لم يكن وسام الشمري يعلم حين استورد مستلزمات الإنتاج لحقول الدواجن التي يمتلكها، بأن خسائر كبيرة تنتظره نهاية الأسبوع الماضي، مع التراجع السريع لسعر الدينار العراقي أمام الدولار، وذلك على خلفية قرار البنك المركزي العراقي بتخفيض قيمة العملة المحلية، بالتزامن مع أزمة مالية خانقة تعصف بالبلاد نتيجة انهيار أسعار النفط جراء جائحة كورونا.
ويقول الشمري إن الخسارة التي تسببت بها أسعار صرف الدينار الجديدة، تكمن في أن منتجي المواد الأولية لقطاع الدواجن التي تباع لحقول الدواجن المحلية، يستوردون المواد بالدولار، ثم تباع إلى المربين العاملين في الحقول بالعملة العراقية الذين يسددون بعد بيع منتجاتهم إلى السوق، وهنا تبدأ سلسة الخسائر.
المواطن البسيط أكبر المتضررين من انخفاض قيمة الدينار العراقي (الجزيرة)
وأضاف الشمري للجزيرة نت أن تراجع سعر صرف الدينار المفاجئ أمام الدولار سبب فجوة مالية، وزادت قيمة المواد الأولية بنسبة تتخطى 30%، في وقت يقدر هامش الأرباح من هذه العملية بين 10% و15% فقط.
وأوضح أن من اشترى المواد الأولية بمليون دولار خسر بظرف ساعات حوالي 200 ألف دولار بسبب تغير سعر الصرف، مشيراً إلى أن خسائر مشروعه تضاعفت على دفعات في الأيام الماضية، ووصلت إلى 10 مليون دينار عراقي مع حلول اليوم.
وأكد مصدر مسؤول في البنك المركزي الأحد البدء بتدشين التسعيرة الجديدة لبيع الدولار الأميركي في المزاد العلني لبيع العملة، الذي حدد 1450 دينارا بدلا من السعر السابق البالغ 1190 دينارا عراقيا لكل دولار أميركي.
وقال المصدر للجزيرة نت إن البنك المركزي باشر تطبيق السعر الجديد لبيع الدولار، مضيفا أن الدولار بيع في مزاد اليوم على 1450 دينارا، ليكون كل 100 دولار أميركي يساوي 145 ألف دينار عراقي.
وكانت الأسواق المحلية العراقية في بغداد والمحافظات الأخرى اضطربت منذ الأسبوع الماضي، بعد تقارير تحدثت عن تخفيض العملة بعد تسريب مفاجئ لمسودة موازنة 2021 التي تضمنت سعر الصرف الجديد.
داغر رأى أن مشاكل الأسعار الجديدة ستستمر حوالي شهرين وسيحتاج بعضها إلى حلول عشائرية (مواقع التواصل)
خسائر كبيرة
وفي معرض الكتاب الدولي في العراق الذي اختتم فعالياته مساء السبت في العاصمة بغداد، تعرضت دور النشر العراقية إلى خسائر كبيرة جراء تراجع سعر صرف الدينار أمام الدولار.
وبين عدد مِن أصحاب دور النشر للجزيرة نت، أنهم تعرضوا لخسائر مؤثرة بفعل اختلاف سعر صرف الدولار، لا سيما الذين يتعاملون مع دور النشر العربية، حيث كلفهم تسديد ما بذمتهم من أجور، خسائر بقيمة 20 ألف دينار لكل 100 دولار، فضلا عن ذلك، فإن شراء الإصدارات الجديدة، وفقا لسعر صرف الدولار الجديد، سيعرض سوق الكتب إلى إرباك، بسبب الارتفاع المفاجئ لأسعار الكتب، التي لن يكون لفئة كبيرة من القراء القدرة على اقتنائها.
ويقول الخبير الاقتصادي محمود داغر إن “مشاكل الأسعار الجديدة ستستمر حوالي شهرين وستحتاج بعضها إلى حلول عشائرية”، مبيناً أن “المتعاملين مع التجار في السوق العراقية سيواجهون صعوبات بالتسديد وقد يختلفون بشأنها، رغم أنهم لم يساهموا بصنع المشكلة، والحكومة فعلت ذلك بعد نفاد البدائل”.
