سواء كان انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة هو السبب الرئيسي أو أحد الدوافع المؤثرة، فإنه يبدو القاسم المشترك بين قرار عدد من الأميركيين المحبطين الذين اختاروا الانتقال إلى فرنسا وغيرها، معتقدين أن أميركا التي يعرفونها انتهت، وأن فوز رئيس “عنصري وكاره للأجانب” غيّر قواعد اللعبة بالنسبة لهم.
بمثل هذه المقدمة، افتتحت صحيفة لوموند الفرنسية مقالا بقلم ساندرا فافييه، استعرضت فيه آراء عدد من الأميركيين الذين اختاروا العيش في فرنسا وغيرها، مستائين من رئاسة ترامب وما ترتب عليها من تغييرات في الولايات المتحدة، حسب رأيها.
وقالت الكاتبة إن العديد من معارضي ترامب في الولايات المتحدة يشعرون بالارتياح لانتخاب خلفه جو بايدن، ولكن تغيير الرئيس لن يكون كافيا -حسب رأيهم- لطي هذه الصفحة في بلد شديد الانقسام، أرخي فيه العنان لخطاب العنف وانتشر التمييز وتزايدت الاشتباكات المسلحة.
وقد دفعت مثل هذه التحولات التي تبدو غير قابلة للتراجع -كما تقول الكاتبة- بعض هؤلاء الأميركيين إلى مغادرة الولايات المتحدة والإقامة في فرنسا إلى الأبد، رغم أن بعضهم كان يرجو أن يعود بعد 4 سنوات.
أميركا غير التي نحب
فهذه فرانك وزوجها توم اتخذا قرار مغادرة الولايات المتحدة بمجرد انتخاب الرئيس الجمهوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لأنهما لم يكونا يرضيان بالعيش في ظل ترامب، وهما يقولان “رأينا أميركا غير تلك التي نحب”.
باع هذا الزوج منزلهما وانتقلا إلى بلجيكا التي تحمل فرانك جنسيتها قبل أن يستقرا بشكل دائم في باريس، حيث اشتريا منزلا، تقول فرانك بأسف “أظهرت الأحداث في الكابيتول هيل أن الديمقراطية ماتت في الولايات المتحدة”، ولن يكون انتخاب جو بايدن هو الذي سيجعلهما يعودان، لأن “نتيجة الانتخابات الرئاسية ليست سوى ضمادة، إذ لا يزال ترامب يتمتع بالكثير من الدعم في المعسكر الجمهوري، حتى بعد اتهامه مرة أخرى. فالرئيس المنتخب يجلس على بركان يمكن أن ينفجر في أي لحظة”.
فرنسا كملاذ
أما رينيه فلم تغادر الولايات المتحدة بسبب ترامب -كما تقول الكاتبة- ولكن وجوده ساهم بشكل كبير في قرارها بعدم العودة إلى هناك، إذ انتقلت مع امرأة أخرى قبل انتخابات عام 2016 إلى منطقة قرب مونبلييه لغاية مهنية، إلا أنها فكرت جديا في التخلي عن الجنسية الأميركية خلال سنوات ترامب الأربع، وهي تقول “لو أعيد انتخاب ترامب لربما لم يكن قرارنا هو نفسه”، لأنها ستطلب الأوراق الفرنسية بأسرع ما يمكن، كما تشرح الكاتبة.
وعلّقت الكاتبة بأن رينيه شعرت بالفزع من صعود الشخص الذي تعتبره “فاشيًا”، فقررت عدم العودة للعيش في لوس أنجلوس، تقول رينيه “نحن نعلم أن فرنسا ليست مثالية، لكن المساواة بين المواطنين منصوص عليها في القانون، وهذا أمر مثالي تسعى الدولة جاهدة لدعمه”.
اعلان
من جهتها، تقول إيفون إن ازدياد التمييز الشائع أصلا بدفع من رئيس “عنصري وكاره للأجانب”، دفعها أيضًا إلى “أخذ استراحة” في فرنسا، حيث تقيم في ليون منذ عام 2014، عندما أتت لمساعدة والدي زوجها الفرنسي المسنين.
وبعد أن علقت في زوبعة الحياة اليومية، وساءها صعود الشخص الذي تعتبره “فاشيًا”، قررت عدم العودة للعيش في الولايات المتحدة، خاصة أنها اتخذت الخطوة للتجنس منذ عام 2004، موضحة “كشخص ملون، يمثلني فنانو الخمسينيات الذين اختاروا المنفى بسبب الظروف الاجتماعية والسياسية للبلد، ومثل الكاتب جيمس بالدوين، كانت فرنسا ملاذي”.
تشغيل الفيديو
شعور بالانبتات
وتنبه الكاتبة إلى أن والد إيفون عانى من الفصل العنصري في الولايات الجنوبية من الولايات المتحدة، وهي لذلك تقول إن “ترامب لم يخترع العنصرية، ولكنه “فتح صندوق باندورا (الشرور) وجعلنا نعود أبعد إلى الوراء”، مضيفة وهي تتحدث عن ابنتها “أريد أن أحميها من كل هذا العنف، ومن هذه الأسلحة وغضب اليمين المتطرف الذي نشهده هناك”.
ويسعى الزوجان -حسب الكاتبة- إلى بيع منزلهما في لوس أنجلوس، إلا أن إيفون تقول إنها تشعر أنها تقتلع من جذورها، “لم أعد أعرف بلدي وأشعر أقل فأقل بهذا الارتباط الذي يجب أن يتمتع به المرء مع وطنه”.
ولاحظت الكاتبة أن الرئيس المنتهية ولايته ولّد شعورا بالانبتات لدى العديد من الأميركيين الذين يعيشون خارج بلدهم، وساقت إيمي كمثال على ذلك، فهي تعيش في فرنسا منذ 20 عاما، ولكنها لم تتقدم للحصول على الجنسية الفرنسية إلا مؤخرا، وهي الآن وبعد أن أصبحت فرنسية، تفكر في التخلي عن جنسيتها الأميركية، وهي تقول متحدثة عن ترامب “لا يعرف أحد ما الذي يمكنه أن يفعل. كنت أخشى أن يأخذ الجنسية الأميركية من أي شخص يعيش في الخارج”.
هذه أيضا سونيا -كما تقول الكاتبة- وهي مولودة في فرنسا، وأمضت 22 سنة في الولايات المتحدة مع زوجها الأميركي الذي لم يعش أبدا خارج بلده ولم تجذبه فرنسا قط، إلا أن انتخاب ترامب غير قواعد اللعبة بالنسبة له، بعد أن تصاعدت في بلدته التي تعتبر معقلا جمهوريا، نغمات متشددة إلى حد لم يعد يطيقه، فقرر الانتقال إلى جنوب فرنسا.
وتقول سونيا وزوجها “لقد انتهت الولايات المتحدة بالنسبة لنا”، ورغم أنهما يشعران بالارتياح لانتخاب بايدن، فإنهما “غير متحمسين لرئاسته”، بل إن زوجة ابن سونيا، التي بقيت في الولايات المتحدة، تفكر في مغادرة البلاد، وقد اتخذت خطوات للاستقرار في إيطاليا، وهي تقول إنها لم تعد تشعر بالراحة في بلدها الذي يسكنه قاعدة من المؤيدين الأقرب إلى كونهم طائفة.
المصدر : لوموند