الباحثة شذى خليل*
يعتمد العراق على إيراداته النفطية بالكامل، وهو ثاني أكبر منتج للخام في أوبك، ويعاني من أزمة اقتصادية فاقمها انهيار أسعار النفط عالمياً، ما أدى إلى تراجع عائداته من تصدير النفط، فهو مصدر البلد الرئيس للموازنة الاتحادية التي تحمل إرثا منذ عشر سنوات وليومنا هذا، “ريعية نفطية”.
وحسب وزارة النفط العراقية، تبلغ صادرات النفط لكل يوم في يوليو 2.763 مليون برميل، وبلغت عائدات الصادرات ما مجموعه 3.487 مليار دولار مع متوسط سعر البرميل 40.70 دولارا، وهو ما يعني أن الاقتصاد العراقي يعاني من أزمة مالية غير مسبوقة ناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد وانهيار أسعار النفط التي ترفد ميزانية الدولة والتي تمول اكثر من 95% من الموازنة، ومن المتوقع أن تنهي بغداد هذا العام المضطرب مع تقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 11%، وارتفاع معدل الفقر إلى 40% من سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة.
يعيش الشعب العراقي في أزمات اقتصادية متراكمة ومستمرة، واليوم يعيش تحدٍ مع تزايد المخاوف من ازدياد الأمور سوءا بعد تقديم مشروع موازنة لعام 2021 التي تركز على التقشف، ما قد يعرض العراقيين لضغوطات أكبر العام المقبل.
مسودة الموازنة الاتحادية 2021:
وفقاً لمسودة قانون الموازنة، فقد تضمنت عجزاً تجاوز الـ 58 تريليون دينار عراقي، وبحسب المسودة فإنه تم احتساب الإيرادات المخمنة من تصدير النفط الخام على أساس سعر 42 دولاراً للبرميل، وبمعدل تصدير 3 ملايين و250 ألف برميل يومياً، بضمنها 250 ألف برميل مصدرة من إقليم كردستان، وبإجمالي العجز المخطط للموازنة العامة الاتحادية لعام 2021 هو 58260763114 دينار، في حين بلغت فجوة التمويل 35031745297 دينار، وكالتالي :
حسب مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لعام 2021 بتاريخ 16 -12- 2020 العدد م د / ق/ 2/ 2 .
1. جرى احتساب الإيرادات المخمنة من تصدير النفط الخام على أساس معدل سعر 42 دولارا، ومعدل تصدير قدره 3.250 مليون برميل يوميا بضمنها 250 ألف برميل عن كميات النفط الخام المنتج في إقليم كردستان .
2. تعتمد الموازنة في تمويلها على عنصريين أساسيين هما: الإيرادات النفطية والايرادات غير النفطية، والاقتراض الداخلي (المحلي) والاقتراض الخارجي .
أما فيما يتعلق بإقليم كردستان، ذكرت بعض المصادر الحكومية الرسمية لإقليم كردستان أن الحكومة على “وشك” عقد جلسة لتمرير موازنة العام المقبل، مؤكدة أن موازنة 2021 ستعالج الأزمات بين المركز وإقليم كردستان، والمتطلبات الأخرى، وأشارت المصادر إلى أن هناك التزام من حكومة إقليم كردستان بقانون الاقتراض، واصفة القانون بأنه المظلة التي ستحكم كل الاتفاقات.
إن المشكلة في الموازنة هي الاستدامة المالية، التي تعني: قدرة الحكومة في المحافظة على تدفق إيراداتها واستمرار نفقاتها دون التعرض الى حالة الملائمة بسبب مطلوبات او مدفوعات، وان الاستدامة المالية تحسب كما يلي :
الإيرادات غير النفطية – (جميع النفقات الممولة من (ايرادات نفطية + ديون) – من هذه النفقات فقط خدمة الديون= يظهر بالنص به عجز العراق المالي.
ان الخطر هنا في الموازنة، وخلال السنوات السابقة، انه حتى مع اسعار النفط عندما ازدادت خمس مرات، الرواتب ازدادت سبع مرات، وهذا يعني عندما نحسب الموازنة بشكل دقيق نرى ان الرواتب تشكل 50% منها، أي نصفها التزامات يجب ان توفرها الدولة، وتوفر لها الاستدامة المالية الوقت نفسه.
وتشكل مجموعة من الإجراءات المدرجة في مسودة ميزانية 2021، التي عرضت على مجلس الوزراء في نهاية الأسبوع لمناقشتها، هي محاولة لإيجاد حلول.
وحسب مسؤولين جاء هذا لخفيف الضغط على فاتورة رواتب القطاع العام، وهي أكبر نفقاتنا، وفي مقدمتها، تخفيض قيمة العملة الرسمية من 1190 دينارا عراقيا في مقابل الدولار الأميركي إلى 1450 دينارا، كأول إجراء من هذا النوع منذ نصف عقد.