وأضاف داغر للجزيرة نت، أن السوق العراقية تحتاج وقتا لتتعايش وتنظم تعاملاتها وتحسم التعاملات المالية السابقة قبل تغير سعر الصرف وبعده، للوصول إلى تسويات بين تجار الجملة والمفرد وأصحاب البضائع والمذاخر والمخازن، فضلا عن مشاكل المقاولين في الدولة الذين يتعاملون بسعر الصرف القديم.
وأكد عدد من أصحاب المحال التجارية والأسواق وأفران الخبز، تأثر السوق بتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار، في حين بينوا أن المواد الأولية ارتفعت قيمتها في المخازن الرئيسية التي تتعامل بالدولار كعملة ثابتة.
خطة حكومية
ومنذ انهيار أسعار النفط في وقت سابق من هذا العام، يواجه العراق أزمة سيولة غير مسبوقة، اضطرت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى الاقتراض من احتياطيات البنك بالدولار لسداد ما يقرب من 5 مليارات دولار شهريا، تمثل رواتب موظفي القطاع العام ومعاشات التقاعد.
وبين عضو اللجنة المالية في البرلمان جمال كوجر أن تراجع الدينار أمام الدولار خطة حكومية منظمة لخفض العجز المالي وتحقيق وفرة في الإيرادات.
وقال كوجر للجزيرة نت إن “الحكومة العراقية تتعمد رفع أسعار الدولار مقابل الدينار العراقي لتوفير فروقات مالية كبيرة على أمل تحقيق وفرة مالية لخزينة الدولة”.
وأشار إلى أن “العراق يحصل على الدولار من بيع النفط الخام، ويقوم بتوزيع الرواتب للموظفين بالعملة المحلية، وتعقد الحكومة أنها ستحقق وفرة مالية في حال تراجع قيمة الدينار أمام الدولار”.
واعتبر كوجر أن سياسة رفع أسعار الدولار مقابل الدينار “فاشلة” وتضر بالمواطن العراقي وتحد من قدرته المالية والشرائية في السوق المحلية، على اعتبار أن الأسعار سترتفع في الأسواق المحلية بانخفاض قيمة الدينار.
تبرير الكاظمي
وأثار القرار موجة غضب في الشارع العراقي، لكن الكاظمي دافع عن خطوة حكومته وقال إنه كان أمام خيارين “إما انهيار النظام والدخول في فوضى عارمة، أو ندخل في عملية قيصرية للإصلاح”.
واستشهد الكاظمي خلال كلمة له في جلسة مجلس الوزراء العراقي عقدت مساء أمس السبت، بعدة دول منها كوريا الجنوبية وسنغافورة عندما اتخذت في السابق “قرارات صعبة” من أجل إصلاح الاقتصاد.
وانتقدت عدة كتل سياسية في البرلمان قرار تخفيض قيمة العملة العراقية أمام الدولار، بينما قال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إن “البنك المركزي وكافة البنوك الأخرى أسيرة الفساد والمفسدين، ويجب على الحكومة والبرلمان السعي بالطرق التخصصية لإنهاء ذلك وتحريرها فورا”.
وأضاف الصدر في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر”: “لا يكفي تعويم العملة فقد يكون ذلك سلاحا ذا حدين، فيخرج العراق من أزمة ليقع بأشد منها والمتضرر الوحيد هو الشعب بأقواته ولقمته”.
وفي وقت لا يزال فيه العراق تحت وطأة أزمة مالية خانقة لم يشهد مثلها منذ عقود، ظهرت على السطح مخاوف شعبية من إمكانية انعكاس ذلك على المستوى المعيشي لعموم السكان وللطبقات الفقيرة بشكل خاص، مع ترقب معركة منتظرة بين الحكومة والبرلمان لتمرير القرار داخل مجلس النواب، وبسيناريوهات مشابهة لما حدث عند لجوء الحكومة إلى الاقتراض.
المصدر : الجزيرة