تمدد “داعش” في شمال إفريقيا: الاحتمالات والتحديات

تمدد “داعش” في شمال إفريقيا: الاحتمالات والتحديات

مقدمة

This image made from a video released Sunday Feb. 15, 2015 by militants in Libya claiming loyalty to the Islamic State group purportedly shows Egyptian Coptic Christians in orange jumpsuits being led along a beach, each accompanied by a masked militant. Later in the video, the men are made to kneel and one militant addresses the camera in English before the men are simultaneously beheaded. The Associated Press could not immediately independently verify the video. (AP Photo)

مع تسارع المفاوضات الرامية لإبرام اتفاق يضع حدًّا للصراع في ليبيا، تحت مظلة الأمم المتحدة، يتعاظم تأثير تنظيم الدولة الإسلامية، في هذا البلد، كما يتزايد أيضًا الاهتمام الإعلامي العربي والغربي باحتمالات تمدده في شمال إفريقيا. وبدأ اهتمام التنظيم بهذه المنطقة في وقت مُبكر، أولًا: بحكم كونه تنظيمًا عابرًا للقارات والدول، وثانيًا: بحكم الأرضية الثقافية والدينية المُهيأة لتقبل الفكر المُعظِّم للسلف الصالح. بيد أن العامل الحاسم في زرع أصابع داعش في شمال إفريقيا هو الصراع السياسي والعسكري في ليبيا، الذي قوَّض ما تبقى من أجهزة الدولة، مُحدِثًا فراغًا استثمره التنظيم لترسيخ وجوده في البلد. وفيما تنشغل الحكومتان المتنافستان في طرابلس وطُبرق بالصراع على من ستكون له الغلبة في تشكيل حكومة الوفاق المرتقبة، يُوجِّه “داعش” بصره نحو مناطق النفط في خليج سرت، في حركة تشير إلى احتمال تكرار السيناريو السوري والعراقي لبيع النفط في السوق الموازية، من أجل تحصيل إيرادات تمكِّنه من المُضي في مشروعه لإقامة إمارة في ليبيا.

1- احتمالات التوسع

يُحذِّر خبراء من أن تنظيم الدولة يسعى للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض في ليبيا، ويتوقعون أن تُصبح سرت (500 كيلومتر شرق طرابلس) قطب الرحى في الصراع مع التنظيم، لكون مناطق النفط تقع على مرمى حجر منها. واستطرادًا، يُرجِّحون أن تكون “ظهيرًا اقتصاديًّا (للتنظيم) كما هي الحال في العراق وسوريا”(1). فهل يملك تنظيم الدولة في ليبيا مقومات التوسع التي تُؤهِّله للتحول إلى قوة مُهيمنة، بما يجعل من سرت ما يُعادل الموصل العراقية أو الرقة السورية؟ وما هي احتمالات تمدده نحو باقي البلدان المغاربية وطبيعة العقبات التي تُعرقل ذلك التمدد؟

بعدما فقدت الدولة الليبية سيطرتها على كثير من المناطق بسبب ضعف الجيش النظامي وتحكم الميليشيات في معظم المدن تحت اسم “المجالس العسكرية”؛ تمركز تنظيم “الدولة الإسلامية” في مدينة درنة (1300 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس) مُحاوِلًا جعلها نقطة ارتكاز لإمارته الأولى في شمال إفريقيا. وبالرغم من أن درنة عبارة عن غابة من الجماعات المسلحة، التي تتعايش تارة وتتصارع تارة أخرى، لم يستطع التنظيم إيجاد موطئ قدم له فيها، للسببين الرئيسين التاليين:

  • الأول: أن سكان درنة، خلافًا للمدن الليبية الأخرى، لا تنتظمهم بنية قبلية موحَّدة بالنظر إلى أنها مدينة هُجِّر إليها جميع المغضوب عليهم عبر الحقب التاريخية، ما جعل بنيتها قائمة على فسيفساء قَبَلية وعِرْقية تعيش على التعدد والتعايش.
  • الثاني: سيطرة جماعة “أنصار الشريعة” عليها، وهي تنظيم غير قبلي، لكنه منافس قوي لـ”داعش”، باعتباره مواليًا لـ”القاعدة” ويحظى بـ”شرعية تاريخية” في المدينة، وبالتالي فتوسع أحدهما لا يمكن أن يكون إلا على حاب الآخر.

على هذا الأساس قدح “أنصار الشريعة” زناد المعارك المسلحة مع تنظيم الدولة، الذي جاء ليتوسع على حسابهم، وخسر الأخير مواقعه في درنة ليُوجِّه بصره صوب مدينة أخرى هي سرت. وعلى نقيض درنة وجد التنظيم في سرت، مسقط رأس معمر القذافي، الحاضنة الاجتماعية التي يفتقدها، مُستندًا على مكوِّنين أساسيين، هما: بقايا كتائب النظام السابق والمنشقون عن “أنصار الشريعة”. وأثمر تكتيك الاحتواء الذي سلكه التنظيم في المدينة والمناطق القريبة منها مثل النوفلية والجبل الأخضر، تآلفًا بين المُكونات الثلاثة على رغم اختلافاتها الأيديولوجية. وعزا هارون زيلين، الباحث في “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، هذا النجاح ليس فقط إلى قدرة التنظيم على المناورة، وإنما أيضًا لـ”خلوِّ سرت، بخلاف درنة، من فصائل مسلحة قد تنافسه على السلطة، والتسويات التي توصل لها مع القبائل المحلية ومع الجناح الجهادي المحلي لـ”أنصار الشريعة”، وانضمام أنصار الرئيس السابق معمر القذافي في مسقط رأسه إلى التنظيم أو رضوخهم لاستيلائه على المنطقة بطريقة مُماثلة لما قام به البعثيون سابقًا في العراق”(2).

