الإيرانيون يرسمون خطوطهم الحمراء في العراق قبل وصول بايدن

الإيرانيون يرسمون خطوطهم الحمراء في العراق قبل وصول بايدن

بغداد – عاد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى تحدي الميليشيات الشيعية التابعة لإيران بقوة، ليذكّر العراقيين بالهدف الأساسي الذي تشكلت هذه الحكومة من أجله، وهو فرض القانون واستعادة هيبة الدولة.

لكنّ مراقبين يعتقدون أنّ ما يجري من تصعيد يحمل رسائل وشروطا من إيران إلى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بشأن العلاقة بينهما، وأن العراق سيظل ملعب المناورة.

وفي الوقت الذي تجد فيه إيران نفسها في حاجة إلى تهدئة مع إدارة بايدن على أمل وقف العقوبات وفتح النقاش بشأن العودة إلى اتفاق البرنامج النووي، فإن المراقبين يقولون إن طهران تريد التصعيد لإظهار أنها في موقع قوة، وأنها تتخذ من العراق رهينة لوضع خطوط حمراء أمام الإدارة الأميركية الجديدة.

وبدأت التطورات عندما اعتقلت القوات الأمنية في بغداد أحد المتهمين بالتورط في إطلاق الصواريخ على السفارة الأميركية، داخل المنطقة الخضراء، وسط العاصمة العراقية، بعد هجوم عنيف استهدفها يوم الأحد الماضي.

وبالرغم من أن الكاظمي أعلن شخصيا قبل أيام نبأ اعتقال هذا الشخص، إلا أن الأمر لم يُلفت الكثير من الانتباه، لاسيما مع المؤشرات الشعبية التي توحي مؤخرا بابتعاد الشارع تدريجيا عن الحكومة، وقناعاته المتزايدة بأنها لن تصطدم بالفاسدين المتنفّذين ولا الميليشيات الكبيرة، ولن تواجه التغول الإيراني في البلاد.

لكن مساء الجمعة حمل أنباء مثيرة، إذ تم الكشف عن أن الشخص المعتقل هو قيادي بارز في ميليشيا عصائب أهل الحق التي يقودها قيس الخزعلي.

وتصنف عصائب أهل الحق في المرتبة الثانية بين الميليشيات الشيعية التابعة لإيران من حيث القوة، بعد ميليشيا كتائب حزب الله، ما يعني أن الكاظمي اختار خصما ليس سهلا.

وتقول مصادر استخبارية إن القوات الأمنية اعتقلت قياديا ميدانيا في ميليشيا العصائب، بعدما قادت التحقيقات إلى إثبات ضلوعه في عملية قصف للسفارة الأميركية ببغداد، استخدم خلالها 21 صاروخ كاتيوشا، ليكون الهجوم الأوسع بين هذا النوع من العمليات.

وبينما تؤكد مصادر حكومية أن المعتقل أقرّ بالتهم المنسوبة إليه، وأن أقواله صُدّقت قضائيا، يقول قادة في ميليشيا العصائب إن الاعترافات انتُزعت من زميلهم بالقوة.

وراجت تسريبات عن تسليم المتهم إلى قيادة الحشد في تكرار لأحداث سابقة والتي تضطر فيه حكومة عراقية لمجاراة ضغوط الميليشيات، لكن وزارة الداخلية فندت هذه الإشاعات في بيان لها مساء السبت.

وخلال الجدل بشأن تفاصيل هذه التطورات الجمعة، تداول مدوّنون على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة لمسلحين يقفون بالقرب من صورة كبيرة لقيس الخزعلي ويتوعدون الكاظمي باحتلال بغداد إذا لم يتراجع عن إجراءاته.

وتقول المصادر إن التحقيقات في استهداف السفارة الأميركية بالصواريخ أثبتت تورط ضابط عراقي كبير في تنسيق حركة ميليشيا العصائب داخل بغداد لتنفيذ هذه العملية، مؤكدة أن القوات الأمنية اعتقلته أيضا.

ونشرت ميليشيا العصائب عددا من عناصرها المسلحة وعجلاتها في مناطق تقع شرق بغداد، مثل البلديات وشارع فلسطين، ما زاد من مستوى الحساسية الأمنية مساء الجمعة.

