بايدن أمام معادلة بيع السلاح وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط

بايدن أمام معادلة بيع السلاح وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط

تسهم الاضطرابات في الشرق الأوسط في زيادة منسوب التسلح وإعادة المسائل العسكرية لتتصدر سلّم أولويات الدول المعنية بتلك الصراعات التي تشكل منشطا رئيسيا لسوق السلاح في الولايات المتحدة، إلا أن محلّلين يرون أن الإدارة الجديدة تقف الآن أمام تحدي إحلال التوازن بين ما هو عسكري وآخر يتعلق بدعم أسس الديمقراطية في المنطقة.

واشنطن- تُضعف الطبيعة المستمرة لعقيدة السياسة الخارجية التدخّلية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مصداقية الولايات المتحدة داخل المجتمع العالمي لأنها تغذي الصورة النمطية السائدة بأن المزيد من الحروب يعني بيع المزيد من السلاح.

وفي أغلب الأحيان، تبدو عقيدة السياسة الخارجية الأميركية مدفوعة بعقلية التدخل العسكري التي بلغت ذروتها، إذ أغرقت إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب أحضان حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية بأسلحة متطورة بالمليارات من الدولارات.

ومع تولي الرئيس المنتخب جو بايدن زمام القيادة بعد أسابيع من الآن، توجد فرصة لسياسة خارجية جديدة للولايات المتحدة تجاه المنطقة، حيث يرى الخبير الأمني الفرنسي ألكسندر لنغلوا في تحليل نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية أن الإدارة الجديدة ستحتاج إلى توظيف الدبلوماسية والدعوة إلى حقوق الإنسان بدل المزيد من إبرام الصفقات العسكرية.

ومثلما تدعم مبيعات الأسلحة نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، فإن إدارة بايدن عليها أن تدرك قوة المنظمات الدولية لبناء تحالفات تعزز حقوق الشعوب العربية. وهذه العملية تتطلب أجندة سياسية واضحة للتقليل من منسوب التوترات بشكل أفضل مما هي عليه اليوم.

وتعتقد الولايات المتحدة أن الحروب في الشرق الأوسط ستستمر لسنوات قادمة، ما يجعلها تقول على لسان مسؤوليها، إن توقعاتها لمبيعات السلاح مازالت قوية وفي ارتفاع.

ولكن رغم ذلك لا ينبغي أن يعكس رفض هذه العقلية فقط فهما بأن الولايات المتحدة لا تقل قوة عن حلفائها على المسرح الدولي فحسب، بل يجب أن يعكس أيضا أن القضايا المحلية والجهود الدبلوماسية لا يمكن وضعها في مأزق لتمويل التدخل العسكري.

وبدلا من ذلك، يؤكد لنغلوا الكاتب المستقل المهتم بموضوعات الدبلوماسية والسلام والصراع في المنطقة العربية، أنه يجب تقليص الإنفاق الدفاعي لمعالجة قضايا المساواة والتنمية في الداخل، جنبا إلى جنب مع تجديد وزارة الخارجية الأميركية وقوتها الدبلوماسية والتي عُرقلت في ظل إدارة ترامب.

ويعكس مؤشر مخاطر بيع الأسلحة لعام 2020 الصادر عن معهد كاتو الأميركي بشكل أفضل معضلة السياسة الخارجية التي تواجه الولايات المتحدة رغم أن هذه السياسة مهمة في تعزيز التعاون الاستراتيجي مع حلفاء المنطقة.

وقدّر المؤشر، الذي صدرت أحدث بياناته في أكتوبر الماضي، أن إدارة ترامب توسطت في صفقات أسلحة بلغ مجموعها 85.1 مليار دولار في العام الماضي في جميع أنحاء العالم، وهو رقم قياسي حتى بالنسبة إلى إدارة معروفة بتعزيز مثل هذه الممارسات.

وعلاوة على ذلك، يعكس التقرير مليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة الأميركية للدول التي تقع ضمن أعلى من 25 في المئة على سلم المخاطر في التقرير، بما في ذلك مصر والسعودية والعراق، بسبب التهديدات التي تشكلها إيران.

ويعتقد لنغلوا أن طبيعة مبيعات الأسلحة الأميركية باعتبارها اتجاها طويل الأجل يمتد من خلال إدارات متعددة، وعلى سبيل المثال، تعكس الصفقات التي تعود إلى عام 2002 سيناريو تقع فيه سبع دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن أكبر 15 دولة متلقية للأسلحة المصنوعة أميركيا.

وتتصدر السعودية القائمة، تليها كل من إسرائيل ومصر والعراق والإمارات وتركيا والكويت، وقد بلغ إجمالي هذه المبيعات حوالي 112 مليار دولار. ومع ذلك، فإن مبيعات الأسلحة لا تشكل سوى جزء بسيط من نهج السياسة الخارجية الأميركية.

وترسم الاشتباكات العسكرية الأميركية في العديد من المناطق الساخنة صورة للصراع المنتظم مثل العراق، والذي يشهد مواجهات بين القوات الحكومية وفلول تنظيم داعش المتطرف، وأيضا استهداف الولايات المتحدة لقادة الحرس الثوري الإيراني على أراضي حليفتها.

وقد أدى ذلك إلى تصعيد كبير في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران والعراق، فضلا عن تدفق القوات الأميركية إلى العراق من قبل إدارة ترامب التي ادعت أنها ستنهي سياسة “الحروب إلى الأبد”.

وكانت الخارجية الأميركية قد أكدت في أغسطس الماضي، أن مبيعات الأسلحة إلى دول في الشرق الأوسط قانونية مئة في المئة، حيث قال مكتب المفتش العام بالوزارة حينها إنه لم يكتشف أي “مخالفات طارئة” من جانب الحكومة الأميركية إلى دول كالسعودية والأردن والإمارات.

ورغم ذلك فإن لنغلوا يقول إن إخفاقات السياسة الخارجية في النطاق العسكري تعكس الحاجة لاتباع نهج جديد، حيث يجب أن يكون تركيز الدبلوماسية على المزيد من الحريات ونشر أسس الديمقراطية والتقليص قدر الإمكان من التوترات العسكرية.

الإدارة الجديدة ستحتاج إلى توظيف الدبلوماسية والدعوة إلى حقوق الإنسان بدل المزيد من إبرام الصفقات العسكرية

وثمة شق من الخبراء في مراكز الأبحاث يعتقدون أنه يمكن للجهود الدبلوماسية في مجال حقوق الإنسان أن تساعد في إعادة بناء الثقة في المنطقة مع الحفاظ في الوقت نفسه على القيم الأميركية في الخارج، وهذا يشمل، بالطبع، بناء التحالفات وضبط النفس العسكري لأن المنطقة لا تزال هشة بفعل انتفاضات “الربيع العربي”.

ويسود اعتقاد بأن بناء التحالفات والشعور المتجدد بالتعددية هما أمران مهمان بشكل خاص لنجاح مبدأ “الدبلوماسية أولا”، كما يرى لنغلوا لأنه مقتنع بأن السياسة الخارجية الأحادية تجاه المنطقة أدت إلى النفور من سياسات الولايات المتحدة في الخارج.

ويرى خبراء في الشرق الأوسط أن تنامي الاضطرابات سيؤدي إلى المزيد من الطلبيات على آخر الأسلحة المتطورة وأحدث الأجهزة ذات التقنية العالية في الصناعات العسكرية بمختلف أنواعها، ليصبّ ذلك كله في سباق تسلّح متواصل، موازينه تحدّدها طبيعة الصراعات وتوزّعها الجغرافي.

العرب