لو أن هناك عاماً بحاجة إلى أن يتبع المرء إزاءه توجه «نصف الكوب المليء»، فإنه بالتأكيد 2020 – هكذا أخبرني مسؤول تنفيذي بمجال النفط خلال محادثة دارت بيننا في وقت قريب. وبطبيعة الحال، تطرق الحديث إلى الوباء وصناعة النفط. وأعرب المسؤول عن اعتقاده بأنه رغم الارتباك الذي أحدثه الوباء، فإننا مع ذلك استهلكنا 90 مليون برميل يومياً – فكيف إذن نعت ذلك بأسوأ تراجع في الطلب على النفط على الإطلاق؟
وأبدى المسؤول أسباباً وجيهة تدعوه للتفاؤل، على رأسها أنه في أعقاب الانهيار المفاجئ الذي وقع في الربيع، ينهي النفط العام بنشاط متجدد. وعاود خام «برنت» لما يزيد على 50 دولاراً للبرميل، بجانب نجاح أسهم الطاقة، التي عانت من انكماش شديد جعلها أصغر القطاعات في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، في تسلق طريقها من جديد نحو الأعلى.
من جانبها، تقدر منظمة «أوبك» أن متوسط الطلب بلغ ما يقل قليلاً عن 90 مليون برميل يومياً هذا العام، بانخفاض قدره 9.8 مليون برميل يومياً عن 2019. على الجانب الآخر، بالنظر إلى أن متوسط السعر يبلغ 42 دولاراً، فإن هذا يعني عائداً اسمياً بقيمة 1.4 تريليون دولار فقط لقطاع المنبع فقط. بالتأكيد هذا ليس أداءً سيئاً لعام ضرب العالم خلاله وباء. ونظراً لأن هذا التراجع تسببت فيه حالة الإغلاق، تحمل الغازولين ووقود الطائرات العبء الأكبر.
وكانت هذه تحديداً وجهة المسؤول التنفيذي الذي تحدثت إليه، وهي أن 10 في المائة من الطلب على الوقود تتعلق بصورة أساسية بالسفر جواً لرؤية أفراد الأسرة وقيادة السيارة إلى المتجر أكثر عن الضروري. إلا أن الـ90 في المائة المتبقية مرتبطة باحتياجات ضرورية لا يمكن لشيء إيقافها – بمعنى انتقالات لا يمكنك تجنبها وصناعات بلاستيكية وما إلى غير ذلك. وعندما يجري احتواء فيروس «كوفيد – 19»، ستعاود الـ10 في المائة الإضافية للظهور بقوة.
وأعتقد أن هذه الصيغة القائمة على 10/90 تبدو مفيدة في النظر إلى ما تحمله لنا الفترة المقبلة.
ويمكنك النظر إلى الـ10 في المائة باعتبارها تجارة قصيرة الأجل. والمؤكد أن الطلب سيقفز من جديد العام المقبل، لكن ليس على نحو كامل، ذلك أن «أوبك» تتوقع عودة 60 في المائة فقط من الطلب المفقود خلال عام 2020 في عام 2021. ويعني ذلك 5.9 مليون برميل يومياً. ومع استمرار مجموعة «أوبك+» حجب براميل خارج السوق وتراجع الاستثمار في الإمدادات الجديدة على نحو بالغ، تبدو الساحة مهيأة لارتفاع الأسعار.
في تلك الأثناء، فإن استمرار سياسات التيسير النقدي والمحفزات المالية (المتوقعة) من شأنها تأجيج التضخم. ومن شأن ذلك دفع المال نحو المواد الخام – جدير بالذكر هنا أن «مؤشر بلومبرغ للسلع» وصل لتوه إلى أعلى مستوى له منذ ست سنوات.
وينبغي الانتباه هنا إلى أنه في الوقت الذي يبدو فيه التعافي في الطلب على النفط حقيقياً، فإنه يبقى بمثابة هدف متحرك داخل سوق عادة ما تشهد كثيراً من التقلبات. وفي الوقت الذي ارتفعت فيه العقود الآجلة للنفط الخام، تظل المؤشرات المادية مثل هوامش التكرير منخفضة في هذا الوقت من العام. فيما يتعلق بإمدادات النفط الخام، تتعرض «أوبك+» لضغوط متزايدة، وهو أمر لا يثير الدهشة: فبعد أربع سنوات من ظهورها لأول مرة، ظل سعر النفط كما هو دونما تغيير، وينتج الأعضاء أعداداً أقل من البراميل.