ووزّعت ميليشيا العصائب على الصحافيين في بغداد إعلانا نسبته إلى “مصدر خاص”، يتحدث عن وجود “دعوى بموجبها قامت قوة أمنية بإلقاء القبض على فرد منتسب للعصائب، وجرت محاولات للضغط عليه بأساليب متعددة لانتزاع اعتراف منه حول قصف السفارة وتم ذلك بالإكراه ولم يعترف بشيء لأننا لا علاقة لنا بهذا الموضوع وسبق وأن رفضناه بتصريحات معلنة ومعروفة”.

وتابع، “من الواضح أن هناك حملة في مواقع التواصل والإعلام المغرض لغرض التسقيط السياسي”، مضيفا أن “مقاطع الفيديو التي انتشرت (وتوثّق تهديدات العصائب للكاظمي) فجميعها إما قديمة أو لجماعات لا نعرفها ولا ينتمي أفرادها إلى الحركة”.

ورفض النائب في البرلمان عن ميليشيا العصائب نعيم العبودي “الاتهامات الواضحة والمضمرة عبر التصعيد في الخطاب أو نشر مقاطع مصورة مجهولة المصدر”، مضيفا “كنا ومازلنا نؤكد على تطبيق القانون وحفظ هيبة الدولة”.

وتابع “لن ننجرّ إلى الفتنة بل ندعو إلى التحقيق الحيادي الذي يحقق العدالة”، داعيا “الجميع للالتزام بالقانون والحكمة”.

ونشرت وسائل الإعلام العراقية التابعة لإيران معلومات عن لقاء في منزل زعيم حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي دُعي إليه الكاظمي وزعيم منظمة بدر هادي العامري ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، لتسوية الموضوع، مؤكدة أن اجتماع منزل المالكي توصل إلى قرار ينصّ على الإفراج عن المعتقلين الاثنين من سجون الحكومة وتسليمهم إلى مديرية أمن الحشد الشعبي.

وبعد تسريب هذه المعلومات، أعلن القيادي الميداني في ميليشيا عصائب أهل الحق، جواد الطليباوي، انتفاء الحاجة لمواجهة القوات الأمنية بعدما تمت تسوية المسألة.

لكن مكتب الكاظمي نفى التوصل إلى أيّ تسوية، مؤكدا أن الإجراءات الخاصة بالمعتقلين الاثنين تسير وفقا للقانون.

وبعيد تداول أنباء التسوية، كتب الكاظمي عبر حسابه في تويتر، أن “أمن العراق أمانة في أعناقنا”. وأضاف، “لن نخضع لمغامرات أو اجتهادات”، وهو ما اعتبر مؤشرا على رفض الضغوطات التي تمارسها الميليشيات.

وتابع الكاظمي، “عملنا بصمت وهدوء على إعادة ثقة الشعب والأجهزة الأمنية والجيش بالدولة بعد أن اهتزت بفعل مغامرات الخارجين على القانون”.

ومضى يقول “طالبنا بالتهدئة لمنع زجّ بلادنا في مغامرة عبثية أخرى، ولكننا مستعدون للمواجهة الحاسمة إذا اقتضى الأمر”.

وتحدى الكاظمي الانتشار الميليشياوي في بغداد فجر السبت، وقام بجولة ميدانية طويلة تضمنت زيارة العديد من مناطق العاصمة العراقية في جانبي الكرخ والرصافة والتقى بقادة أمنيين وعسكريين وتفقد انتشار بعض القطعات.

وجاءت هذه التطورات بعد أيام من انتشار فوجين من القوات العسكرية الخاصة في بعض مناطق بغداد. ويقول مراقبون إن الكاظمي كان مستعدا لهذه المواجهة على جميع المستويات.

وتنقسم التوقّعات بشأن المؤشرات التي يفرزها هذا التطور، إذ يقول كثيرون إن الكاظمي أرسل رسالة للميليشيات الإيرانية بأنه سيرد على تحركاتها القادمة، وأنه لم يعد يخشاها، فيما يرى آخرون أن المواجهة بدأت فعلا في بغداد بين قوى الدولة وقوى اللادولة، وأن الفصول الأخرى ستأتي تباعا.

العرب