاشتباكات العنيفة، التي جدت جنوب البلاد المتاخم للحدود مع ليبيا مساء الأحد والسبت، وأوقعت قتيلا و70 جريحا على الأقل، تعود إلى تسرب أنباء بشأن نوايا السلطات منح منطقة متنازع عليها لمستثمر قطري، ما أثار حفيظة السكان.

وأضافت هذه الأوساط أن الاشتباكات جاءت على خلفية رغبة طرفي النزاع في الضغط على الدولة، لافتكاك المنطقة والانتفاع بعائدات الاستثمارات، التي ستُقام فيها وهي استثمارات ذات طابع سياحي.

ووصف النائب بالبرلمان عن ولاية (محافظة) قبلي وأمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي الوضع في منطقة ”عين السخونة” المتنازع عليها بـ”الخطير والمؤسف”، مؤكدا أنّ “الأحداث انطلقت بعد ورود أنباء عن قدوم مستثمر قطري للاستثمار في الصحراء وعلى خلفية ضغط كبير من جهات” لم يسمها.

زهير المغزاوي: الأحداث انطلقت إثر أنباء عن قدوم مستثمر قطري للاستثمار بالصحراء

وتعتبر “العين السخونة” المتنازع عليها مصدرا للمياه الاستشفائية في المنطقة، وتتميز بمياهها الساخنة.

وتبعد هذه المنطقة عن المدينتين اللتين اشتبكتا السبت والأحد (مدنين وقبلي) قرابة الـ120 كيلومترا.

وفي مسعى منه لنزع فتيل الأزمة بين الطرفين، أدى الرئيس التونسي قيس سعيد، زيارة الاثنين إلى المنطقة المتنازع عليها.

ودعا سعيد إلى “تغليب صوت الحكمة وعدم الانجرار وراء زرع الفتنة بين أبناء الجهة الواحدة” مشددا على أن رئيس الجمهورية هو “رمز الدولة والضامن لوحدتها”.

وجدت الاشتباكات الأحد، واستخدمت فيها البنادق وأسلحة بيضاء بين قبيلتين، ما خلف قتيلا والعشرات من الجرحى، وسط تصاعد للحديث عن مساع قطرية حثيثة لتعزيز الدوحة وجودها ونفوذها في الصحراء التونسية.

وتعرضت ممتلكات خاصة وسيارات وأكواخ في “العين السخونة” للتخريب والحرق من قبل المتشاجرين، الذين تراشقوا بالحجارة واستخدموا بنادق صيد في الاشتباكات، ما دفع قوات الأمن إلى التراجع في البداية قبل أن تعود مسنودة بتعزيزات عسكرية لفض النزاع حسب شاهد عيان تحدث لـ”العرب”.

وقالت إدارة الحرس الوطني “إن تدخل القوات الأمنية كان ناجعا وساهم في تفادي سقوط المئات من القتلى”، في وقت أكدت فيه الحكومة التونسية، التي يغيب رئيسها عن البلاد بسبب زيارة يجريها إلى إيطاليا وفرنسا، أنها أحدثت خلية لمتابعة بين وزارتي الداخلية والدفاع لمتابعة الأحداث الجارية بالجنوب.

وبدوره، طالب البرلماني المستقل عن محافظة مدنين مبروك كورشيد، بضرورة تدخل “عقلاء البلد” لوضع حدّ للأزمة المتفاقمة في المنطقة.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “النزاع قديم (..)، الحدّ الإداري لا يتوافق مع مجال تصرف العروش والقبائل وهذا خلق مشكلات أيضا في 2005 (..) لكن الفرق أن اليوم لا توجد دولة لمجابهة هذه المشكلة في الوقت المناسب ما أدى إلى استفحالها”.

لطفي العماري: نخشى أن يمهّد المشروع القطري لانتصاب قاعدة عسكرية تركية

وبالرغم من أن هذه المنطقة تشهد لأول مرة اشتباكات بهذه الحدّة، غير أن مثل هذه المواجهات متواترة في الجنوب التونسي بسبب النزاعات حول ملكية الأراضي والتقسيمات الإدارية.

لكن هذه المرة، أثارت هذه المواجهات جدلا بشأن وجود أطراف وراء هذا التصعيد للاستفادة من مزايا ووعود من أجل تسهيل الاستثمارات القطرية في المنطقة.

و”العين السخونة” ترجع إداريا إلى محافظة قبلي، إلا أنها في الحدود مع محافظة مدنين، التي تفصلها مسافة نحو 120 كم عن “راس جدير” المعبر الحدودي مع ليبيا.

ولطالما شهد الجنوب في السنوات الأخيرة توترات ارتبط بعضها باحتجاجات أهال لتوظيف أبنائهم، وبعضها الآخر بعمليات إرهابية شنتها تنظيمات متطرفة على غرار ما حصل في بن قردان التابعة لمحافظة مدنين في العام 2016، فضلا عن عمليات كرّ وفر بين الأجهزة الأمنية والعسكرية ومهربين ينشطون بكثافة في هذه الرقعة الجغرافية.

وبالرغم من الحديث عن استثمارات سياحية ستقوم بها قطر في الجنوب التونسي، إلا أن العديد من الأطراف تُساورها مخاوف من أن تكون هناك محاولات للقيام بأنشطة استخباراتية هناك، خاصة أن حليفة قطر تركيا، تدعم حكومة الوفاق الليبية عسكريا وسياسيا.

وقال المحلل السياسي لطفي العماري “كتونسيين تأسفنا كثيرا لما حصل ونرجو أن تكون هذه المواجهات آخر حلقة من حلقات استضعاف الدولة التونسية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الدولة مسؤولة عن تهميش هذه الجهات والحل لا يمكن أن يكون أمنيا وعسكريا فقط، لكن ما يُلفت انتباهنا هو الحديث المتصاعد عن استثمارات قطرية في المنطقة (..) هذا أكدته العديد من الأطراف بينها والي (محافظ) قبلي”.

وأوضح “ما نرجوه أن يقتصر الأمر على الاستثمار السياحي كما تدعي ذلك بعض المصادر، لأننا نستغرب (نيّة إقامة) استثمار سياحي على بضعة كيلومترات من ليبيا، ونحن نعرف أن تركيا حليفة قطر سعت في وقت سابق للحصول على قاعدة عسكرية في جنوب تونس وتم رفض هذا الطلب (..) نرجو أن تبقى العيون مفتوحة لكي لا تتسلل هكذا مشاريع تحت غطاء الاستثمار وهو استثمار في ضعف الدولة التونسية ليتحول المشروع السياحي إلى مشروع مستراب قد يمهد إلى انتصاب قاعدة عسكرية تركية”.

العرب