حذرت صحيفة “فايننشال تايمز” من مخاطر المجاعة في اليمن بعد تحرك الولايات المتحدة ضد الحركة الحوثية هناك. وأشارت في افتتاحيتها إلى أن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية كان جزءا من قرارات خطيرة اتخذتها الإدارة في أيامها الأخيرة.
وقالت “حتى في يومها الأخير بالرئاسة قصدت إدارة ترامب إطلاق العنان لصاعقة في الشرق الأوسط مما سيعرض حياة الملايين للخطر. وأعلن وزير الخارجية مايك بومبيو الأسبوع الماضي أن واشنطن ستصنف جماعة الحوثيين المتمردة في اليمن كجماعة إرهابية أجنبية وقبل يوم من حفل تنصيب جوزيف بايدن. وحذرت الأمم المتحدة وبقية الخبراء من التحرك الذي يهدد بمخاطر بحرف البلاد نحو مجاعة لم نشهد مثلها منذ الكارثة في إثيوبيا في الثمانينات من القرن الماضي”.
وزعم بومبيو أن التصنيف سيقدم “أدوات” لمحاربة النشاط الإرهابي و”يعزز الجهود” لتحقيق السلام وتوحيد اليمن. وتعلق الصحيفة أن قراره كان “عملا غير مسؤول سيعقد من جهود الأمم المتحدة التوصل إلى قرار يوقف الحرب في اليمن وسيزيد من معاناة الملايين في بلد دمرته حرب مضى عليها ستة أعوام تقريبا”.
الطريقة الوحيدة لإلغاء التهديد الحوثي والتخفيف من معاناة اليمنيين هي دفعة دبلوماسية أمريكية قوية تقنع المشاركين في الحرب لوقفها
وتقول إن توقيت التصنيف لم يكن مصادفة، وكان على ما يبدو جزءا من جهد لإفساد قدرة بايدن على تخفيف أزمات الشرق الأوسط وترتيب السياسة الأمريكية. وأضافت أن بومبيو الذي يخطط لمستقبله السياسي كان يحاول إظهار ضعف بايدن في مواجهة إيران التي تدعم الحوثيين. ولم يكن القرار الحوثي هو القنبلة الوحيدة التي قذفتها إدارة ترامب في المرحلة المضطربة من عملية نقل السلطة. فبعد خسارته الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر قلب دونالد ترامب سنوات من السياسة الأمريكية من خلال اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وكان الاعتراف وبشكل صارخ صفقة تعاقدية وافقت فيها الرباط على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقابل اعتراف واشنطن بسيادتها على الصحراء.
وأعلن بومبيو هذا الشهر عن تصنيف كوبا كدولة راعية للإرهاب ورفع القيود المفروضة على لقاءات الدبلوماسيين الأمريكيين مع المسؤولين في تايوان، مما سيغضب بيجين. لكن قرار إدارة ترامب في اليمن سيترك آثاره المباشرة وتداعياته المدمرة. ويشهد البلد حربا منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وإجبارهم الحكومة على الخروج إلى المنفى في 2015. وبعد ذلك شكلت السعودية تحالفا عربيا لمواجهة المتمردين. وكانت النتيجة نزاعا كارثيا ربما ارتكبت فيه كل أطراف النزاع جرائم حرب، حسبما توصل فريق الخبراء في الأمم المتحدة. ويعتمد الحوثيون على الأطفال في صفوفهم ويعرقلون عمل وكالات الإغاثة لتوزيع المساعدات على المحتاجين ويطلقون الصواريخ على السعودية التي تقول أمريكا إنها تأتي من إيران. ولكن التصنيف قد يكون له أثر بدفعهم أكثر نحو التعاون مع إيران وربما أدى لتشدد الموقف الحوثي والحكومة التي تدعمها السعودية. وحذرت الصحيفة أن التداعيات الإنسانية ستكون رهيبة. وقالت الأمم المتحدة إن التحرك الأمريكي سيخنق الجهود الإنسانية وتدفق المواد الغذائية للبلاد، مما سيعقد عمل المنظمات التي تعمل على إنقاذ الأرواح. ويخشى التجار الذي يستوردون كل الطعام في اليمن من عدم قبول البنوك وشركات الشحن والتأمين من التعامل معهم خوفا من فرض عقوبات أمريكية عليهم.
ويسيطر الحوثيون على معظم مناطق الشمال الآهلة بالسكان وميناء الحديدة الرئيسي. وهناك تقارير عن حالة ذعر دفعت بعمليات شراء متسرعة خشية ارتفاع الأسعار بحيث تصبح خارج قدرة الناس على شرائها. وتقول الأمم المتحدة إن 16 مليون يمني في حالة جوع وإن هناك 50.000 منهم في حالة جوع على حافة الموت. وعلى بايدن إلغاء التنصيف وجعله أولوية ووقف حماقات سلفه. والطريقة الوحيدة لإلغاء التهديد الحوثي والتخفيف من معاناة اليمنيين هي دفعة دبلوماسية أمريكية قوية تقنع المشاركين في الحرب بوقفها والتوصل لتسوية سياسية. ففرض العقوبات الجماعية على أمة محطمة وفتح الباب أمام المجاعة ستكون كارثة على الجميع.
القدس العربي