خفض قيمة الدينار العراقي يقضي على أرباح مصارف الأحزاب الشيعية

خفض قيمة الدينار العراقي يقضي على أرباح مصارف الأحزاب الشيعية

بغداد – شنت الأطراف السياسية العراقية التابعة لإيران هجوما كاسحا يوم الأحد على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بعد ما قررت خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي، لتجاوز واحدة من أخطر الأزمات في تاريخ البلاد.

وعمدت حكومة الكاظمي إلى هذه الخطوة بعدما عجزت لشهرين متتاليين عن دفع رواتب الموظفين، ما اضطرها للاقتراض من البنك المركزي العراقي وجهات داخلية أخرى.

وتبيع الحكومة النفط بالدولار الأميركي الذي تستخدمه لشراء الدينار العراقي من البنك المركزي بهدف الإنفاق على الرواتب والخدمات العامة، ما يعني أن ارتفاع قيمة الدولار سيمكّنها من الحصول على مبالغ أكبر بالدينار العراقي من البنك المركزي.

وأعلنت وزارة المالية العراقية، الأحد، أن السعر الرسمي للصرف أصبح 1450 دينارا عراقيا لكل دولار أميركي بدلا من 1119.

وبالرغم من أن هذا القرار سيضر بالموظفين على المدى القريب، حيث تبخّر نحو ثلث قيمة رواتبهم، إلا أنه يسدّد ضربة كبيرة لبعض الأطراف الشيعية التابعة لإيران.

وتملك هذه الأطراف مصارف تحتكر عملية شراء الدولار من البنك المركزي وإعادة بيعه في السوق السوداء، مستفيدة من هامش ربح كبير يُترجم إلى ملايين الدولارات بشكل يومي.

وعبر حزب الدعوة الإسلامية بزعامة نوري المالكي عن غضبه من هذا القرار، محذّرا من أنّ “إجراءات وزارة المالية والبنك المركزي بتغيير سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار ستؤثر سلبيا على الموظفين والفقراء وغيرهم”.

وبالرغم من أنّ حزب الدعوة بدّد خلال ولايتي زعيمه نوري المالكي نحو تريليون دولار من عائدات نفطية استثنائية في ذروة صعود أسعار النفط، بسبب شراء الولاءات السياسية والشعبية وتوسيع غير مسبوق في عدد موظفي الدولة والأجهزة الأمنية ما أدى إلى تفشي الفساد السياسي والمالي والإداري وسوء الإدارة وهيمنة العوائل على الدولة، إلا أنه استخدم نصا قرآنيا “لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل” لافتتاح هجومه على حكومة الكاظمي، مشيرا إلى أن “هذه السياسية الاقتصادية لن توصل البلد إلى برّ الأمان، أو تفكك الأزمة الاقتصادية الخانقة التي باتت تسحق العديد من شرائح المجتمع، وستنجم عنها اختلالات على كافة الأصعدة”.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن الحكومات العراقية المتعاقبة التي أعقبت تشكيل أول سلطة عراقية بعد الاحتلال عام 2003 مسؤولة عن اختفاء نحو ربع تريليون دولار، كانت مخصصة لإصلاح قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والخدمات العامة.

من جهته، استغل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق موجة الغضب الشعبي ضدّ الحكومة ليشارك حزب المالكي غضبه ضدها، مشيرا إلى أن “ما يجري حاليا وفي أكثر من ملف وأهمها البنك المركزي وميناء الفاو وشركات الهاتف الجوال هي أكبر عملية سرقة في وضح النهار، وللأسف فردّة الفعل السياسي والجماهيري أمامها ليست بالقدر المطلوب”.

والخزعلي، كالمالكي، لديه مصرف يشارك في عملية احتكار شراء الدولار من البنك المركزي وبيعه في السوق السوداء، لتحقيق أرباح يومية طائلة.

ويقضي قرار خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار على أرباح هذه المصارف بنسبة قد تصل إلى 100 في المئة، إذا واصلت مؤشرات السوق الاستقرار كما حدث الأحد.

وحاول الخزعلي تجييش الساسة والرأي العام ضد الحكومة. وقال زعيم الميليشيا المصنف على لائحة الإرهاب الأميركية، إن “استمرار تحول الوضع الاقتصادي من سيء إلى أسوأ ينذر بأوضاع كارثية ستطال وضع البلد ككل وسيكون المواطن هو المتضرر الأول فيها”.

وفيما دعا “القوى والشخصيات إلى اتخاذ الموقف المطلوب، حيث أن إصدار البيانات والتصريحات دون اتخاذ خطوات عملية على مستوى مجلس النواب والضغط على مجلس الوزراء لن يكون كافيا”، طالب الخزعلي الجماهير “بالتعبير عن رفضها لما يجري الآن والوقوف ضده، وإلا فإن الأمور ستصل إلى ما لا يحمد عقباه”.

وبالرغم من محاولة المالكي والخزعلي وغيرهما من القيادات الشيعية التي تصر على تنفيذ السياسات الإيرانية بحذافيرها في العراق، تبرئة أنفسهم من تبعات الانهيار الاقتصادي الكبير الذي يشهده العراق، إلا أن مراقبين يقولون إن الشارع العراقي مدرك لطبيعة التحرك من قبل الأحزاب وتضرر مصالحها.

وتقول سروة عبدالواحد، وهي نائبة كردية سابقة، إن “الهجمة التي تتعرض لها الحكومة يجب أن تتوجه لأحزاب السلطة منذ 2003 لأنها هي من أوصلت البلد إلى هذا الانسداد”.

