تقهقر سياحة لبنان.. هل يعوض شهر الأعياد خسائر 2020 الكارثية؟

تقهقر سياحة لبنان.. هل يعوض شهر الأعياد خسائر 2020 الكارثية؟

يبدو أن التعويل على شهر الأعياد كفرصةٍ أخيرة، لن يأتي بنتائجه المرجوّة في لبنان لتعويض خسائره المترتبة عن انهيارات عام 2020.

ففي هذا البلد الصغير الذي طالما كان يعتمد على قطاع السياحة والخدمات كسبيلٍ لإنعاش اقتصاده الهشّ، عصفت به سلسلة أحداثٍ بدأت باندلاع حركة الاحتجاجات في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وتبعها تفشي فيروس كورونا، وتوترات سياسية وأمنية، وانهيار للعملة رافقتها أزمة مصرفية حادة، ثم انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي الذي قضى على آمال النهوض.

السنوات السابقة، كان اللبنانيون ينتظرون ديسمبر/كانون الأول، لتحقيق الازدهار والأرباح عبر تحريك العجلة الاقتصادية وإنعاش الحياة الاجتماعية، وتحديدًا في عيد الميلاد واحتفالات رأس السنة التي كانت تنشط فيها السياحة الوافدة والداخلية.

لكن واقع القطاع السياحي انقلب رأسًا على عقب، وهو ما انعكس بتقلص مظاهر الأعياد في بيروت ومحيطها، فزعزع آخر مقومات صمود لبنان (أي السياحة) بحسب ما تظهر الأرقام التي تستعرضها الجزيرة نت.

مسار الانحدار
ينطلق الأمين العام لاتحادات النقابات السياحية جان بيروتي​ من التحولات التي طرأت على عائدات القطاع السياحي للدخل القومي. فحتى عام 2010، كان دخل السياحة السنوي لا يقل عن 10 مليارات دولار، وكانت تقدّر عائدات القطاع خلال أعياد نهاية العام وحدها بين 700 و800 مليون دولار.

ومع بدء تدهور الأوضاع نهاية 2019، لم تتجاوز عائدات القطاع السياحي 6 مليارات دولار، بحسب ما يشير بيروتي، في حديث للجزيرة نت، ولن تتجاوز عائدات القطاع مع نهاية 2020 نصف مليار دولار.

وفي شهر أعياد 2019، تراجعت عائدات السياحة لنحو 55%، فلم يتجاوز 320 مليون دولار، واستمر التدهور حتى ديسمبر/كانون الأول 2020، ولن تتخطى عائدات السياحة فيه 100 مليون دولار.

على مستوى الملاحة الجوية، كان يزور لبنان خلال شهر الأعياد ما لا يقلّ عن 300 ألف سائح يتراوحون بين وافدين أجانب وعرب وبين لبنانيين مغتربين يقضون فترة الأعياد مع عائلاتهم.

لكن حجوزات هذا العام تكشف أن أعداد الوافدين الأسابيع الأخيرة تتراوح فقط بين 30 و50 ألف سائح كحدّ أقصى، بحسب بيروتي.

ويعتبر النقيب أن السياحة الداخلية لن تعوّض خسائر السياحة الوافدة، لأن اللبنانيين خلال الأعياد يتوجهون إلى القرى والأطراف، في وقتٍ تكبدت بيروت أضرارًا كبيرة، بفعل انفجار المرفأ الذي قضى على نحو ألفي مؤسسة سياحية بالعاصمة، ولم يعمل منها بعد أكثر من 10%، نتيجة المشاكل القائمة بين أصحاب المؤسسات وشركات التأمين التي لم تلتزم بتعويض مجمل الخسائر.

اعلان
هذا التراجع الحاد بمستوى السياحة، يؤكده نقيب الفنادق بيار الأشقر الذي كشف أن النسبة التشغيلية للفنادق خلال شهر أعياد 2020 لم تتجاوز 10%، بعد أن كانت عام 2019 بحدود 27%، وفي السنوات الأكثر استقرارا كانت الحجوزات في الفنادق تغطي أكثر من 85% من قدرتها الاستيعابية.

ويضم لبنان نحو 560 فندقا، لا تعمل جميعًا، بعد أن تتضرر نحو 163 فندقا في بيروت ومحيطها، ومازال أكبر 10 فنادق خارج الخدمة.

ويلفت الأشقر، في تصريح للجزيرة نت، إلى أن لبنان صار واحدا من أرخص دول العالم مع تجاوز تداولات الدولار عتبة 8200 ليرة بعد أن كانت 1507 ليرة. ومع ذلك لم يكن الأمر مشجعًا العرب والأجانب، خصوصا أن فيروس كورونا عطل حركة الملاحة وأغلق عددا كبيرا من المطارات.

ويشير نقيب الفنادق إلى أن العمود الفقري لكل موسم سياحي كان يعتمد على أهل الخليج العربي، لكن التوترات السياسية بين لبنان والخليج أدت إلى تحذير معظم هذه الدول من توافد رعاياها إلى لبنان، وكان سابقا تركيز لبنان على السائح الخليجي الذي يحجز بالفنادق بين 10 و15 يومًا في شهر الأعياد، مما يؤدي إلى النهوض بالقطاع.