ويشاطر باحثون آخرون زيلين توصيفه لعناصر “نجاح” تنظيم الدولة في سرت، وإن اختلفوا معه في النتائج؛ إذ يعتبر الخبير الإيطالي ياكوفيني أن “وجود التنظيم يقتصر أساسًا الآن على منطقة سرت لأن عناصره تربطها هناك علاقات وثيقة مع أنصار القذافي، وهو أمر شبيه بما حدث في العراق، حيث كان “البعثيون” أساس نشأة التنظيم في بغداد، أما في درنة فالوضع مختلف قليلًا؛ حيث هناك معركة مستمرة على السلطة بين الممثلين الجدد لتنظيم “الدولة” و”الميليشيات” الجهادية المحلية، التي تعارض وجوده في تلك المنطقة”(3). وتُقدَّر المنطقة التي يسيطر عليها التنظيم حاليًا بنحو 200 كيلومتر من السواحل الليبية، مع تركُّز ثقله في البلدات القريبة من سرت. إلا أن هذا التوسع النسبي للحاضنة الاجتماعية والسياسية في سرت لا يعني أن التنظيم بسط سلطته المطلقة عليها؛ إذ أتت معركتُه مع جماعة سلفية مسلحة حاولت إخراجه من المدينة في 15 أغسطس/آب الماضي وإقدامه على ذبح إمام مسجد بارز من دُعاتها(4)، ليُسلِّطا الضوء على هشاشة وضعه في معقله الأساسي.

وفي بنغازي، عاصمة الشرق، لا أمل له في فرض سلطته، ولو على قسم من المدينة، بسبب سيطرة الجيش النظامي والجماعات المنافسة له على كافة أحيائها. ولوحظ أن تنظيم الدولة يستهدف الجيش النظامي بالدرجة الأولى إذ قتلت عناصره تسعة جنود ودمَّرت دبابة وثلاث مركبات عسكرية(5) يوم 14 أغسطس/آب في منطقة الميناء التجاري (المُغلق). لكن ذراعه وصلت إلى قلب العاصمة طرابلس حيث فجَّر سيارة مفخخة يوم 31 أغسطس/آب أمام مقر شركة “مليتة غاز آند أويل” التي تشترك في ملكيتها “المؤسسة الوطنية للنفط” ومجموعة “إيني” الايطالية.

وإذا كان توسع التنظيم عبر الشريط الساحلي نحو الشرق (طبرق) أو الغرب (البيضاء والمرج) محكومًا بموانع وعقبات ذاتية وموضوعية منها انكشاف قواته للأطراف المعادية، ومنها أيضًا العداء الذي يُلاقيه من السكان والمقاومة المسلحة من الجماعات المُناهضة له، فهل يُتوقع أن تكون الطريق سالكة أمامه للتمدد جنوبًا؟ من الصعب أن يُفكِّر التنظيم بالتمدد جنوبًا في اتجاه فزَّان، القريبة من الساحل الإفريقي؛ حيث تزدهر كافة الأنشطة غير المشروعة مثل الاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر، لأن هذه المنطقة واقعة تحت سيطرة مختار بلمختار زعيم “القاعدة” في غرب إفريقيا. ويمتد نفوذ الجزائري بلمختار من درنة الليبية؛ حيث استهدفته طائرات أميركية مؤخرًا من دون أن تصيبه، إلى شمال مالي. وكانت عملية “سيرفال” التي نفَّذها الجيش الفرنسي في مالي لاقتلاع الجماعات المسلحة المرتبطة بـ”القاعدة” من هناك، حملت بلمختار وآخرين على الانتقال إلى حدود ليبيا الجنوبية المحاذية للنيجر. والأرجح أن التنظيم يعتبر غريمه بلمختار العقبة الرئيسة أمام تقدمه نحو جنوب ليبيا والاستفادة من شبكات التهريب المُتاحة هناك؛ إذ أعلن التنظيم عن رصد مكافأة لمن يعتقله أو يُدلي بمعلومات عن مكان وجوده(6). ويحمِّل كل من فرنسا والولايات المتحدة بلمختار المسؤولية عن عملية خطف رهائن في حقل “تيغينتورين” الغازي بمنطقة عين أم الناس جنوب غرب الجزائر مطلع 2013، والتي راح ضحيتها العشرات من الأجانب والجزائريين بين قتلى وجرحى.

في المُحصلة، يمكن القول: إن فرص التنظيم للتمدد في ليبيا ضئيلة لانعدام بيئة حاضنة سواء غربًا حيث تواجهه قوات “فجر ليبيا”، أم شرقًا حيث يتصدى له تنظيم “أنصار الشريعة” والجيش الليبي، أم جنوبًا حيث يجد نفسه في مواجهة بلمختار و”القاعدة في غرب إفريقيا”. بل إن التهديد الذي يُشكِّله التنظيم بات عُنصرًا مُهمًّا في التقريب بين الفرقاء الليبيين المتصارعين، إلى حدِّ أن محمد الدايري وزير خارجية حكومة طبرق المُعترَف بها دوليًّا أكَّد في تصريحات أدلى بها أخيرًا لصحيفة “لوموند” الفرنسية أن “العدو الوحيد في ليبيا هو “داعش والتنظيمات الإرهابية”، مُشدِّدًا على أن “الطرف المقابل (حكومة الإنقاذ في طرابلس) ليس عدوَّنا… صحيح أن هناك حربًا أهلية منذ سنة، لكنهم خصومُنا السياسيون وليسوا أعداءنا؛ إذ نعمل معًا على بناء ليبيا على أسس جديدة”(7). والمُلاحَظ أن الدايري قام بجولة أوروبية مؤخرًا قال: إنه خصصها لـ”تذكير المجتمع الدولي وتحذيره من مخاطر تنظيم “داعش”(8).