وتضيف أن الكاظمي إذا كان مسؤولا عن شيء، فهو “مسؤول عن استلامه السلطة في الوقت الخطأ حيث لا يستطيع ايجاد الحلول”.

ووجد الموظفون العراقيون أنفسهم مهددين بخسارة نحو 20 في المئة من رواتبهم بسبب العجز المالي الذي كشفت عنه موازنة البلاد للعام 2021، ما دفع الحكومة لاقتراح خفض قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي، لتحصيل عوائد دينارية أعلى تمكنها من سدّ النفقات العامة.

ومنذ أعوام، ثبّت البنك المركزي العراق سعرا هو 1119 دينارا عراقيا لكل دولار أميركي. وبالرغم من نشوء سوق سوداء موازية تبيع الدولار بسعر أعلى، إلا أن الفارق كان يقع ضمن هامش المناورة الاقتصادية المسموح بها.

ولكن الشهور الأخيرة حملت تقلبات عديدة في سعر الصرف، بسبب جائحة كورونا والأزمة المالية العالمية المرتبطة بها، وتراجع عوائد العراق من البترول بعد خفض حجم صادراته النفطية.

وبلغت الأزمة ذروتها في البلاد عندما وجدت الحكومة أن خزائنها فارغة لحظة استحقاق دفع رواتب الموظفين في شهر سبتمبر الماضي، ما أجبرها على توقيع قانون للاقتراض الداخلي، يهدد احتياطي البلاد من العملة الصعبة الذي يتكفل بحماية قيمة العملة المحلية.

وكان واضحا أن على الحكومة البحث عن حلول غير الاقتراض، الذي لا يمكن اللجوء إليه مرة أخرى، بسبب آثاره الاقتصادية الكارثية على الدولة.

ويحتاج العراق إلى نحو 40 مليار دولار سنويا لتغطية رواتب الموظفين والمتقاعدين وكل أولئك الذين يتقاضون مبالغ شهرية ثابتة من الحكومة. ولا توفر عائدات بيع النفط سوى مبلغ قريب من حاجة الرواتب.

وفي حال أنفقت الحكومة جميع عوائد النفط على الرواتب، فإن ذلك يعني عجزها عن تقديم الخدمات المدعومة في مجالات الصحة والتعليم والبلديات والكهرباء والماء الصالح للشرب والمجاري وغيرها.

ويبدو أن ذهنية وزارة المالية العراقية، التي يقف على رأسها الخبير الاقتصادي المخضرم علي علاوي، تفتقت عن حلّ جديد، يقتطع من رواتب الموظفين من دون أن يضطر لإعلان ذلك، وذلك من خلال اقتراح سعر صرف للدينار العراقي أمام الدولار أقل من السعر الحالي بكثير.

ولأن الحكومة تبيع النفط بالدولار ثم تشتري الدينار العراقي من البنك المركزي لتنفق على الرواتب والخدمات العامة، فإن انخفاض سعر صرف العملة المحلية سيمكنها من الحصول على مبالغ أكبر خلال شراء الدينار من البنك المركزي.

واللافت أن وزارة المالية اقترحت أن يكون سعر الصرف الجديد هو 1450 دينارا عراقيا لكل دولار أميركي، بدلا من 1119، حيث قال خبراء اقتصاديون إن هذا الإجراء يعني خسارة الموظفين العراقيين لقرابة 20 في المئة من القيمة الشرائية لرواتبهم.

وتسرّب مشروع قانون الموازنة الذي يحمل سعر الصرف الجديد بشكل غريب إلى وسائل الإعلام ما تسبب في ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء.

واضطربت الجهات المختصة بشدة، فبينما انتقدت وزارة المالية عملية تسريب مشروع قانون الموازنة للعام القادم، وقالت من الصعب فهمه من دون دراسة حيثياته، دعت اللجنة المالية في البرلمان الحكومة الى إجراء إصلاحات سريعة لحماية الطبقات الهشة والمشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية والعاملين في القطاع الخاص ومواجهة التضخم وتوفير المواد الغذائية الضرورية من خلال البطاقة التموينية.

وينصّ مشروع قانون الموازنة الجديد على جملة مقترحات تستهدف استحصال أكبر قدر من الأموال لصالح الخزينة العامة بأيّ شكل ممكن، من بينها “فرض ضريبة 10 في المئة على الخدمات المقدمة من المولات والأسواق الكبرى وصالونات الحلاقة النسائية والرجالية ومراكز المساج والكوزمتك والتجميل”.

ويقترح مشروع الموازنة فرض ضريبة مبيعات بنسبة 20 في المئة على البانزين ووقود الطائرات و15 في المئة للكاز، وفرض رسم مطار على التذاكر الخارجية (25 ألف دينار عراقي) والداخلية (10 آلاف دينار).

كذلك تضمّن مشروع الموازنة ملحقا يشرح عملية استقطاع جزء من المخصصات الممنوحة للموظفين لأغراض الخطورة والإعاشة والنقل والملابس وغيرها. وقال نواب في البرلمان العراقي إن الحكومة تسرق الموظفين مرتين، أولا بخفض قيمة الدينار وثانيا باقتطاع جزء من المخصصات.

ويوم الأحد، قدم أربعون نائبا عراقيا طلبا لرئاسة البرلمان لاستجواب وزير المالية علي علاوي على خلفية تخفيض قيمة الدينار أمام الدولار. وقالت مصادر برلمانية إن طلب الاستجواب موقّع من نوّاب شيعة تملك الأحزاب التي يمثلونها مصارف مستفيدة بشكل مباشر من التجارة بالعملة الصعبة في الأسواق المحلية.

العرب