الحكومة اليمنية الجديدة أمام تحدي إثبات كفاءتها على الأرض

الحكومة اليمنية الجديدة أمام تحدي إثبات كفاءتها على الأرض

عدن – بدأ يُطرح بقوة في جنوب اليمن موضوع مدى قدرة الحكومة اليمنية التي تمّ تشكيلها حديثا بجهد كبير من قبل المملكة العربية السعودية على إثبات وجودها الفعلي على أرض المناطق غير الخاضعة لسيطرة المتمرّدين الحوثيين، وقدرتها على تغيير الواقع الأمني والخدمي والاقتصادي والاجتماعي في تلك المناطق.

وبمجرّد إعلان الحكومة التي ضمت عددا من المكوّنات السياسية والمناطقية التي يمكن تصنيفها ضمن معسكرين كبيرين هما الشرعية اليمنية بقيادة الرئيس المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، ارتفعت أصوات العديد من الفعاليات السياسية والإعلامية مطالبة بالقطع مع السمة التي كانت تميّز الحكومة السابقة لرئيس الوزراء معين عبدالملك والمتمثّلة في غياب الوزراء عن ساحة الفعل الميداني وإقامة أغلبهم خارج البلاد.

ولا يخفي نشطاء سياسيون من داخل اليمن وخارجه شكوكهم في أنّ عملية تشكيل الحكومة من قوى غير متجانسة ومتضادة تماما في الفكر والأهداف، جاءت بمثابة إجبار لتلك المكونات المتنافرة على التعايش بشكل قسري ولا إرادي ما يجعل صمود الحكومة والحفاظ على وحدتها وتجانسها وقدرتها على الفعل والإنجاز، مسائل محدودة الأفق.

وكانت الرئاسة اليمنية قد أعلنت الجمعة الماضية تشكيل حكومة جديدة من 24 وزيرا مناصفة بين الشمال والجنوب، بناء على اتفاق الرياض الذي تمّ توقيعه في نوفمبر 2019 برعاية سعودية بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، لكنّ تنفيذه ظل متعثّرا حتى أعلنت الرياض اتخاذ إجراءات جديدة لتسريع التنفيذ تضمنت ترتيبات أمنية وعسكرية للفصل بين قوات الطرفين في أبين.

وفي إشارة إلى صعوبة تحقيق التجانس المنشود بين مكونات الحكومة كتب المحلل السياسي هاني مسهور على تويتر قائلا “صَنع اتفاق الرياض حكومة من شركاء متشاكسين، فكيف لهم أن يصنعوا استقرارا مستداما”.

ويشكّ كثيرون في أنّ استجابة بعض المكوّنات للمشاركة في حكومة معين عبدالملك جاءت لمجرّد مسايرة السعودية الراغبة في جمع مختلف القوى ضدّ العدو الأصلي المتمثّل بجماعة الحوثي الموالية لإيران، وكان بمثابة هدنة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الصفوف لاستئناف الصراع الذي هو مسألة وجود لدى البعض كما هي الحال بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتناقض مشروعه جذريا مع مشروع أي سلطة ترفع لواء تمثيل اليمن كاملا وموحّدا مثلما هي حال السلطة الشرعية التي يمثلها الرئيس هادي.

فالمشروع الأصلي المعلن بوضوح من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي هو استعادة دولة جنوب اليمن التي كانت قائمة قبل وحدة سنة 1990.

وبالوضوح ذاته ما يزال المجلس الانتقالي يعبّر عن عدم تخلّيه عن مشروعه الأصلي حتى بعد الدخول في حكومة شراكة مع السلطة الشرعية.

وقال منصور صالح القيادي في المجلس “أغرب وأعجب سؤال أتلقاه من بعض وسائل الإعلام هو: هل توقيع المجلس على اتفاق الرياض يعني تخليا عن مطالباته باستعادة الدولة الجنوبية؟”، ليجيب في تغريدة عبر تويتر “هؤلاء لا يدركون أن المجلس يتفاوض ويأخذ ويعطي فقط في القشور، أما الثوابت فهي حق للشهداء الذين ارتقوا دفاعا عنها وهم من يملك حق الفصل فيها”.

ويسلّط مثل هذا الموقف الضوء على مدى التباعد الذي يصل حدّ التضادّ التامّ في الرؤى والأهداف بين السلطة التي يقودها هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي.

ويدعو ذلك إلى التساؤل عن مدى واقعية تحقيق التعايش المنشود على مدى أطول بين الطرفين، وتوجيه كليهما نحو تحقيق الهدف الأساسي من تدخّل التحالف العربي في اليمن، وهو مواجهة المتمرّدين الحوثيين المصنّفين كذراع لإيران.

ولم تنفصل عملية الإسراع بتشكيل الحكومة اليمنية الجديدة عن الأوضاع بالغة السوء في المناطق اليمنية الخارجة عن سيطرة المتمرّدين الحوثيين، والواقعة شكليا ضمن سلطة الحكومة الشرعية اليمنية.

وواجهت تلك المناطق قبيل تشكيل الحكومة الجديدة حالة من انهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث تسبّب التدهور الشديد في سعر الريال اليمني في تلك المناطق في ارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية، ما فجّر حالة من التململ الشعبي عبّرت عنه وقفات احتجاجية في عدد من المناطق والمحافظات.

وأصبح ازدواج السلطة في بعض المناطق بجنوب اليمن والغياب الحكومي عن مناطق أخرى مؤثرين بشكل مباشر على الحياة اليومية للسكان لجهة تردّي الخدمات الأساسية وانعدامها في أحيان كثيرة، إضافة إلى تدهور الأمن وغياب القانون.

وفي يوليو الماضي أعلن التحالف، في بيان، عن آلية لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض، تتضمن تخلي المجلس الانتقالي عن الإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية التي كان أعلنها قبل ذلك، وتنفيذ ترتيبات عسكرية وأمنية، ثم تشكيل حكومة كفاءات مناصفة بين الجنوب والشمال.

وشملت الآلية أيضا استمرار وقف إطلاق النار بين الحكومة والانتقالي، وإخراج القوات العسكرية من محافظة عدن، إضافة إلى فصل قوات الطرفين بمحافظة أبين وإعادتها إلى مواقعها السابقة.

وواجه تنفيذ الآلية عدة عقبات أبرزها إصرار الحكومة على تنفيذ المجلس الانتقالي للشق العسكري من اتفاق الرياض ثم بدء ترتيبات تشكيل الحكومة الجديدة، مقابل تمسك المجلس الانتقالي بتشكيل الحكومة أولا، ثم الشروع بترتيبات الملف الأمني والعسكري، وذلك من منطلق عدم ثقته بالقيادات الإخوانية العاملة ضمن الشرعية والتي يقول المجلس إنّها تستغلّ مواقعها لتحقيق غايات حزبية من ضمنها سيطرة حزب الإصلاح الذراع المحلية لجماعة الإخوان على مناطق جنوب اليمن.

ومن أبرز نقاط ضعف الحكومة اليمنية الجديدة أنّ المجلس الانتقالي وحزب التجمع اليمني للإصلاح باتا تحت سقف حكومي واحد بعد سنوات من التراشق وتبادل التهم، ما يطرح أسئلة عن إمكانية تعايشهما، بل تعاونهما لخدمة أهداف مشتركة.

العرب