فيما يتعلق بالتضخم، فإننا جميعاً نعلم أن الماء السهل يطلق العنان في مرحلة ما للبعبع القديم: التضخم. إلا أن التساؤل الذي لا يزال قائماً: هل سنصل إلى هذه النقطة في أعقاب الوباء مباشرة، خصوصاً بالنسبة لسوق النفط، حيث تصل الطاقة الفائضة إلى 8 ملايين برميل في اليوم؟ في الواقع، من المحتمل أن يسبب التحفيز المالي موجة من التضخم، لكن الانهيار التشريعي لمشروع قانون المساعدات الأخير لا يعزز الثقة فيما هو آتٍ.
هنا، تبدو سياسة أن تعمل الشركات على معاونة نفسها بنفسها أكثر منطقية ورشداً، وإن كانت لا تزال قيد التجربة. ولا يعني ما سبق أن نسبة الـ10 في المائة محكوم عليها بالفشل، وإنما المقصود أن الامر قد ينطوي على صعوبات وتقلبات أكبر عن الزيادة التي شهدها الشهر الماضي. على أي حال، فإنَّ جزء الـ90 في المائة من وجهة النظر العالمية هو ما ينطوي على الأهمية الحقيقية، وهو يتعلق بالاستثمار والشراء والاحتفاظ بدلاً عن التجارة قصيرة الأجل. ويعتمد هذا الجزء على حقيقة أساسية: أن النفط متأصل بعمق في مجتمعنا وسلوكنا اليومي.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه خلال الصيف، فوجئت بمدى السرعة التي تحولت بها الطرق في منطقتي من فارغة بشكل مخيف، إلى شيء يقترب من الحالة الطبيعية قبل جائحة فيروس «كوفيد – 19».
في المقابل، يرى البعض أن رقم 90 مليون برميل يومياً لا يكشف حقيقة الضرر الفعلي الذي ألحقه فيروس «كوفيد – 19» بالقطاع النفطي. جدير بالذكر هنا أنه في أبريل (نيسان)، عندما كانت الشوارع فارغة في الوقت الذي تعج فيه أجنحة المستشفيات بالحركة بمختلف المدن في أرجاء العالم، انخفض الطلب بأكثر عن 20 مليون برميل يومياً.
في الواقع، إن أسلوب إنفاق الدولارات التحفيزية خلال عام 2021 أمر بالغ الأهمية، ليس فقط فيما يتعلق بتجارة النفط على المدى القصير، وإنما كذلك لمستقبل الـ90 مليون برميل يومياً سالفة الذكر.
وربما يأمل البعض من كبار المعنيين بسوق النفط في أن يحرز الجمهوريون انتصارات انتخابية في جورجيا في الخامس من يناير (كانون الثاني)، وذلك سعياً لإحباط الأهداف المرتبطة بحماية البيئة في أجندة الرئيس المنتخب جو بايدن. ومع هذا، فإنه يتعين على هؤلاء الانتباه لحقيقة أن وجود مجلس شيوخ منقسم على ذاته سيضر بجهود تحقيق انتعاش اقتصادي.
والأهم من ذلك السياق العام ذاته، ذلك أننا اليوم نمر بثاني أزمة منذ ما يقرب من عقد من الزمان التي عززت دور الحكومة كجهة فاعلة اقتصادياً – ويحمل هذا تداعيات فيما يخص إلى أي مدى سترسم الأسواق ملامح السياسة الوطنية تجاه المناخ. وتكمن النقطة الأساسية هنا ليس في أن «الاتفاق الأخضر الجديد» لن يتم تفعيله، وإنما في مسألة طرحه من الأساس – فقد نجح ذلك في دفع النقاش العام الدائر بالبلاد نحو تصور تتدخل الحكومة في إطاره في الاقتصاد بدرجة أكبر. على هذه الجبهة، يمكن أن يكون انتصار بايدن الذي ينتمي إلى حد ما لتيار الوسط مفيداً لصناعة النفط.
ليام دانينغ
الشرق الأوسط