العراق.. نفق داعش يقود إلى التغيير

العراق.. نفق داعش يقود إلى التغيير

a1433312852
في الحرب، كما في الحب، لا أحد يتوقع النهايات، فهي قد تأتي صادمة، أو تأتي تقليدية، لا أحد يعرف، المهم أن النهايات تبقى مرتبطة ربما حتى ليس بالمقدمات التي تفضي إليها.

في العراق اليوم، وبعد أن تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، وانتشر على ما يقارب من نصف مساحة العراق، يبدو أن الظروف باتت مهيأة، أكثر من أي وقت مضى، لإحداث التغيير اللازم في العراق، فلا الحكومة العراقية، ولا مليشياتها، ولا حتى إيران وفيلق قدسها غير المقدس، تمكّنوا من إنهاء أسطورة هذا التنظيم، بل على العكس، نجح تنظيم الدولة الإسلامية في استنزاف قدرات خصومه، وباتت حكومة بغداد في أضعف مراحلها، بينما أدت الخسائر الكبيرة التي لحقت بمليشيات الحشد الشعبي إلى حالة من الهيجان والغضب في الشارع الشيعي، ارتدت، نقمة على الحكومة، بل وتطور الأمر إلى أن طاولت هذه النقمة حتى المرجعية الدينية في النجف.
لم تعد داعش اليوم مجرد تنظيم إرهابي، وفقا لتوصيف أعدائه وخصومه، وإنما باتت لاعباً بارزا على الساحة العراقية، من خلالها قد يشهد العراق انتقالة تاريخية، فإما العودة إلى دولة الوطن والمواطن، أو يتحول إلى كانتونات لا يربط بينها سوى تاريخ مشترك.
في خلفية مشهد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وتمدده، هناك قوى سياسية، يتحكم بعضها بالمشهد السياسي العراقي، وبعضها الآخر اتخذ الجانب الآخر من المشهد، معارضاً ورافضاً العملية السياسية، وما تمخض عنها منذ 13 عاما، وكلاهما على ما يبدو يعيش ورطته الخاصة.
أحزاب السلطة، وتحديدا منها المتسيدة على المشهد، وأغلبها شيعية، غاصت حتى الركب في وحل الفضائح والفساد، حتى إن السفير العراقي في واشنطن، لقمان الفيلي، قال، السبت الماضي، لصحيفة أميركية، إن خزينة العراق خاوية، وإن بلاده تواجه خطر داعش بميزانية شبه خاوية، لأن رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، أفرغ خزينة البلاد.
تصاعد الغضب الشعبي الشيعي، وخرجت تظاهرات لا تطالب بالإصلاحات وحسب، وإنما امتدت لتشكل اقتلاع العملية السياسية برمتها، وحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ وإلغاء الدستور وتشكيل حكومة عسكرية.
مطالب لم تصل إلى سقفها مطالب العرب السنة المعارضين للعملية السياسية، الذين خرجوا، في عام كامل، في تظاهرات واعتصامات، كانت تتحدث في مجملها عن مظلومية وقعت على هذا المكون من أبناء الشعب العراقي، ضمن سقف العملية السياسية المترهل والبائس، الذي خلفته الولايات المتحدة الأميركية عقب الغزو.
في الطرف الآخر، المكون السني، بمعارضيه للعملية السياسية أو بشخوصه وأحزابه، التي دخلت العملية السياسية، هو الآخر مأزوم، فلا الطرف المعارض من أهل السنة حقق شيئاً من معارضته سوى الثبات عليها ورفض مخرجات العملية السياسية، ولا مَن شارك تمكّن من أن يكون شريكاً بالفعل، فاتهمه شركاؤه بأنه يساند الإرهاب تارة، وأخرى بأنه لا يملك أرضية شعبية تدعمه ليكون شريكاً، ناهيك عن خسارته قاعدته الشعبية التي أوصلته إلى البرلمان، لأنه فشل في تحقيق أي شيء لهم، وبات هذا الطرف الخاسر الأكبر.
من هنا، يمكن القول إن الجميع، شيعة العملية السياسية وسنتها، ومعهم معارضو هذه العملية، يعانون من واقع مرير، فكلهم لا يملكون شيئاً من أمرهم، بعد أن وضعتهم داعش في عنق الزجاجة، كونها الفاعل الأكبر والأبرز والأهم في معادلة العراق.
أميركا المعادل الموضوعي لتنظيم الدولة، فلديها استراتيجية للتعامل مع هذا التنظيم، على الرغم من كل الانتقادات التي توجهها الصحافة الأميركية وساسة الكونغرس لإدارة أوباما، بأنها لا تملك أية خطة للتعامل مع هذا التنظيم. وكل المؤشرات تدل على أن أميركا تدير دفة الأمور من خلف الشاشة، فالتظاهرات والقوانين، التي سنت في إثرها، ولعل أخطرها وأهمها قانون الأحزاب، ناهيك عن الحراك السياسي الذي شهدته الساحة العراقية، وتحقيق لقاءات كسرت المألوف، كلها تشي بأن داعش ووجودها سيؤدي إلى واقع جديد في العراق، تريده أميركا، هذه المرة، مغايراً لما صنعته عقب 2003.
ستعود أميركا إلى العراق، وهذه المرة ليس قوة احتلال، رفضها جزء كبير من الشعب العراقي، وقاوم وجودها كما حصل عام 2003، وإنما قوة إنقاذ، تنقذ العملية السياسية من مآلات كارثية، إذا ما وصلت داعش إلى بغداد، وأيضا ستقدم فرصة لإعادة ترميم ما يمكن ترميمه من هذه العملية السياسية، بما يتيح تأهيل وإعادة دمج أسماء وشخصيات وأحزاب، عارضت تلك العملية السياسية.
وبالتأكيد، لا يكون ذلك إلا بثمن، وأوله قتال داعش، وأيضا تقليم أظافر النفوذ الإيراني، وهو ثمن يبدو أن طرفي المعادلة في العراق، سنتهم وشيعتهم، على استعداد لذلك. ومن هنا، يمكن القول إن ظهور داعش تنظيماً مسلحاً دفع إلى حراك سياسي وعسكري واقتصادي، سيغير الأوضاع في العراق، فإما أن يستعيد العراق نفسه، وتنجح الاستراتيجية الأميركية، أو أن لدى تنظيم الدولة الإسلامية ما يقوله، وينقض كل ما غزلته أميركا في سنوات خلت.
إياد الدليمي
صحيفة العربي الجديد