عاشت العلاقات المصرية -الأمريكية، بعد سقوط نظام حسني مبارك، حالة من الارتباك والتشويش، بسبب المرحلة الانتقالية التي مرت بها مصر، وصعود الإخوان، ومن ثم انتهاء فترة حكمهم. واستبشر المصريون خيراً بمجيء الحكم الوطني الحالي الذي يحظى بإجماع وتأييد أغلبية الشعب المصري، وسط حفاوة من المجتمع الدولي.
لم تسارع الولايات المتحدة بالانخراط سريعاً في تحديد رؤية واضحة المعالم في التعامل مع النظام المصري الجديد، ولذلك توقف الحوار الاستراتيجي الذي كان قائماً بين الدولتين، ودارت شكوك حول مستقبل العلاقات بينهما، بعدما اتخذت الولايات المتحدة، عقب القضاء على حكم الإخوان في 30 يونيو عام 2013، قراراً بشكل غير معلن، يقضي بتجميد المعونات العسكرية لمصر، بحجة ما يسمى إراقة الدماء.
وكان الهدف الأمريكي من هذا الموقف المعادي هو تحقيق المزيد من الابتزاز السياسي؛ من أجل إحداث تغيير جوهري في بنية النظام، بما يؤدي إلى خلخلة بنية الحركات الاجتماعية والسياسية، وإعادة بناء تلك القواعد وفق إيديولوجية سياسية تمثل مرحلة انتقالية جديدة ذات فلسفة ونظاماً سياسياً موالياً للولايات المتحدة. عند ذلك أدركت الدولة المصرية هذا الموقف المعادي؛ فسعت للبحث عن بديل استراتيجي عالمي فكانت روسيا حاضرة، حيث قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة لها في شهر أغسطس/آب عام 2014، وحملت تلك الزيارة العديد من الرسائل السياسية والاقتصادية القوية والتي كان أهمها، أن مصر سيكون لها دور محوري في تشكيل الخريطة الاقتصادية العالمية خلال السنوات القادمة، خاصة بعد اتفاق الرئيسين المصري والروسي على إنشاء منطقة صناعية روسية، كجزء من المشروع الجديد لقناة السويس، وإقامة علاقات بين مصر والاتحاد الجمركي لدول روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، وإقامة منطقة تجارة حرة معها وزيادة الصادرات الزراعية بنسبة 30%، بالإضافة إلى زيادة تدفق الاستثمارات والسياح الروس لمصر.
لم تكن الولايات المتحدة غائبة عن التحرك المصري نحو الشرق، بل كانت تترقب النتائج التي قد تتمخض عن ذلك التحرك، وأدركت أن الابتعاد عن مصر لن يكون في صالحها طالما أن البديل الاستراتيجي، والمتمثل بروسيا، حاضر بقوة في خريطة التوازنات الدولية، ما دفع بها، مبتلعة كبرياءها، للعودة إلى الواقع، وإعادة تفعيل علاقاتها مع مصر، فعاد الحوار الاستراتيجي بين الدولتين إلى الواجهة، حيث انعقدت جلسة هذا الحوار في 2 أغسطس/آب 2015 على مستوى وزراء الخارجية، وبمشاركة ممثلين لوزارات مثل التعاون الدولي والاستثمار والصناعة والتجارة. وكان عنوان الحوار الرئيسي هو: إيجاد مصالح مشتركة، ودرء التهديدات القائمة والمحتملة، وتنحية القضايا الخلافية، في ظل بيئة إقليمية تفرز تهديدات، وتدفع إلى تحديد سمات خاصة بالمصالح الوطنية، والتي لم يعد من الممكن التعامل معها بمنطق الثنائيات الحدية القائمة على أساس إما أصدقاء أو أعداء.
وكانت العلاقات المصرية- الأمريكية قد شهدت تطوراً كبيراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين من خلال التعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ حيث عملت دبلوماسية الدولتين على إيجاد إطار مؤسسي يتسم بصفة الاستمرارية، وهو ما يُطلق عليه «الحوار الاستراتيجي»، لتحقيق التفاهم بين البلدين، بمعزل عن التفاصيل اليومية لإدارة العلاقات المصرية الأمريكية. وقد جرت أول محاولة في هذا المجال في عامي 1988 و1989 بعقد جلستين في القاهرة وواشنطن للتحاور حول القضايا السياسية الدولية والإقليمية على مستوى الخبراء من الجانبين. ومع بداية الألفية الثالثة اكتسب الحوار الاستراتيجي بين الدولتين أبعاداً على درجة كبيرة من الأهمية، لخطورة تطور الأوضاع في المنطقة، وضرورة وضع قاعدة للمصالح المشتركة من خلال لقاءات وتشاورات مستمرة، عقدها وزيرا خارجية البلدين، وعدم الاكتفاء بلقاء واحد كل عام، وقد حرصت الدولتان معاً على تحديد ثلاثة أهداف كبرى لتعاونهما وهي: السلام والاستقرار الإقليمي، والتصدي للإرهاب، والإصلاح الاقتصادي.
إن إعادة إطلاق الحوار الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة بعد توقفه في الفترة الماضية، هو تأكيد على أن السياسة الأمريكية قد عرفت طريقها نحو الاستقرار والوضوح تجاه مصر، ولم تعد هناك رؤية رمادية للمشهد المصري، بل أصبح الموقف الرسمي الأمريكي، هو دعم الدولة المصرية ضد الإرهاب، وبما يحقق الأمن والاستقرار في مصر وفي عموم الشرق الأوسط.
محمد خليفة
صحيفة الخليج