وتُردِّد الأطراف الدولية المعنية بالملف الليبي الأفكار نفسها في شأن دور التنظيم في توحيد الفرقاء الليبيين بالرغم من صراعاتهم، وأفضل من تحدث عن ذلك الموفد الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون الذي أكَّد أن لدى التنظيم “طموحات لتوسيع نطاق سيطرته، لكنه يُواجه مقاومة حتى داخل سرت، كما تم طرد ميليشياته من وسط درنة، وإذا ما تمكَّن الليبيون من التوصل إلى اتفاق سياسي، يمكن بعد ذلك توحيد قواهم لمحاربة ميليشيات هذا التنظيم الإرهابي”(9). ويشكِّل هذا الموقف صدى لخطاب ليون نفسه في جلسة مجلس الأمن التي خُصصت لدرس الوضع في ليبيا؛ حيث حذَّر من “الوجود القوي لـ”داعش” في البلاد”، داعيًا الليبيين إلى التوحد لمحاربته ومنع تحول البلد إلى عراق آخر أو سوريا أخرى. ويلتقي الموقفان الأميركي والفرنسي في هذا المضمار إذ يعتبران الخيار العسكري ضرورة لوقف تمدد “داعش” وخلخلة قوته الضاربة سواء في سوريا بالنسبة للأميركيين أم في مالي بالنسبة للفرنسيين. أكثر من ذلك اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، في خطابه السنوي أمام سفراء بلاده، أن تنظيم الدولة يشكِّل الخطر الأعظم على الأمن القومي الفرنسي، وأن “اللجوء إلى القوة لمجابهته أمر ليس منه بُد، لاسيما في ضوء تصاعد مستوى الخطر الذي لن يتراجع في وقت قريب”(10). وحضَّ البلدان الإفريقية على تشكيل قوة تدخل سريع مُبديًا استعداد أوروبا “لدعمها وتدريبها وتمويلها جزئيًّا”(11).

2- فُرص التمدُّد نحو تونس

إذا كانت احتمالات توسع التنظيم في ليبيا ضئيلة نسبيًّا فإنه استطاع أن يُصبح لاعبًا أساسيًّا في المسرح السياسي المغاربي، وخاصة في تونس بوصفها إحدى الحلقات الضعيفة. وتُعتبر نسبة التونسيين بين أعضاء التنظيم لافتة للنظر فكثير منهم تبوأوا مراكز قيادية مثل علي الحرزي، الذي قُتل في غارة على الموصل بعد أقل من عشرة أيام على مقتل مُواطنه أبي سياف وزير النفط والتهريب في التنظيم. واستفاد هؤلاء من غياب الدولة في ليبيا المجاورة ليتلقوا التدريبات لدى ميليشياتها قبل الانتقال إلى سوريا والعراق. لكن الظاهر أنهم لا يستخدمون ليبيا معبرًا إلى هذين البلدين وحسب، وإنما هم يُقاتلون أيضًا في صفوف تنظيماتها؛ إذ يُقدَّر عددهم هناك بحسب مسؤولين أمنيين بحوالي ثلاثة آلاف مقاتل(12). وعلى سبيل المثال، كان علي الحرزي مُشاركًا في عمليات على الأراضي الليبية قبل الانتقال إلى سوريا؛ إذ يتهمه الأميركيون بالضلوع في الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي ما أدى إلى مقتل السفير كريستوفر ستيفنز عام 2012. وفي مارس/آذار الماضي وزَّع التنظيم شريطا مُصوَّرًا لشاب تونسي قُدِّم على أنه “أبو طلحة التونسي”، كان يتلو وصيته قبل تنفيذ عملية انتحارية على معسكر لقوات الجنرال خليفة حفتر في منطقة بنغازي. واللافت أن الانتحاري لم ينس قبل أن يُفجر سيارته في الجنود الليبيين أن يتوعد أبناء بلده بالذبح، ويُبشرهم بالمُفخخات “التي ستنفجر من بنزرت شمالًا إلى برج الخضراء جنوبًا”(13). وكان ذلك قبل أسابيع من “غزوة” سوسة في يونيو/حزيران الماضي.

سدَّد التنظيم ضربتين موجعتين لتونس من خلال عملية سوسة وقبلها متحف باردو في مارس/آذار، مُوقِعًا ستين قتيلًا مُعظمهم من الأجانب. وتبنَّت العمليتين “كتيبة عقبة بن نافع”، التي بايعت تنظيم “داعش” بعدما كانت مرتبطة بتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. وقلبت العمليتان جميع الموازين في البلد فأصبحت “المعركة مع الإرهاب” العُنوان الكبير للمرحلة في كل المجالات. ورأى الباحث هاري تينرر وجود “دلائل متزايدة على أن تنظيم الدولة يعتزم بناء قاعدة وإقامة ولاية جديدة في تونس في المستقبل القريب تحت اسم “ولاية إفريقية”، وهو الاسم القديم لتونس، وقد يُشكِّل ذلك تحديًا لفرع تنظيم “القاعدة” المعروف باسم “كتيبة عقبة بن نافع”، بفتح جبهة أخرى في الحرب بين التنظيمين”. واعتبر تينرر أن من الوارد أن “تُؤدي المزايدة بين هذين الخصمين إلى تصاعد أعمال العنف من خلال شنِّهما هجمات على غرار تلك التي وقعت على متحف باردو”(14). ووجَّه التنظيم رسالة إلى التونسيين على لسان أحد قيادييه أبي بكر الحكيم، في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، مفادها تبنيه لاغتيال المعارضين البارزين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2012، داعيًا إياهم في الوقت نفسه إلى “مبايعة “الخليفة” أبي بكر البغدادي ورفع راية التوحيد وتمزيق رايات شارل ديغول ونابليون”(15) في إشارة إلى العلاقات الوثيقة بين تونس وفرنسا.

