واشنطن وطهران والأيام الصعبة

واشنطن وطهران والأيام الصعبة

 

ندرك نقاط ضعف وقوة العدو، وقواتنا العسكرية تتمتع بإشراف استخباراتي واستعداد قتالي، إيران لن تكون البادئة بأي حرب، لكن إذا هاجم العدو بلادنا ومصالحها الحيوية لدينا القدرة والاستعداد الكامل للرد بقوة لا تسعى إلى التصعيد على المدى القصير”، بهذه الكلمات صرّح يحيى رحيم صفوي، كبير مستشاري المرشد الإيراني للشؤون العسكري.
نعم، إيران لن تكون البادئة في الحرب، ولعل مرد ذلك جملة معطيات، أولًا ليس من مصلحة إيران الإستراتيجية خوض حرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وما نسمعه من القيادة الإيرانية بأن الولايات المتحدة الأمريكية عدوها الأول، هذه مجرد بيانات سياسية لا أكثر ولا أقل، بل أن إيران تعاونت مع الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان ضد نظام طالبان، وسهلت احتلال الولايات المتحدة الأمريكية ضد النظام العراقي السابق، وتعاونتا معاً أيضًا ضد تنظيم داعش الإرهابي.
أمام هذه الحقيقة الساطعة، إذا أردنا أن نحيدها في تحليلنا للموقف الإيراني الذي يتخذ نبرة التصعيد ضد الولايات المتحدة الأمريكية تارة في رفع نسبة تخصيب اليورانيوم وتارة أخرى بالتهديد بأن الانتقام لقاسم سليماني قادم لا محالة، ومع هذا الموقف، إيران ليس بوسعها وليس من مصلحتها أيضًا أن تقدم على أي تحرك عسكري من شأنه أن يستفز القوة العظمى ومن ثم الذهاب إلى سياسة حافة الهاوية، وذلك لعدة عوامل تتعلق بالمقام الأول بظروف إيران الداخلية والخارجية.
اقتصاديًا، يعيش الاقتصاد الإيراني جراء العقوبات الأمريكية التي فرضت عليه معاناة في غاية الصعوبة، لا تمكنه من خوض أي حرب، أما اجتماعيًا، فإيران تعيش حالة من القلق الإجتماعي، وتخشى أن يكون لهذه الحرب أي ارتدادات على الوضع القومي، لا سيما بعد الانتصار الذي حققته أذربيجان ضد حليفتها أرمينيا، فالحرب قد تمهد لوقوع حركات احتجاجية ضد الحكم الإيراني وخاصة في شمالي إيران، حيث تقطن الغالبية الأذرية التي تطمح في الوحدة مع دولة أذربيجان، فإيران كانت إحدى الدول الخاسرة من انتصار أذربيجان على أرمينيا.
عسكريًا، إيران قد تقدم على ضرب بعض القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، كقاعدة خالد الجوية في المملكة العربية السعودية، وقاعدة مبارك في دولة الكويت، وقاعدة الجفر في المملكة الأردنية الهاشمية، وضرب دولة الإمارات العربية المتحدة.. وهذا يعني أن إيران أعلنت حالة حرب ليس فقط على الولايات المتحدة الأمريكية وإنما أيضًا على الدول العربية التي صواريخها استهدفتها، وقتها سنكون أمام حرب إقليمية دولية لا تستطيع إيران مواجهة واشنطن وحلفائها، وسيصبح المجال الجوي الإيراني تحت قبضتهما بما يمتلكانه -خاصة واشنطن- من مقاتلات حربية على درجة عالية من التقنية والتطور التكنولوجي على سبيل المثال: ” B52 و F35، وF16k وF15 وبهذا تكون إيران قدمت للولايات المتحدة الأمريكية الذريعة لضربها ضربة نووية تكتيكية ضد منشآتها النووية ومحطات الكهرباء والمرافق الحيوية التي من شأنها أن تشل حركة القيادة الإيرانية.
وبناء على كل ما تقدم، لا تسعى إيران نحو بدء الحرب مع الولايات المتحدة الأمريكية.
