بريطانيا الخاسر الأكبر اقتصاديا من بريكست

بريطانيا الخاسر الأكبر اقتصاديا من بريكست

غادرت بريطانيا، رسميا، الاتحاد الأوروبي في الـ31 من يناير الماضي، إلا أنها بقيت تطبق قواعده خلال الفترة الانتقالية التي تنتهي في الـ31 من ديسمبر الجاري. واعتبارا من الأول من يناير 2021 ستكون الدولة مستقلة، بشكل أفضل أو أسوأ.

وأظهرت الأيام الماضية مدى صعوبة المفاوضات الشاقة بين الطرفين، ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان الانفصال سيحصل مع أو دون اتفاق شامل مع الاتحاد الأوروبي.

وسيُغرق الخروج دون اتفاق الصادرات والواردات في دوامة عبر إعادة فرض رسوم جمركية على منتجات، من الخراف إلى السيارات، ما يثير الخشية من نقص في الأغذية والأدوية.

لكن حتى في حال تم التوصل إلى اتفاق، سينبغي على المصدّرين البريطانيين ملء الكثير من المستندات لإثبات أن منتجاتهم يُسمح لها بالدخول إلى السوق الموحدة. ومن الممكن أن تثير زيادة الإجراءات، الفوضى إذا تبيّن أن الاستعدادات غير كافية.

سواء تم التوصل إلى اتفاق ما بعد بريكست أم لا، فإن ما ستخسره أوروبا اقتصاديا أقل بكثير مما ستخسره المملكة المتحدة التي تعتمد بشكل كبير على القارة العجوز، وفقا لخبراء الاقتصاد، حتى وإن احتفظت لندن بتفوقها المالي.

وقال مفوض السوق الداخلية تييري بريتون الاثنين الماضي “سأقولها من قلبي، بريكست مأساة”، لأنه مهما كانت نتيجة المفاوضات فإن “المملكة المتحدة هي التي ستكون الخاسرة”.

وقبل أيام قليلة من الموعد النهائي، يكفي النظر إلى التقديرات لمعرفة ما ستكون عليه الأمور، حيث سيؤدي عدم التوصل إلى اتفاق إلى خسارة الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي ما نسبته 0.75 في المئة بحلول نهاية عام 2022 أما في الجانب البريطاني، فستكون الخسارة أربع مرات أكبر، بنسبة 3 في المئة.

ومن المسلّم به أن تكلفة الوباء تساعد في وضع تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في منظوره الصحيح، ففي العام الحالي من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 7.8 في المئة مقارنة بانخفاض نسبته 11.3 في المئة في المملكة المتحدة.

ويقول جان لوك بروتا، الخبير الاقتصادي في بنك بي.أن.بي باريبا، إن “هذا الوباء يجعل صدمة بريكست محتملة تقريبا، بينما كنا قبل بضعة أشهر نرى أننا مقبلون على كارثة”.

وعلى الرغم من ذلك، تخاطر المملكة المتحدة بدفع ثمن باهظ لقاء رغبتها في استعادة سيادتها بعدما يقرب من خمسين عاما من اندماجها في السوق المشتركة.

وفي الواقع، تعتمد منافذ المملكة التجارية بشكل كبير على أوروبا، فهي تصدر 45 في المئة من منتجاتها إلى القارة. ولكن، في حال عدم التوصل إلى اتفاق، ستتعرض منتجاتها لتكاليف جمركية إضافية التعريفات واللوجيستيات بحوالي 12 في المئة مقابل لا شيء عندما كانت في الاتحاد الجمركي.

وتقول آنا بواتا، رئيسة أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة التأمين على الائتمان أولر هيرميس، إن انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 10 في المئة حسب تقديرها يهدد بجعل الواردات أكثر تكلفة.

ولكن الاقتصاد البريطاني مندمج بقوة في سلاسل القيمة العالمية، وقد أشار بول ديْلز من كابيتال إيكونوميكس مؤخرا في مذكرة بعنوان “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – مع أو بدون اتفاق، ليس هذا بالأمر المهم”، إلى أن حوالي 56 في المئة من الواردات البريطانية من الاتحاد الأوروبي هي سلع وسيطة، بينما تصدر أوروبا 5.5 في المئة فقط من منتجاتها عبر قناة المانش. لكن لا تواجه كل البلدان الوضع نفسه.

وستكون أيرلندا في الخط الأمامي، فهي تصدر 15 في المئة من سلعها وخدماتها إلى المملكة المتحدة، لكن الأهم أن 40 في المئة من منتجاتها الغذائية الزراعية تذهب إليها، وفق تقرير أعدته شركة كوبنهاغن إيكونوميكس الاستشارية للحكومة الأيرلندية. وتمر حوالي ثلثي شركاتها المصدرة عبر المملكة المتحدة للتجارة مع القارة.

وفي بقية القارة، ستخسر بلدان الشمال وألمانيا وفرنسا التي لها روابط تجارية وثيقة مع المملكة المتحدة أيضا أكثر مما ستخسره دول الجنوب، باستثناء مالطا نظرا لعلاقتها التاريخية مع لندن.

ويوضح فنسان فيكار، الاقتصادي في مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية (سيبي)، أن “البلدان الصغيرة تميل إلى أن تكون أكثر عرضة للخسارة لأن التجارة تمثل حصة أكبر من ناتجها المحلي الإجمالي”، مشيرا إلى أن صناعة السيارات الألمانية ستتضرر كثيرا.

وحققت فرنسا فائضا تجاريا بقيمة 12.5 مليار يورو مع جارتها في العام الماضي، بفضل ما تصدر إلى بريطانيا من النبيذ والمخبوزات وهي تتوقع خسارة 0.1 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل بغض النظر عن نتيجة المفاوضات ناهيك عن قطاع صيد الأسماك الذي يكتسي أهمية رمزية والذي لا تزال المفاوضات تتعثر بشأنه.

وعلى الجانب البريطاني، لم تحدث الهجرة الجماعية المتوقعة في قطاع الخدمات المالية لدى التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقال فنسان فيكار “لا يبدو أن مستقبل المدينة موضع تساؤل على المدى القصير لأنه لا يوجد مركز مالي جديد ناشئ في أوروبا”.

وعمليات نقل نحو 7500 وظيفة إلى القارة وفقا لشركة إرنست أند يانغ، “تم توجيهها إلى العديد من المراكز المالية، في أيرلندا وفرنسا وألمانيا وهولندا ولوكسمبورغ، والتي لا تضاهي على الإطلاق لندن سيتي” بموظفيها البالغ عددهم 450 ألفا.

وذكَّر بول ديْلز بأن صدمة عدم التوصل إلى اتفاق للمملكة المتحدة يتوقع أن تخففها “الإجراءات العديدة” التي اتخذت بالفعل منذ اتفاقية الانفصال.

وأبرمت المملكة المتحدة العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول غير أوروبية مثل اليابان أو كوريا الجنوبية أو سويسرا أو إسرائيل لتحل محل تلك التي تفاوضت عليها من قبل مع الاتحاد الأوروبي، بينما تنتظر الاتفاقية الكبيرة التي تحلم بها لندن مع الولايات المتحدة.

صحيفة العرب