واتجه التونسيون، الذين كانوا يعتمدون على جيش محدود العدد ومتواضع التسليح منذ الاستقلال، إلى حليفتيهم أميركا وفرنسا لتحديث القوات المسلحة وتجهيزها بمُعدات متطورة برًّا وبحرًا وجوًّا، بالرغم من الضائقة المالية الشديدة التي يمر بها البلد. وأدت الضربتان المُوجهتان إلى أماكن رمزية في باردو وسوسة إلى انهيار الموسم السياحي، إذ تراجع إقبال السياح على المنتجعات التونسية في الموسم الحالي بنسبة 54 في المئة مقارنة بموسم العام الماضي. هكذا يتضح أن ثلاثة انتحاريين من “داعش”، اثنين في باردو وواحدًا فقط في سوسة، (بغضِّ الطرف عن الدعم اللوجستي) كفيلون بزعزعة البلد وهز توازناته الاقتصادية الهشة أصلًا. وبالتالي فلا حاجة به للتمدد الجغرافي ولا لكسب حاضنة شعبية واسعة.

اتجه تفكير السلطات التونسية في معرض التخطيط لاحتواء موجة الغزو الداعشي إلى إقامة حاجز على الحدود مع ليبيا، لمنع تسلل عناصر “داعش” والتنظيمات المسلحة الأخرى. وكانت الفكرة الأولى التي أعلن عنها رئيس الوزراء حبيب الصيد تقضي بإنشاء جدار عازل على مدى 500 كيلومتر من الحدود المشتركة مع ليبيا بكلفة قُدِّرت بـ75 مليون دولار، وبموازاة خندق بنفس الطول ليزيد من صعوبة الاختراق. غير أن المشروع تقلص لاحقًا إلى ساتر ترابي يمتد على 168 كيلومترًا فقط(16)، وهو حاجز لن يحول دون استمرار تسلل المهربين والسلع، واستطرادًا الانتحاريين، بين تونس وليبيا. وضبط الجيش التونسي مخازن سلاح في مدن وقرى حدودية كان مُوجَّهًا إلى الجماعات المسلحة المتحصنة في جبال محافظة القصرين. لكن الأخطر من كل ذلك هو اكتشاف مُعسكر للتدريب في جبل ورغة (شمال) القريب من الحدود مع الجزائر في أواخر أغسطس/آب الماضي. وأقامت المعسكر “كتيبة عُقبة بن نافع” لتدريب عناصرها على “فنون القتال وكيفية القيام بهجمات على مؤسسات الدولة والمنشآت الحيوية”(17).

ولعب المُهربون دورًا محوريًّا في نقل الأسلحة من ليبيا؛ إذ تعمل في المناطق الحدودية التونسية مع الجزائر وليبيا شبكات تهريب كثيرة وواسعة النفوذ. وأكَّد وزير الداخلية التونسي، محمد ناجم الغرسلي، في تصريحات أدلى بها أخيرًا وجود تقاطع بين الإرهاب والتهريب على الشريط الحدودي، مُشيرًا إلى أن الإرهاب “بات يتغذَّى من جميع الأنشطة التي يمارسها المُهربون، ومن بينها ترويج العملة المزورة والجريمة المنظمة”(18).

ويمكن القول: إن التنظيم الذي لم يعثر على حاضنة اجتماعية، نتيجة السخط العام على عنفه ودمويته، اهتدى إلى حزام اجتماعي يتمثل في شبكات المُهربين عبر الحدود، الذي يضمن لعناصره سلاسة التنقل بين البلدين، وصولًا إلى معقله في جبل الشعانبي وامتدادًا إلى سلسلة “الظهر” الجبلية بين تونس والجزائر. وأسوة بالعراق وسوريا استفاد التنظيم أيضًا من شراكته مع شبكات التهريب في الجنوب لتحصيل المداخيل وللتغطية على تحركات عناصره في الاتجاهين، فمعظم الانتحاريين الذين نفَّذوا عمليات ضد أهداف سياحية في تونس أو اشتبكوا مع قوات الجيش والأمن تدربوا في معسكرات في ليبيا، أحدها في مدينة صبراتة القريبة من الحدود التونسية. لكن لا يُتوقع أن يتمكن التنظيم من إعلان إمارة في تونس بالرغم من تردد عبارة “إمارة الشعانبي” في بعض وسائل الإعلام التونسية.

وبسبب التداخل بين طرفي الحدود نلحظ أحيانًا تبادلًا للتهم بين مسؤولين تونسيين وليبيين في شأن من يُهدد أمن من. وذهب وزير ليبي إلى حدِّ القول في تصريحات صحفية: إن “تونس تُصدر لنا الإرهابيين، فغالبية الدواعش من جنسية تونسية، والكل يعلم أنها تُعاني منهم”، مؤكِّدًا أن عدد الليبيين في صفوف التنظيم لا يتجاوز مئة عنصر(19). وفي المقابل، يرى التونسيون أنه لولا وجود مراكز التجنيد والتدريب في ليبيا لما انتشر الجهاديون التونسيون بالآلاف في سوريا ولا نفذوا عمليات في بلدهم، فمنفذ الهجوم في سوسة سيف الدين القيزاني، المكنَّى بـ”أبو يحيى القيرواني”، تلقى تدريبات في معسكرات تابعة لتنظيم الدولة في ليبيا(20). لكن لعبة التقديرات التي لا تستند على إحصاءات دقيقة، دعك عن المُماحكات، لا تُغير من الواقع شيئًا، وإنما الذي يُغيِّره حقًّا هو المُضي في خطة شاملة لتجفيف ينابيع الإرهاب، أولًا: باستعادة مئات المساجد التي أنشأها المتشددون خارج أي قانون من أجل تكوين الانتحاريين، وثانيا: بتفعيل أجهزة مكافحة الإرهاب في المؤسستين العسكرية والأمنية، مع التقيد بمقتضيات حماية حقوق المتهمين والمشتبه بهم.