حاليًا، تعيش إيران مرحلة السباق مع ما تبقى من حكم ترامب، علها تنتهي دون حصول أي اشتباك، فهي تراهن على مجىء بايدن، لينهي مرحلة التوتر والصراع معها، لكن بايدن لن ينسف ما قام به ترامب، وإن أعلن عن رغبته بالعودة للمفاوضات مع طهران، فالمفاوضات لن تكون سهلة كما تظن إيران، بل أنها ستكون شاقة وقد تستغرق سنوات وسوف تشمل ملفات جديدة كالتفاوض على برنامجها الصاروخي وتدخلها التخريبي في بعض الدول العربية بالإضافة إلى برنامجها النووي.
وبالنظر إلى الظروف الاقتصادية الخانقة التي تعيشها إيران، فهي بأمس الحاجة لعودة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية كمدخل لرفع العقوبات الاقتصادية عنها، فهي من أجل توفير المستلزمات الغذائية الضروية للشعب الإيراني اضطرت إلى تحويل أكثر من 30 مليار دولار كانت موجودة في المصارف الهندية والصينية إلى العملة الهندية والصينية لشراء تلك المستلزمات وقد ترتب على ذلك التحويل خسارة كبيرة في عملية تحويل العملة أيضًا.
إيران تطمح لعودة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط من أجل رفع العقوبات الاقتصادية عليها فقط، وإنما تسعى من هذه المفاوضات إلى الحصول على تعويضات مالية جراء انتهاك الولايات المتحدة الأمريكية الاتفاق النووي والانسحاب منه من طرف واحد، لكن الذاكرة التاريخية المعاصرة لم تخبرنا أن الولايات المتحدة الأمريكية ذات يوم عوضت أية دولة عن الخسائر كانت هي سببها، وإن كان ولابد من تعويض، فمن الأجدى على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعوض العراق على كل خسائره نتيجة الغزو الذي لم يكن له أي مسوغ قانوني وأخلاقي.
بناء على كل ما تقدم، إيران لن تخوض مغامرة بدء الحرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، فالقيادة الإيرانية على درجة عالية من الحكمة والبرجماتية للذهاب إلى حرب معها، فالبقاء في الحكم هو الهدف الأسمى لها، لكنها -أي القيادة الإيرانية- تفضل الحرب بالوكالة عبر حلفائها، ففي العراق يمكن للمليشيات الولائية استهداف القواعد العسكرية الأمريكية كمقدمة لخروجها من العراق والمنطقة فيما بعد، وهذا الاستهداف قد يدفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى وقف كل الدعم لقوات التحالف الدولي بالعراق.
أما في سوريا ولبنان يمكن أيضًا لحلفاء إيران من المليشيات وحزب الله استهداف إسرائيل وهذا يعني توسيع مساحة التصعيد بين واشتطن وطهران، ولعل زيارة قآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني المتكررة للعراق وسوريا ولبنان في الشهر الفائت أتت في سياق هذا التصعيد والتحضير لمآلاته.
إيران ربما ترغب في جر الولايات المتحدة الأمريكية للقيام بضربة عسكرية ضدها لتحولها إلى فرصة تمنحها الخروج من مأزقها الحالي!
فعلى الرغم من محاولات الوسطاء إلى التهدئة وبث التطمينات إلا أن جميع الأطراف في حالة حذر شديدة، حيث أن المسح الجوي الأمريكي والبريطاني يعمل على مدار الساعة في المجال الجوي العراقي لمنع أي اختراق عسكري، وفي المقابل، فإن رادارات الحرس الثوري الإيراني كذلك تعمل على مدار الساعة وأيضًا القوة الجوية في المنطقة كلها في حالة تأهب قصوى .
خلاصة القول.. العالم بأسره في حالة ترقب ما الذي ستحمله الساعات والأيام المقبلة حتى نهاية فترة حكم ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير الحالي.

وحدة الدراسات الدولية