أردوغان يدفع الجيش إلى صراعات خارجية ليضمن البقاء في السلطة

أردوغان يدفع الجيش إلى صراعات خارجية ليضمن البقاء في السلطة

يصرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على استعراض قوّة بلاده العسكرية بزجّ الجيش في الصراعات، ويوظف أردوغان ورقة القومية بهدف حشد التأييد الداخلي لمغامراته الخارجية، على الرغم من تكلفتها الاقتصادية الباهظة التي يدفع ثمنها المواطنون الأتراك، ومع ذلك يتوقع المتابعون أن تقوّض العقوبات الأميركية طموحات أردوغان العسكرية، حيث من شأنها أن تضرّ بالقوة الشرائية لتركيا في مجال الدفاع.

إسطنبول – على الرغم من المشكلات المالية الداخلية والعلاقات المتوترة مع الحلفاء الغربيين، لا يزال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يجد الوقت بطريقة ما لمواصلة اشتباكات عسكرية طموحة في البعض من أشد مناطق الصراع ضراوة في العالم، دون اكتراث لتبعات سياساته على الداخل التي أنهكت الاقتصاد، وبمبالاة مستمرة لأثر مقامرته العسكرية على أمن واستقرار دول المنطقة العربية.

ويتواجد الجيش التركي حاليا في 12 دولة على الأقل، ويحتفظ بقواعد في الصومال وقطر وينخرط بشكل مباشر في صراعات حيّة في كل من سوريا وليبيا. ويشكل الحضور التركي عائقا أمام كل محاولة جدية تهدف إلى إيجاد تسوية سياسية نهائية تعيد الاستقرار إلى هذه الدول.

وستنشر أنقرة قريبا قوة حفظ سلام في منطقة ناغورني قرة باغ المتنازع عليها في جنوب القوقاز. وفي أماكن أخرى، تحرس البحرية التركية عمليات التنقيب عن النفط والغاز المثيرة للجدل في شرق المتوسط، رغم الاحتجاجات المدوية من جانب الاتحاد الأوروبي وخطر الاشتباكات مع القوات اليونانية والقبرصية والفرنسية في المنطقة.

كل هذا يأتي في أعقاب محاولة انقلابية فاشلة في العام 2016 شهدت استبعاد الآلاف من الجنود ذوي الخبرة من الجيش. فلماذا إذن يحرص أردوغان الآن على المغامرات العسكرية؟

ورقة القومية
يكمن جزء من الإجابة في تجدد القومية التركية، وهي ورقة رابحة يقول محللون إن أردوغان تعلم خلال 17 عاما قضاها في السلطة كيف يستخدمها لمصلحته السياسية الداخلية.

ويقول سونر جاجابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، “لم يبدأ أردوغان الحروب المنخرط فيها حاليا، لكنه يوائم غريزة البقاء لديه مع مخاوف تركيا الأمنية القومية الأوسع نطاقا”.

ويضيف “إن العديد من الأتراك معجبون للغاية حاليا بهذه السياسة الخارجية الجديدة القوية والتي تسمح لأنقرة بالوصول إلى ما وراء حدودها”.

وبالنسبة إلى العديد من المراقبين فإن “الطريقة الأردوغانية” التي وضعها الرئيس التركي، والتي تتبناها الحكومة التركية تسير بطريقة مشابها لفترة النازية.

وسبق وأن وعد أردوغان بالدفاع عن الحقوق السيادية لتركيا من الفضاء إلى عقيدة الوطن الأزرق، وهي منطقة كبيرة في البحر الأبيض المتوسط تعتقد تركيا أنها يجب أن تمارس نفوذها عليها.

ويرى أنجيلوس سيريغوس، وهو أستاذ مساعد في القانون الدولي والسياسة الخارجية، أن “تركيا الآن تحمل أوجه تشابه مقلقة مع ألمانيا النازية”.

وعلّق قائلا “ألمانيا النازية اتبعت فكرة ليبنسراوم (المجال الحيوي أو مساحة لاستيعاب توسيع الوطن) وتركيا على التوالي تتبع فكرة الوطن الأزرق.”

وأوضح سيريغوس، وهو أيضا عضو في البرلمان اليوناني عن حزب الديمقراطية الجديدة الحاكم، “لذلك أرادت ألمانيا النازية التخلص من معاهدة فرساي، وبالمثل تريد تركيا التخلص من معاهدة لوزان”.

تكلفة اقتصادية وعسكرية

بالرغم من كل مواقفه الخارجية المشاكسة، فإن قوة أردوغان تتوازن على حساب قاعدة دعم محلية تعاني حاليا من فقدان الوظائف وتراجع القوة الشرائية لليرة وارتفاع التضخم.

ويرى محللون أن هذا الاعتماد على الاستقرار الاقتصادي هو نقطة ضعف أردوغان، على الأقل في عام سيطرت عليه جائحة عالمية مدمرة وما لها من تداعيات اقتصادية. وفقدت الليرة التركية أكثر من 30 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي منذ بداية عام 2020.

ويقول الخبير الاقتصادي سيف الدين جروسل، إن تركيا ربما لا تواجه انهيارا اقتصاديا كاملا حتى الآن، لكنها ربما تعاني من انخفاض النمو وارتفاع البطالة لبعض الوقت مستقبلا.

وإلى جانب الهشاشة الاقتصادية، ثمة تهديد رئيسي آخر لمغامرات أردوغان العسكرية وهو اعتماد تركيا على أسلحة صنعتها الولايات المتحدة وألمانيا حليفتا أنقرة الغربيتان التقليديتان.