3- الجزائر: بيئة طاردة

يُعتبر حضور تنظيم الدولة في الجزائر والمغرب ضامرًا قياسًا على تونس وليبيا، فالمجتمع الجزائري الذي عانى طيلة تسعينات القرن الماضي من صراع أهلي بين الجماعات المسلحة والجيش الشعبي الوطني أودى بحياة 120 ألف مواطن، يبدو “مُلقَّحًا” ضد احتضان أية جماعة تدعو إلى العنف أو تستثمر الحراك الاجتماعي لتقوية شوكتها. ولذا نلحظ أن بيانات التنظيم تستهدف السلطات في الجزائر والمجتمع على السواء، فقد نشرت “ولاية” الرقة (سوريا) التابعة للتنظيم تسجيلًا مُوجَّهًا إلى الجزائر توعدت فيه السلطة والجيش والأئمة، لكنها سحبت الفيديو بعد ساعة من بثه. كما أن بقايا الجماعات المسلحة (المُوقِّعون بالدم، جُند الخلافة، حركة التوحيد والجهاد، القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كتيبة عقبة بن نافع…) انقسمت على نفسها بين مؤيد لـ”القاعدة” ومُوال لتنظيم الدولة. بل امتد الانقسام إلى داخل التنظيم الواحد فغالبية العناصر الجزائرية في “كتيبة عقبة بن نافع” على سبيل المثال رفضت الانضمام لـتنظيم الدولة، واستمرت على ولائها لـ”القاعدة”، على عكس العناصر التونسية في التنظيم. بهذا المعنى تبدو الجزائر غير مرشحة لتكون ساحة توسع لتنظيم الدولة بسبب “المعاناة الكبيرة للجزائريين من فتنة التسعينات وانكسار شوكة المجموعات الإرهابية بفعل قوة المنظومة الأمنية والعسكرية الجزائرية”(21). لذلك اقتصرت مبايعة التنظيم على “مجموعات صغيرة متفرقة في منطقتي البويرة وسكيكدة شرقي الجزائر”(22). ويمكن القول: إن الجماعة الوحيدة التي انضمت رسميًّا لـتنظيم الدولة هي تنظيم “جند الخلافة”، الذي أعلن في بيانه التأسيسي الخروج عن طاعة زعيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، عبد المالك دروكدال، واتهامه بالتقاعس عمَّا يعتبرونه “جهادًا”، واتهامه أيضًا بالخروج عن الخط والانحراف، وصولًا إلى مبايعة تنظيم الدولة وزعيمه أبي بكر البغدادي. واستمرارًا لهذه الحرب الكلامية ردَّ دروكدال بدوره على غُرمائه بواسطة تسجيل صوتي اتهم فيه تنظيم الدولة بالانحراف والإقدام على سلوكيات أساءت بحسبه لما يعتبره “جهادًا”، وشقت صفوف المجموعات التي وصفها بالجهادية(23).

وبالرغم من ضعف انتشار تنظيم الدولة في الجزائر فإن قوات الجيش تقوم بشكل دوري بتدريبات ومناورات كبيرة لاسيما للقوات الجوية والقوات الخاصة، بالإضافة لتمرينات مشتركة مع جيوش دول منطقة الساحل؛ مما جعل الجيش الجزائري الأقوى تسليحًا والأكثر تأهيلًا لمجابهة الجماعات الجهادية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. واضطرت الأوضاع الأمنية المتدهورة السلطات الجزائرية إلى الدفع بعشرات الآلاف من الجنود إلى حدودها الشرقية مع تونس والجنوبية مع ليبيا ومالي والنيجر، لمحاربة تهريب السلاح وتسلل الجهاديين. مع ذلك، لا يمكن اعتبار الجزائر بمنأى عن الضربات الإرهابية؛ ففي منتصف أغسطس/آب الماضي أحبطت قوات الجيش محاولة لاستهداف مطاري “حاسي مسعود” و”جانت” في عملية حاول تنفيذها مسلحون اخترقوا الحدود من جهة ليبيا، من أجل تكرار سيناريو الاعتداء على القاعدة الغازية في عين أم الناس عام 2013(24).

4- المغرب: محاولات لتأسيس خلايا

يبدو المغرب البلد الأقل تأثرًا بتداعيات انتشار تنظيم الدولة في شمال إفريقيا لكن إلى حدٍّ، فاكتشاف خلايا أو خيوط للتنظيم بين وقت وآخر يدل على أنه ليس في منأى عن هذا الخطر تمامًا، وأن المحاولات الرامية لكسب حاضنة اجتماعية في الأوساط الشعبية لن تتوقف بالرغم من الضربات الأمنية. وبحسب البيانات الرسمية تقتصر جهود العناصر التي ضبطتها السلطات الأمنية بتهمة الانتماء للتنظيم على الترويج لأفكار التنظيم وتجنيد الشباب المغربي للالتحاق بصفوفه في العراق وسوريا(25). وأظهر الكشف أخيرًا عن خلية مؤلَّفة من 13 مغربيًّا بالإضافة لعُنصر آخر مقيم في مدريد أن شغلهم الأساسي يتمثل في ترويج فكر تنظيم الدولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي(26). وبلغ العدد الإجمالي للشبكات التي تم ضبطها في المغرب 27 شبكة إرهابية من بينها 14 شبكة في 2014(27)، وثماني شبكات في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري. كما ألقت الشرطة المغربية القبض يوم 25 يناير/كانون الثاني الماضي على عنصر جزائري من جماعة “جُند الخلافة” يُدعى حسين دحوس بالقرب من مدينة وجدة المغربية (شمال شرق)، في ثاني مهمة له لاستقطاب شباب من أجل تدريبهم في معسكرات الجماعة في الجزائر تمهيدًا لعودتهم لتنفيذ عمليات في بلدهم. وضُبطت مع دحوس بحسب مصادر أمنية “أسلحة ومواد كيميائية خطرة”، وأكدت تلك المصادر أن هدف “جُند الخلافة” يتمثل في خوض “صراع عابر للحدود من أجل إقامة إمارة مغاربية على غرار الموصل والرقة”(28).