وتفيد التقديرات بأن القطاع السياحي شغّل نحو 150 ألف عامل مسجلين رسميا لدى الضمان الاجتماعي، وموسم الاصطياف والأعياد يُضاف إليهم نحو 35 ألفا. لكن مع بداية حراك أكتوبر/تشرين الأول 2019 حتى نهاية 2020، خسر نحو 80 ألف عامل بشكل كلي وظائفهم بالقطاع، أما البقية فتقلصت رواتبهم الزهيدة ويعملون بدوامات جزئية، وفق الأشقر أيضًا.

أزمة الاستهلاك
في السياق نفسه، يرى طوني الرامي رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي أن واقع المطاعم على أنواعها يعكس أيضًا تداعي السياحة الوافدة والداخلية.

فلبنان الذي كان يضم على مختلف أراضيه نحو 8500 مطعم، لم يبق منها سوى 4500 مطعم آخر 3 سنوات، وقد تضرر معظمها خلال هذا العام، بعد أن دمر انفجار المرفأ مئات المطاعم والمقاهي في بيروت وحدها، بحسب رئيس نقابة المطاعم والملاهي.

وقال الرامي إن الإقبال على المطاعم شهر الأعياد خجول جدا مقارنة مع السنوات التي كانت تحقق فيها سنويا ما لا يقل عن 9 مليارات دولار من بينها 25% في ديسمبر/كانون الأول فقط، أما هذا العام فتراجع دخل القطاع لأقل من الربع بسبب كورونا وتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية، ولن تعوّض المطاعم خسائرها هذا الموسم “ولو بجرعة أوكسجين”.

وواقع الحال، أن التقلبات الكبيرة بأسعار السلع يبدو أنها أثرت سلبا، خصوصا على السياحة الداخلية، بعد أن خسر اللبنانيون نحو 85% من قدرتهم الشرائية، فصاروا عاجزين عن ممارسة طقوسهم المعتادة بالأعياد، على مستوى موائد الطعام والهدايا والألبسة ومختلف أنواع الاستهلاك التي صارت كلفتها باهظة الثمن.

انطلاقًا من هذا الواقع، يعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو أن الأعياد أصبحت تفصيلًا في لبنان، لأن هموم الناس ومشاكلهم بمكانٍ آخر مع ارتفاع كلفة الاستهلاك بشكل يومي.

أسواق بيروت فارغة خلال النهار شهر الأعياد (الجزيرة)
محليًا، ارتفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية بحوالي 220%، بناء على مؤشر أسعار استهلاك الأسر الذي تجريه الجمعية كل 3 أشهر على 145 سلعة وخدمة شهرية تشمل الغذاء والاتصالات والمحروقات والدواء.

أما السلع المستوردة بالدولار، والتي تخضع لتقلبات سعر الصرف بالسوق السوداء، فقد ارتفعت بمعدل 600%، مما يعني أن المعدل العام لارتفاع الأسعار بلغ حتى نهاية 2020 نحو 410%، بحسب ما أفاد برو للجزيرة نت.

ويرى رئيس الجمعية أن فئة صغيرة من اللبنانيين تستطيع إحياء الأعياد، من المغتربين حاملي الدولارات أو المقيمين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار، فهؤلاء استفادوا إلى حدّ معين من الأزمة، بحسب تعبيره. وتراجعت الأسعار لصالحهم بنسبة 50%، لكنهم لا يشكلون أكثر من 5% في المجتمع، في حين يتقاضى أكثر من 95% رواتبهم بالليرة حصرًا.

الاستقرار أولًا
اقتصاديا، ترى الصحافية المتخصصة بالشؤون الاقتصادية عزة الحاج حسن، في تصريح للجزيرة نت، أن العامل الأساسي لانتعاش السياحة هو “الاستقرار أولًا”.

وتعتبر أن موسم الأعياد لا يمكن أن يعوض خسائر القطاع السياحي لأن لبنان يفقد الاستقرار. وقبل تدهور القطاع للقعر عام 2020، بدأ تراجع السياحة تدريجيا من عام 2011، نتيجة التأثر بالأزمة السورية وتداعياتها أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وترافق هذا مع النزوح -الذي شكل ضغطًا كبيرًا على مختلف القطاعات الإنتاجية- مع تراكم المديونية ووقوع البلد في عجز كبير أدى لخسارة ثقة المجتمعين العربي والدولي.

ومع ذلك، استمر التعويل على القطاع السياحي بحسب الصحافية بالشؤون الاقتصادية، لأنه يشكل نحو 20% من الناتج المحلي، وهي نسبة ضخمة في بلد مثل لبنان لم يكن يتجاوز مجمل إنتاجه المحلي سنوات الاستقرار 55 مليار دولار سنويًا.

لذا، تعتبر الصحافية الاقتصادية أن القطاع السياحي هو من يؤمن تشغيل معظم القطاعات الأخرى، وإن تراجعه بهذا الشكل المخيف ستترتب نتائجه المأساوية لاحقًا على القطاعات العاملة.

المصدر : الجزيرة