وقال مصدر دفاعي إن سرب القوات الجوية القتالي التركي بأكمله إما من صنع الولايات المتحدة وإما يطير بقطع إمداد أميركية. وفي الوقت نفسه، فإن أكثر من نصف سلاح الدبابات ونصف الأسطول القتالي للبحرية من صنع الولايات المتحدة، والباقي مصدره ألمانيا، بحسب المصدر نفسه.

وغالبا ما يحثّ أردوغان الشركات المحلية على المساعدة في تعزيز الاستثمارات الدفاعية، رغم أن تلك الجهود غالبا ما تقوضها مكونات أجنبية في شركات الأسلحة المحلية، حسب ما يقول جان كساب أوغلو، مدير برنامج الدفاع والأمن في مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية “إدام”، ومقره إسطنبول.

وبالرغم من اليقين التام بذلك، ومع استمرار توتر العلاقات مع الغرب بسبب تدخل تركيا في العديد من مجالات الصراع، تركز أنقرة على تطوير معداتها الدفاعية الخاص وأبرزها الطائرات بدون طيار الحديثة “تي.بي 2”.

ويعد تعميم استخدام الطائرات بدون طيار في الجيش التركي عامل تمكين أساسيا للنشاط العابر للحدود، فهذه الأنظمة فعالة من حيث التكلفة وتحد من الخسائر البشرية وأسعارها معقولة فضلا عن كونها توفر أصولا جيدة للتصدير، حسب ما ذهب إليه كساب أوغلو.

ويعتقد الخبير الدفاعي هاكان كيليتش، أن الطائرات التركية بدون طيار من طراز “بيرقدار تي.بي 2” جذبت الانتباه العالمي هذا العام لحملاتها في سوريا وليبيا وناغورني قرة باغ.

ويقدر كيليتش أن تكلفة الطائرة الواحدة “تي.بي 2” التي تستطيع التحليق لمدة 27 ساعة تبلغ نحو سبعة ملايين دولار. وهي أرخص بعشر مرات من مقاتلة حديثة “إف – 16” التي يمكنها التحليق في الجو لمدة ثلاث ساعات فقط.

ورغم أن العقوبات الأميركية الأخيرة بموجب “قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات” لعام 2017 ردا على شراء تركيا أنظمة الدفاع الجوي الروسية “أس – 400″، تعتبر خفيفة نسبيا، فإنها ما زالت هي الأسوأ بالنسبة إلى طموحات أردوغان العسكرية.

ويقول كساب أوغلو إن “تلك العقوبات الأميركية قد تضر بالقوة الشرائية لتركيا في مجال الدفاع.”

ووجهت الولايات المتحدة بالفعل صفعة لقدرات البلاد القتالية الجوية المستقبلية، حيث علقت مشاركة أنقرة في برنامج الإنتاج المشترك لمقاتلات “إف – 35″، وهي خطوة يقول كيليتش إنها ستكلف 10 متعاقدين أتراك حوالي 12 مليار دولار.

ويلفت الباحث بول إيدن في تقرير له بموقع أحوال تركية إلى أن “تركيا تواجه مشكلة في تصميم وبناء محركات محلية بشكل مستقل لأجهزتها العسكرية المبنية محليا”. وعلى سبيل المثال، تسعى أنقرة للحصول على مساعدة أجنبية لتطوير محركات لطائراتها المقاتلة من الجيل الخامس “تي.إف.إكس”.

وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح هنا هو ما إذا كانت هذه العقوبات الجديدة بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا ستقوض قدرة تركيا على بناء المزيد من المعدات العسكرية وكذلك تصدير الأنظمة المبنية محليا؟

ثم هناك سؤال أكثر عمومية حول ما قد تعنيه هذه العقوبات للجيش التركي، بعد قيام الكونغرس الأميركي بتجميد مبيعات الأسلحة إلى تركيا منذ العام 2018 بالإضافة إلى تجميد عقد لترقية هيكلية لطائرات “إف – 16” المقاتلة التركية، وتعد هذه الطائرات التي صنعتها الولايات المتحدة العمود الفقري لسلاح الجو التركي.

ومع ذلك، هناك بصيص أمل يلوح في الأفق بالنسبة إلى مغامرات أردوغان العسكرية، يتمثل في الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الذي من المرجح أن يدعم تركيا في سوريا وليبيا بينما يشجع جهود السلام في جنوب القوقاز.

ويقول المحلل جاجابتاي المقيم في الولايات المتحدة “أعتقد أن الجيش الأميركي يحب حقيقة أن تركيا منعت هذه الدول من الوقوع تحت السيطرة الروسية في الغالب”.

وبالمثل، فإن علاقة أردوغان المستدامة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، توفر له مجالا للمناورة في مناطق الصراع الرئيسية، رغم التحذير من أن الاعتماد على روسيا قد يكون بمثابة عائق على المدى المتوسط.

وقد تعني هذه الرؤية المستقبلية الماكرة، إلى جانب تحول في القيادة الأميركية العالمية، أن أردوغان في وضع يسمح له بمواصلة مغامراته العسكرية لبعض الوقت في المستقبل.

وبرأي الكاتب التركي هيرقل ميلس فإنه “لا توجد مؤشرات على أن تركيا ستغير سياستها ما لم يكن هناك سبب للقيام بذلك، مثل العقوبات. لكن هناك سبب ثانٍ لا يزال يجعل منهج الاسترضاء منطقيا: وهو أنه في يوم ما وبطريقة ما، لن يكون أردوغان في المشهد السياسي، وهذا ما من شأنه أن يحسن الوضع”.

لكن التغيير السياسي في تركيا لا يبدو أنه وشيك الحدوث، وليس هناك ما يضمن أن التغيير السياسي في المستقبل لن ينتج عنه وضع أسوأ مع قادة أسوأ، ما يعني أن تركيا ستبقى جزءا من دوامة الصراعات، حسب استنتاج ميلس.

العرب