بهذا المعنى يتعرض المغرب لخطر إرهابي متزايد حمل السلطات على إطلاق نظام وقائي متقدم في جميع الأقاليم. وبحسب وزير الداخلية محمد حصاد مثُل 323 عنصرًا أمام القضاء المغربي في 147 قضية إرهابية خلال سنة 2014، أي أكثر من ضعف الذين تمت مُقاضاتهم بتهمة الضلوع في الإرهاب في العام السابق. وفي مطلع السنة الجارية مكَّنت حملة أمنية مشتركة بين أجهزة الأمن المغربية والإسبانية من الكشف عن شبكة مُتخصصة في تسفير الجهاديات (حصرًا) من مدن شمال المغرب ومدينتي سبتة ومليلية المُحتلتين إلى سوريا. وأظهرت التحقيقات أن الشبكة المؤلَّفة من اثني عشر فردًا، قامت بتسفير عشرين فتاة. وإجمالًا، غادر المغرب إلى سوريا والعراق أكثر من 1350 “مُتطوعًا للجهاد” بينهم 220 سجينًا سابقًا، وتبوَّأ بعضهم مواقع قيادية في تنظيم “داعش”، فيما قُتل 300 في المعارك والغارات الجوية، وعاد 156 إلى المغرب(29).

واللافت أن القطيعة بين المغرب والجزائر، التي تُلقي بظلالها السلبية على التعاون الثنائي في جميع المجالات، تشمل أيضًا مكافحة الإرهاب التي كانت تفرض، نظريًّا، حدًّا أدنى من التنسيق سواء على صعيد تبادل المعلومات أو التخطيط لحملات مُنسقة من أجل مجابهة الخطر المشترك. وعندما سُئل وزير الداخلية المغربي، محمد حصاد: “هل ما زلتم تُنسقون مع الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب؟” رد بالقول: “لا للأسف، فنحن في المستوى الصفر على صعيد التنسيق مع الجزائر، وقد رتبنا أمورنا بحيث لا نكون بحاجة له”(30). أكثر من ذلك باشر المغرب إقامة حاجز على حدوده مع الجزائر من الشمال نزولًا إلى الجنوب لعرقلة تسلل العناصر الإرهابية إلى أراضيه، في وقت باشر فيه الجزائريون أيضًا حفر خندق محاذ للحدود مع المغرب للغاية نفسها. يأتي هذا التباعد في وقت يتصاعد فيه الخطر الإرهابي مُهددًّا أمن الجميع.

وبسبب تعطل التواصل بين المغرب والجزائر بفعل الخلافات العميقة بينهما، نلاحظ أن الأجهزة الأمنية المغربية تُركِّز على التعاون مع إسبانيا سواء لتبادل المعلومات أم لتنفيذ عمليات اعتقال متزامنة ومُنسقة(31) ولا تفعل ذلك مع الجزائر. وأعطى التنسيق الأمني مع مدريد ثماره في أكثر من مناسبة، وتحديدًا على صعيد ملاحقة العناصر المُشتبه بانتمائها لتنظيم الدولة؛ ففي العملية المعروفة بـ”فيريويل” تمكنت الأجهزة الأمنية المغربية والإسبانية من تفكيك خلية مؤلَّفة من تسعة أفراد في مدينتي الناظور ومليلية في 26 سبتمبر/أيلول 2014. ونفَّذ الجهازان عملية مشتركة في الشهر السابق أسفرت عن اعتقال تسعة أشخاص آخرين في كل من تطوان وفاس في شمال المغرب وكاستيخو في إسبانيا، قيل: إنهم شكَّلوا خلية لتسفير الجهاديين إلى مناطق التنظيم في سوريا(32)، هذا بالإضافة للعملية المشتركة المشار إليها آنفًا.

وإجمالًا، يمكن القول: إن حضور تنظيم الدولة في المغرب اقتصر حتى الساعة على حلقات التجنيد ولم ينتقل إلى مرحلة تنفيذ العمليات الإرهابية مثلما فعلت “القاعدة” في الماضي. وقد يكون الأسلوب الأمني الاستباقي عنصرًا مساعدًا على إبعاد شبح الهجمات العنيفة التي سبق أن عانى منها المغرب في 2003 و2011.

أمَّا في موريتانيا، فما زال وجود “داعش” محدودًا ببعض الأفراد ولم يتطور إلى ظاهرة سياسية أو اجتماعية، علمًا بأن نحو ثلاثين مدانًا مسجونون فى موريتانيا بتهم الارتباط بتنظيم “القاعدة”، بينهم عشرة حُكم عليهم بالإعدام(33). وجرت أول محاكمة لعناصر منتمية (أو مُشتبه في انتمائها) إلى “داعش” في يونيو/حزيران الماضي، واقتصرت على ثلاثة متهمين وجهت لهم النيابة تُهم “الانتساب إلى تجمع قائم بهدف ارتكاب جرائم إرهابية، والتحريض على العنف الديني، واستخدام رموز ترجع إلى منظمة إرهابية من أجل تمجيدها، وتوفير مكان لاجتماع أشخاص لهم علاقة بمنظمة إرهابية”. ولوحظ أنهم نفوا التهم جملة وتفصيلًا، غير أن النيابة العامة عرضت شريطًا تضمن صورهم “لدى إعلانهم بيعة الولاء لزعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي”(34). وليس مستبعدًا أن يشهد هذا التيار توسعًا في المستقبل إذ أشار باحث مُتخصص في شؤون الجماعات الجهادية إلى وجود خطابين إسلاميين مُتمايزين في موريتانيا، لكنهما باتا مُلتقيين حول الدعوة إلى الجهاد، أولهما: تحمله “جماعة الدعوة والتبليغ” القريبة من الصوفية، وهو خطاب روحاني هدفه التزود من العلم والتعبد والقرب من الله عز وجل، لكن الجماعة أصحبت مؤخرًا لا تغفل الحديث عن الجهاد وتفتح الباب واسعًا على مصراعيه للحديث عنه بشكل علني، وهو ما تجلَّى في كون أغلب المنتمين في موريتانيا لتنظيم “القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي” كانوا ضمن المنتسبين للجماعة سابقًا. أمَّا الخطاب الإسلامي الثاني فهو “خطاب سلفي واضح لا تخطئه العين في المساجد، وهو خطاب متشدد وينزع أصحابه كثيرًا إلى الجهاد، بل ويركزون عليه من خلال تدريسه للشباب وتوجيههم له”. وتوقع الباحث أن عجز الدولة الموريتانية عن احتواء التيار السلفي من خلال واجهات علنية أو حزب سياسي سيؤدي إلى عزوف الشباب عن العمل العلني، وبالتالي فإن تنظيم “داعش” سيكون له ممثلون كثر في موريتانيا عبر هذه البوابات(35).