حددت المسودة المسربة سعر صرف قدره 1450 ديناراً للدولار، ما تسبب بارتفاع سريع لسعر الدولار الذي قفز لأكثر من 1350، صعوداً من هامش بين 1280 و1320 في الأيام الماضية.
والقطاع العام هو أكبر صاحب عمل في العراق مع نحو أربعة ملايين موظف، بالإضافة إلى ثلاثة ملايين متقاعد ومليون شخص يتقاضون مرتبات الرعاية الاجتماعية.
وقال أحد المسؤولين “إذا دفعنا الرواتب لموظفينا بالدينار الذي أصبحت قيمته الآن أقل بنحو 25%، يمكننا تقويض العجز المالي وتوزيع هذه الأموال بشكل أكبر”.
انخفاض قيمة الرواتب، أي ستصبح القيمة الحقيقية للراتب أقل بـ25% أي الرواتب ستكون اقل قيمة مما أثر سلبا على القدرة الشرائية للمواطن، وسنبدأ كساد اقتصادي وندخل أزمة أخرى .
ويرى البعض ان هناك احتمالية حدوث تخفيض كبير آخر في قيمة العملة العام المقبل ليصل سعر الصرف إلى 1600 دينار عراقي لكل دولار، بعد ضغوط من صندوق النقد الدولي.
حتى ذلك الحين، سيتم أيضا تقليص رواتب موظفي القطاع العام بفرض ضريبة دخل جديدة بنسبة 15% للموظفين من الدرجتين المتوسطة والعليا.
كذلك تخطط الحكومة لزيادة تعرفة الكهرباء لإجبار المواطنين على دفع المزيد في مقابل الكهرباء التي توفرها الدولة.
وتأمل خطة الموازنة في تحقيق إيرادات غير نفطية بقيمة 18 تريليون في العام 2021، مقارنة بـ11 تريليونا في ميزانية 2019، وتتوقع أن تصل الإيرادات النفطية إلى 73 تريليون، أي أقل بـ20 تريليون من العام 2019.
لم يقر العراق موازنة 2020 بسبب التوترات السياسية، ويرجع الانخفاض في أرباح النفط المتوقعة إلى توقعات ميزانية 2021 بأن العراق سيبيع كل برميل بسعر 42 دولارًا، وهو أقل من أسعار سوق الخام الحالية، وأقل بكثير من سعر 56 دولارًا للبرميل في موازنة 2019.
واعتمدت في 2019 واحدة من أكبر ميزانيات الإنفاق في العراق على الإطلاق، حيث بلغت 133 تريليون دينار عراقي، لكن العام 2021 تجاوزها، مع 150 تريليون دينار عراقي في الإنفاق المتوقع.
خطط مقترحة للإصلاح.. هل من الممكن ان تعمل على تخفيف الضغط على المواطن من جهة، وتعديل مسار الإصلاح الحكومية من جهة احرى؟
الدكتور مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء العراقي، من أبرز خبراء الاقتصاد والمال في العراق، وكان نائبا لمحافظ البنك المركزي العراقي، ويمتلك معرفة نظرية واسعة وعميقة وخبرة عملية كبيرة بالنشاط المالي والمصرفي في البلاد، وهو الذي يرى ان البلاد بحاجة إلى قانون أساس يشرع للإصلاح الاقتصادي، أي تعتمده الهيئة التشريعية، وأعني هنا الورقة البيضاء، واعتبارها دستورا اقتصاديا للبلاد، لبناء مستقبل إدارة البلاد الاقتصادية وفقا لكفاءة السوق.
وضع التوقيتات الملائمة، وتقييم الإمكانات المتاحة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة، والوقوف الصحيح والدقيق على مدخلات ومخرجات ونتائج النشاط الاقتصادي اليومي الخاضع للضريبة، مما يتطلب موارد مادية وبشرية وهيكلة تنظيمية ورقمية كبيرة في الجهاز الضريبي، مع العلم أن 65 حتى 70% من نشاط السوق يقع في المنطقة الرمادية المتهربة من التعاطي أو التعامل مع الجهاز الضريبي.
التركيز على القطاع الزراعي الذي يعد الأهم لتدوير عجلة الإنتاج والاستثمار والاكتفاء الذاتي، وما زالت الصناعة التحويلية والزراعة لا تشكلان سوى 7% من الناتج المحلي الإجمالي للعراق، وهي تضم 37% من قوة العمل، والمجتمع جله يعتاش على الوظائف الحكومية الخدمية ضعيفة الانتاجية أو على الدعم والإعانات الحكومية المدفوعة من موازنة ريع المورد النفطي.
وختاما، يجب على المسؤولين والاقتصاديين والحكومة العراقية ان تدرك مقدار الخطر المقبل، وان تسارع بوضع الخطط البديلة قصيرة الأمد والبعيدة، والأهم ان تضع إرادة سياسية موحدة في اختيار خريطة طريق موحدة للإصلاح الاقتصادي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية