صنفت وزارة الخزانة الأميركية، قبل أيام قليلة، سويسرا وفيتنام “دولتين متلاعبتين بالعملات” وهو ما يضع الإدارة القادمة برئاسة جو بايدن أمام خيارات صعبة.
في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية (Foreign Policy) يقول الكاتب جوزيف سوليفان إن قرار الخزانة هذا الأسبوع كان استثنائيا، إذ إن تصنيف دولة ما على أنها “متلاعبة بالعملة” يعد حدثا نادرا، ولم توجه إدارة الرئيس المنصرف دونالد ترامب هذه التهمة في السابق إلا للصين.
عام 2015، تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بتصنيف الصين دولة متلاعبة بالعملة في أول يوم بعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، وبعد توليه الحكم، أطلق الاتهامات ضد المتلاعبين بالعملة عبر حسابه على تويتر، وأكد أنه سيعمل على تعديل سياسة بلاده فيما يتعلق بالتجارة الدولية لخفض العجز التجاري.
وفي ظل غياب ملامح سياسة واضحة لإدارة ترامب في مواجهة التلاعب بالعملات خلال السنوات الماضية، فإن التصنيف الذي أصدرته الخزانة، في هذا الوقت بالذات، لا يعدو كونه خطوة جديدة ضمن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى وضع العراقيل في طريق إدارة بايدن.
لماذا فيتنام وسويسرا؟
في الواقع، منذ اعتماد التشريع القانوني الصادر عام 2015، الذي يطالب الخزانة بإصدار معايير محددة للتلاعب بالعملة، كانت سويسرا وفيتنام الدولتين الوحيدتين اللتين استوفتا المعايير الثلاثة التي حددتها الوزارة: تحقيق فائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة، تحقيق فائض في الحساب الجاري، التدخل بشكل كبير في أسواق الصرف الأجنبي لإضعاف العملة بشكل متعمد.
في المقابل، لم تكن الصين قد استوفت إلا معيارا واحدا، في وقت توفر معياران في بعض الدول الأخرى وفقا للوزارة الأميركية، بينها ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، وأصبحت بالتالي تحت المراقبة.
على هذا الأساس، كان من الضروري أن تقوم الخزانة بإصدار التصنيف، وإلا تكون قد خالفت القوانين، حيث إن فيتنام وسويسرا استوفتا المعايير على امتداد 12 شهرا الماضية، فقد حققتا فائضا تجاريا ثنائيا في المبادلات مع الولايات المتحدة لا يقل عن 20 مليار دولار، وحققتا فائضا إجماليا في الحساب الجاري بنسبة 2% من ناتجهما المحلي الإجمالي، كما تم استيفاء المعيار الثالث أي “التدخل المستمر أحادي الجانب” لإضعاف العملة بنسبة 2% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة 13 شهرا.
ففي الفترة التي امتدت بين يوليو/تموز 2019 ويونيو/حزيران 2020، أشارت تقديرات الخزانة الأميركية إلى أن تدخل سويسرا بسوق الصرف الأجنبي بلغ 103 مليارات دولار، أي 14% من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغ تدخل فيتنام 16.8 مليارا، أي ما يعادل 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي.لكن لماذا تسعى البلدان جاهدة لإضعاف قيمة عملتها؟
وفقا لمكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، فإن فيتنام، القوة التصديرية الصاعدة، لها تاريخ طويل في التلاعب بعملتها، حيث إن تخفيض قيمة العملة يعني المزيد من الصادرات.
وبسبب التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على البضائع الصينية، شهدت فيتنام ارتفاعا في الاستثمارات الأجنبي، واستطاعت مصانعها أن تشحن بضائعها إلى الولايات المتحدة دون رسوم جمركية.
ومع تدفق الاستثمار الأجنبي وارتفاع قيمة العملة الفيتنامية، كانت السلطات تخشى أن تصبح صادراتها أقل تنافسية، لذلك تدخلت بقوة لتخفيض قيمة عملتها.
وفي سويسرا، أدت الأزمات الناتجة عن جائحة كورونا إلى ارتفاع قيمة الفرنك (العملة المحلية) كملاذ آمن، وكان ذلك يعني انخفاض الأسعار، وبالتالي انخفاض نسبة التضخم التي بلغت أقل من 0.5% عام 2019، وقد أثارت احتمالات دخول هذا البلد دائرة التضخم السلبي والانكماش الاقتصادي مخاوف في بورصة وول ستريت، وهو ما جعل صانعي السياسة الأميركية يبدون نوعا من التعاطف مع بيرن، كما يقول الكاتب.
واعتبر تقرير الخزانة الأميركية أن تحكم السلطات السويسرية في قيمة العملة كان رد فعل على مخاطر الانكماش المستمر، ومحاولة لتجنب الآثار السلبية للتضخم.
لكن هذا التعاطف لم ينقذ سويسرا من أن تصنف دولة متلاعبة بالعملة وفق الخزانة الأميركية. ومع الاعتراف بمخاوف بيرن المشروعة، أشار التقرير الأميركي إلى أن السلطات كان بوسعها أن تتجنب تدابير التلاعب بالعملة “من خلال زيادة معدلات مشاركة القوى العاملة ونمو الإنتاج”.
لكن الكاتب يرى أن هذه السياسة الأميركية، واحتمال تصنيف بلدان أخرى -قامت بإجراءات مماثلة لإنقاذ اقتصاداتها- كدول متلاعبة بالعملة، قد يضع واشنطن نفسها في مرمى الانتقادات.
مثلا، اشتكت دول مثل البرازيل من تلاعب الولايات المتحدة بالعملة بعد اعتماد مجلس الاحتياطي الفدرالي برنامج التيسير الكمي، والذي ساعد في دعم الاقتصاد الأميركي المترنح، لكنه أثر سلبا على قيمة الدولار.
عراقيل أمام بايدن
ورغم الإجراءات التي أقرتها الخزانة لتعزيز التعاون مع سويسرا وفيتنام بهدف وضع خطة لمعالجة أسباب الاختلالات بميزان المبادلات التجارية، فإن هناك احتمالا ضئيلا جدا أن يقوم أي من البلدين بمعالجة تلك المشاكل، حتى في ظل تهديد واشنطن باتخاذ تدابير أكثر صرامة.
ففي فيتنام، اختارت الحكومة تخفيض قيمة عملتها للحد من القدرة الشرائية للمواطن، وبالتالي تقليص أعداد العاطلين. وفي سويسرا، لجأ البنك المركزي إلى التدخل بالعملة بدلا من سياسة إصدار السندات لسد عجز الميزانية. وفي كلا البلدين، من غير المرجح -وفقا للكاتب- أن تتغير هذه السياسات بعد صدور تقرير الخزانة الأميركية نصف السنوي.
وبالمحصلة، فإن هذا الإعلان سيؤثر بالأساس على الحكومة الأميركية القادمة -حسب الكاتب- ومن المرجح أن تتقيد وزيرة الخزانة المقبلة جانيت يلين بالإجراءات التي اتخذتها الإدارة الحالية.
المصدر : فورين بوليسي