ويُلاحَظ في هذا السياق أن إعلان القيادي الموريتاني في “حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” سابقًا حماده ولد محمد الخيري عن مبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” شكَّل عاملًا مُهمًّا لتحفيز العشرات من الشباب الموريتاني المنتمي للحركات الجهادية على مبايعة “داعش” والعمل معه.

الخاتمة

قصارى القول: إن منطقة المغرب العربي التي تُعتبر أهم مجال لتمدد تنظيم الدولة خارج العراق وسوريا، يمكن أن تمنح التنظيم فرصة إقامة أول إمارة له في القارة الإفريقية، إذا ما استمر تعفن الأوضاع في ليبيا أو تدهورت الأجواء الأمنية في أحد البلدان المغاربية الأخرى. غير أن عوامل كثيرة تحدُّ من إشعاعه وتُعطل تمدُّده مغاربيًّا، وبخاصة إذا ما اتجهت الأزمة الليبية نحو الحل السياسي. وأهمُّ حاجز يمكن أن يُؤخر توسّعه هو التعاون الأمني بين بلدان المنطقة، وهو أمر غائب حاليًا، وإن وُجد فهو يقتصر على البُعد الثنائي، وهذا غير كاف. وإلى جانب التحدي الأمني يطرح تمدُّد التنظيم تحديات أخرى على المجتمعات المغاربية ذات طابع تنموي وثقافي وسياسي وديني. فإذا ما أدركنا أن أهم حاضنة تُفرِّخ الإرهابيين وتُغوي الشباب بالانتماء إلى التنظيمات المُتشددة هي البطالة والتهميش والازدراء، نُدرك أن الحلول الجذرية لا يمكن أن تكون سوى بتنمية المناطق الداخلية والقرى الطرفية، بما يؤدي إلى إقامة مشاريع تضمن العيش الكريم لسكانها، بعدما تجاهلتها الدولة الوطنية منذ حقبة الاستقلالات.

كما تطرحُ المرجعية الفكرية لتنظيم الدولة تحديًا دينيًّا وثقافيًّا على المجتمعات المغاربية، التي شكَّلت منذ تكوُّنها إبَّان الفتح الإسلامي، منطقة متجانسة تدين بالإسلام السني المالكي، ذي الطابع الوسطي، وهي لم تعرف فتنًا مذهبية منذ قرون. لا، بل إن الاستعمار الغربي، بما كان تحديًا للهوية الثقافية والدينية لهذه البلدان، زاد في الواقع من تقوية لحمة المجتمع الدينية. وهذه عناصر نوعية تُساعد النخب الدينية والثقافية المغاربية اليوم على التصدي الفكري للحركات العنيفة الوافدة، أسوة بما فعله السلف من أعلام الإصلاح (محمد الطاهر بن عاشور، عبد الحميد بن باديس، علال الفاسي…).
_______________________________

