بعد شهر على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اعتراف بلاده بسيادة المغرب على صحرائه، توجه وفد رفيع المستوى إلى مدينة العيون في الصحراء المغربية حيث أطلق هذا الوفد مسارا سيتوج بافتتاح القنصلية الأميركية في مدينة الداخلة. وهذا الإجراء يعزز موقف الرباط إزاء ملف الصحراء ويزيد في تمتين العلاقات الأميركية – المغربية.
الرباط – أطلق وفد أميركي رفيع ضم السفير الأميركي بالمغرب، ديفيد فيتشر، و مساعد كاتب الدولة الأميركي المكلف بقضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ديفيد شينكر، الأحد مسارا يرمي إلى افتتاح القنصلية الأميركية في مدينة الداخلة المغربية وذلك على هامش “زيارة تاريخية” يؤديها الوفد إلى الصحراء ومدينة العيون.
وقال فيتشر إن “زيارة الوفد الأميركي للأقاليم الجنوبية المغربية هو تأكيد على دعم حكومتنا الثابت لعملية افتتاح القنصلية”، مشيرا إلى أن “حكومة الولايات المتحدة اتخذت بالفعل خطوة إنشاء مركز دبلوماسي هنا، من خلال فتح قنصلية افتراضية مع وجود رقمي كمرحلة أولى”.
وأوضح أنه منذ الاثنين الماضي، تواجد العديد من ممثلي حكومة الولايات المتحدة على أرض المغرب، لمراجعة خيارات الوجود الدبلوماسي الأميركي الدائم، مشددا على أن “مغربية الصحراء أمر لا مفر منه”، وأن “الرباط تملك الحل الوحيد والعادل والدائم لإنهاء هذا النزاع”.
وفي كلمة له بمناسبة زيارة مقر القنصلية الأميركية بالداخلة، أكد شينكر أن “العلاقة بين الولايات المتحدة والمغرب دائمة القوة ومستمرة في الازدهار وأن أفضل سنواتنا معا لا زالت قادمة”، مشيرا إلى أن “المغرب أصبح ملتقى طرق للشعوب والأفكار”.
ومن جهته، نوّه وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي، ناصر بوريطة، بزيارة الوفد للمبنى الذي سيحتضن القنصلية الأميركية واصفا إياها بـ”المهمة غير المسبوقة”، مشيدا باعتماد الإدارة الأميركية لخارطة كاملة للمغرب تظهر سيادته على كل إقليم الصحراء.
خالد شيات: الخطوة الأميركية تدعم تحرر المغرب من قيود ملف الصحراء
ولفت بوريطة إلى أن ”العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة تتقدم بإيقاع غير مسبوق، وتطورت بشكل جلي في السنوات الأخيرة، خصوصا من خلال التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات”.
وناقش المسؤولان الأميركي والمغربي أهداف السياسة الخارجية المشتركة ومراجعة التطورات الأخيرة، حيث أشار شينكر إلى أن قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالسيادة الكاملة للمملكة المغربية على الصحراء يفتح فرصا لمزيد من التعاون الوثيق بين البلدين متطرقا إلى آفاق الشراكة مع المنظمات العاملة في مجال التربية والتكوين في هذا الجزء من المملكة.
ويرى مراقبون أن عملية فتح قنصلية الولايات المتحدة في الداخلة ستعزز المقاربة المغربية إزاء الصحراء، علاوة على دعمها للعلاقات الثنائية بين الرباط وواشنطن.
وأكد خالد شيات أستاذ العلاقات الدولية، أن “هناك قراءتين متوازيتين لهذه الزيارة؛ الأولى ذات طبيعة سياسية مفادها أن الولايات المتحدة أقرت مغربية الصحراء وهو ما تم التصريح به في قلب الجزائر العاصمة، ما يعني أن هذا المنطق سيكون هو نفسه موقفها بالأمم المتحدة باعتبارها محددا كبيرا لمسار الحل النهائي للنزاع حول الصحراء المغربية”.
وأضاف شيات في تصريح لـ”العرب” أن “القراءة الثانية تتلخص في رؤية استراتيجية وتنافسية اقتصادية في مستوى قاري، وهو منظور تكرسه طبيعة التحولات التي تعرفها مجالات الطاقة الجديدة والتأثير والنفوذ الاقتصادي التنافسي بين القوى العظمى ومنها الولايات المتحدة في مقابل الحضور الصيني والروسي في المنطقة، وهو أمر يناسب التصور الانفتاحي المغربي على أفريقيا بوجود راع ذي توجهات اقتصادية يقدم دعما سياسيا إضافيا”.
وستحتضن القنصلية المكتب المحلي لمنظمة “ازدهار أفريقيا”، وهي مبادرة أميركية أطلقت في 2018 وتضم 17 وكالة أميركية، ويعد هذا المكتب هو الأول خارج الولايات المتحدة، حيث تحظى القنصلية بطابع اقتصادي يتعلق بالمنطقة الأفريقية.
وتعتبر قنصلية واشنطن بالداخلة نقطة التقاء مصالح الرباط وواشنطن تجاه العمق الأفريقي.
وأكد مساعد كاتب الدولة الأميركي المكلف بقضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن المغرب شريك محوري للاستقرار الإقليمي. حيث يحظى المغرب والولايات المتحدة بشراكة عسكرية واسعة.
وكشف بوريطة أن لجنة استشارية ستجتمع الأسبوع المقبل من أجل تنزيل الاتفاق العسكري بين المغرب والولايات المتحدة لعشر سنوات، مشيرا إلى أن هذا الاتفاق بمثابة خارطة طريق في مجال التعاون الدفاعي والعسكري. مبرزا أن العلاقات بين البلدين تعرف تطورا غير مسبوق.
ويرى شيات أن “فتح قنصلية بمدينة الداخلة يدعم استراتيجية المغرب في ما يتعلق بحضوره داخل العمق الأفريقي على المستويات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية والتحرر من قيود ملف الصحراء”.
ويرى مراقبون أن وجود قنصلية أميركية في الجنوب المغربي كترجمة للمرسوم الرئاسي الأميركي بشأن مغربية الصحراء ستكون له أثار دبلوماسية واقتصادية تحددها طبيعة العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة، علاوة على تعزيز موقف الرباط من ملف الصحراء المغربية.
ومنذ عقود تجري الأمم المتحدة مفاوضات سياسية حول مصير الصحراء من دون تحقيق أي تقدم يذكر.
ويسيطر المغرب على 80 في المئة من هذه الأراضي الصحراوية التي تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع، ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.
وتدعو جبهة البوليساريو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير على النحو المنصوص عليه في اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة العام 1991 تحت رعاية الأمم المتحدة بعد حرب استمرت 16 عاما.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أقر في ديسمبر الماضي بمغربية الصحراء، في خطوة تاريخية من شأنها أن تهيّأ الأجواء لعقد اتفاق بشأن المنطقة المتنازع عليها والذي تعطل لعقود.
العرب