عرضت وسائل إعلام أحداث «ليلة رعب» تعرض لها سكان المخيم رقم 9 من اللاجئين السوريين في منطقة المنية اللبنانية حيث حاصرت مجموعة من المسلحين بوابتي المخيم الأمامية والخلفية وقطعوا الكهرباء عن السكان مستغلين الظلام في محاولة حرق اللاجئين في خيمهم، وإطلاق النيران لإشاعة الرعب بينهم، ثم انفجرت عبوات الغاز، ودفعت غريزة البقاء بعض اللاجئين لرمي أطفالهم من فوق السور، ثم سادت الفوضى، فتفرق الأطفال والنساء والرجال، ولم يسجل حضور للسلطات اللبنانية إلى أن كانت قرابة 100 خيمة قد دمرت، وتم نقل الجرحى والمصابين إلى المشافي.
بشكل متزامن، وفي بقعة أخرى من العالم، قامت سلطات بنغلادش بنقل دفعة جديدة من لاجئي الروهينجا الفارين بأرواحهم ، من دون السماح للأمم المتحدة بتقييم المخاطر المترتبة على هجرتهم الجديدة إلى الجزيرة المعرضة لخطر الغمر من مياه البحر، وهو ما يشبه عملية إعدام معلنة تنتظر التنفيذ.
والحقيقة أنه لا يخلو يوم من الأيام من خبر في وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية والمحلية عن أخبار مأساوية تتحدث عن مآسي اللاجئين، وخصوصا في منطقتنا العربية، المنكوبة بمناطق نزاع تركت تأثيرها الهائل على الشعوب، بدءا من فلسطين، التي تستمر فيها قضية اللاجئين منذ النكبة عام 1948، مرورا بسوريا التي تعرضت أيضا لتجريف ديمغرافي واسع أخرج قرابة نصف شعبها من مدنه وقراه ومناطقه، وكذلك ليبيا واليمن والعراق، كما أن أجيالا جديدة من مختلف البلدان العربية تحاول أيضا الهجرة واللجوء عبر الطرق البحرية والجوية والبرية إلى بلدان أكثر أمنا واستقرارا وغنى.
تضرب أحداث سياسية وأمنية بلدانا وشعوبا فتدفع الملايين إلى الفرار، فيخسرون أوطانهم وأرزاقهم، وفي أحيان كثيرة يفقدون أرواحهم، فتباد عائلات بأكملها وتتعرض جماعات بشرية لظروف مرعبة تترك آثارها اللاحقة على أركان الحياة الأساسية.
تقوم نخب سلطات الطغيان باحتكار السلطة والثروة، وتقوم على تبديد ثروات شعوبها، وفرض نظم مستبدة تفقر المجتمع وتطرد النخب السياسية والعلمية، وإضافة إلى مساهمتها الكبرى في نشوء ظاهرة اللجوء، فإنها تكمل مساهمتها الاستبدادية بمطاردة اللاجئين إليها، أو بالتحريض على الهاربين منها، وبدعم الأجندات الشعبوية اليمينية المتطرفة في بلدان الغرب، فتكون سببا للهجرة ومطاردا لمن يهاجرون منها.
في المقابل تؤمن بعض الدول فرصا جديدة للحياة والتأقلم لكثير من المهاجرين، فيساهم كثيرون في إغناء تلك الدول والمساهمة في إنجازاتها العلمية والاقتصادية والسياسية، ويساعد التنوع الجيني والثقافي والسياسي والاقتصادي الذي يساهم فيه المهاجرون واللاجئون في إغناء تلك البلدان وإعلاء شأنها بين الأمم، فيحصل توازن إنساني وأخلاقي يعزز قيم المدنية والحضارة والثقافة في العالم.
يتوحد الطغاة والشعبويون والعنصريون من البلدان «المصدرة» للاجئين والبلدان «المستقبلة» لهم، ويقدمون بذلك نهجا سياسيا وحشيا بمفاعيل كارثية تقع بداية على اللاجئين، ولكنها تنقلب، في النهاية، على الجميع.
القدس العربي