الهوامش
(1) علي، أسامة: صحيفة “العربي الجديد”، بتاريخ 27 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/politics/2015/8/27/%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%B5%D9%8A%D8%AA-%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9
(2) ملخص للتقرير المطول منشور في “بوابة الوسط” الليبية، الاثنين 10 أغسطس/آب 2015, الرابط:
http://www.alwasat.ly/ar/news/libya/85199/
(3) حوار مع الباحث بمركز الدراسات الدولية الإيطالي غابرييلي ياكوفيني أجرته معه الصحفية الإيطالية إيلفيرا راغوستا، بتاريخ 27 أغسطس/آب 2015، على الموقع الإيطالي راديو فاتيكانا، الرابط: إضغط هنا.
(4) الدولة الإسلامية تقاتل جماعة منافسة وقوات من شرق ليبيا، وكالة رويترز للأنباء، بتاريخ 15 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.swissinfo.ch/ara/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7/41604868
(5) المرجع نفسه.
(6) مجلة “لاكسبرس” الفرنسية: “داعش” تُعلن عن مكافأة لمن يقبض على مختار بلمختار، بتاريخ 23 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.lexpress.fr/actualite/monde/afrique/libye-daech-met-a-prix-la-tete-du-djihadiste-mokhtar-belmokhtar_1708893.html
(7) بوزونات، شارلوت: حوار مع محمد الدايري. صحيفة “لوموند”، بتاريخ 27 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.lemonde.fr/afrique/article/2015/08/27/en-libye-nous-affrontons-daech-avec-des-moyens-militaires-obsoletes_4738662_3212.html?utm_medium=Social&utm_source=Twitter&utm_campaign=Echobox&utm_term=Autofeed
(8) المرجع نفسه.
(9) بيروني، بياترو: حوار مع برناردينو ليون منشور في صحيفة “إل ماتينو” (الصباح) الإيطالية، بتاريخ 28 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.ilmattino.it/PRIMOPIANO/CRONACA/onu_libia_leon/notizie/1536636.shtml
(10) فرنسوا أولاند، الخطاب السنوي أمام سفراء فرنسا، الرابط:
http://www.elysee.fr/chronologie/#e10095,2015-08-25,discours-du-president-a-l-occasion-de-la-semaine-des-ambassadeurs-3
(11) المرجع نفسه.
(12) خشانة، رشيد: “كيف باتت تونس الوسطية المُعتدلة مصنعًا للانتحاريين؟”، صحيفة “الحياة”، 30 يونيو/حزيران 2015، الرابط:
http://alhayat.com/Articles/9694352/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D8%AA-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8F%D8%B9%D8%AA%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D9%86%D8%B9%D8%A7%D9%8B-%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D9%8A%D9%86%D8%9F
(13) المرجع نفسه.
(14) تينرر، هاري: تونس بين تنظيم “داعش” والقاعدة، صحيفة “الوطن القطرية” (ترجمة)، بتاريخ 19 مايو/أيار 2015، الرابط:
http://www.alarabiya.net/ar/north-africa/morocco/2015/06/22/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D9%83-14-%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-2014.html
(15) المرجع نفسه.
(16) قال رئيس الحكومة الصيد في مقابلة مع التليفزيون الحكومي: “بدأنا في بناء جدار رملي وحفر خندق على الحدود مع ليبيا، الجدار سيكون على طول 168 كيلومترًا وسيكون جاهزًا في نهاية 2015″، وأضاف الصيد: “إن إقامة جدار على الحدود مع ليبيا يهدف لوقف تسلل الجهاديين منها”، مضيفًا قوله: “ليبيا أصبحت معضلة كبرى”، صحيفة الشرق القطرية، بتاريخ 7 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.al-sharq.com/news/details/352766#.VeYUB5dp_Dc
(17) الشروق الجزائرية، بتاريخ 31 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/253688.html
(18) خشانة: مصدر مذكور.
(19) “تونس تصدِّر لنا الدواعش” حوار مع مصطفى أبي تيتة، وزير الإعلام في حكومة طبرق، نشرته صحيفة “الشروق” الجزائرية، بتاريخ 26 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/253238.html
(20) الورفلي، مجدي: “داعش” ينهي «احتكار القاعدة» للجهاد في تونس، صحيفة “الأخبار” اللبنانية، بتاريخ 16 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.al-akhbar.com/node/238010
(21) يقين، حسام الدين: “القاعدة” و”داعش” في الجزائر… الصراع الخاسر، يقين حسام الدين، صحيفة “العربي الجديد”، بتاريخ 23 يوليو/تموز2015، الرابط:http://www.alaraby.co.uk/politics/2015/7/23/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D9%88-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B3%D8%B1#sthash.smEpFTYk.dpuf
(22) يقين، حسام الدين: المرجع نفسه.
(23) يقين، حسام الدين : مرجع مذكور.
(24) إحباط محاولة استهداف مطارين في الجزائر، صحيفة البيان الإماراتية، بتاريخ 14 أغسطس/آب 2015، الرابط: http://www.albayan.ae/one-world/arabs/2015-08-14-1.2436793
(25) “توقيف 13 مغربيًّا منتمين لـ”داعش”، البيان الإماراتية، بتاريخ 26 أغسطس/آب 2015، الرابط:
http://www.albayan.ae/one-world/arabs/2015-08-26-1.2445083
(26) الراية القطرية، بتاريخ 26 أغسطس/آب 2015، الرابط: http://www.raya.com/news/pages/fbe6d7ad-6050-447a-a657-513453b6bb7c
(27) المرجع نفسه.
(28) Maroc : les nouvelles filières de Daesh, Jeune Afrique du 20 février 2015
http://www.jeuneafrique.com/225442/politique/maroc-les-nouvelles-fili-res-de-daesh/
(29)   300 Moroccans killed alongside Takfiris in crisis-hit states: Minister, Presstv.ir, 2015/07/28
http://www.presstv.ir/Detail/2015/07/28/422206/Moroccan-militants-Iraq-Syria-militants-Terrorists-interior-minister-Hassad
(30) Soudan, François : Interview avec Mohamed Hassad : « Comment le Maroc va vaincre le terrorisme », Jeune Afrique du 01/07/2015
http://www.jeuneafrique.com/mag/238202/politique/mohamed-hassad-comment-le-maroc-va-vaincre-le-terrorisme/
(31) المرجع نفسه.
(32) معروف، محمود “الرباط ومدريد تفكِّكان شبكة من 14 عنصرًا تجنِّد مقاتلين لتنظيم “الدولة الإسلامية”، صحيفة القدس العربي، بتاريخ 25 أغسطس/آب 2015، الرابط:  http://www.alquds.co.uk/?p=393252
(33) السجن في موريتانيا لثلاثة متهمين بالانتماء لتنظيم داعش، صحيفة “اليوم السابع”، بتاريخ 17 يونيو/حزيران 2015، الرابط:
http://www.youm7.com/story/2015/6/17/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AC%D9%86-%D9%81%D9%89-%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D9%85%D8%AA%D9%87%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4/2230022#.Ve6sERGqpBc
(34) موريتانيا تحاكم “خلية داعش” وتعرض فيلم البيعة، وكالة “صحراء ميديا” الموريتانية، بتاريخ 16 يونيو/حزيران 2015، الرابط:
http://www.saharamedias.net/%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85-%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A9_a26530.html
(35) ولد سيدي، أحمد: صراع القاعدة وداعش في موريتانيا.. لمن البيعة؟، العربي الجديد بتاريخ 16 يونيو/حزيران 2015، الرابط:
http://www.alaraby.co.uk/investigations/2015/7/16/%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A9

     رشيد خشانة 

مركز الجزيرة للدراسات