في خطابه الوداعي للأمة الأميركية عشية انتهاء فترة حكمه، قال الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب “بينما أستعد لتسليم السلطة إلى إدارة جديدة أريدكم أن تعلموا أن الحركة التي بدأناها ما زالت في بدايتها”. ودفع ذلك الكثير من المعلقين للتخمين بشأن طبيعة المسار الذي قد يتبناه ترامب بعد الخروج من البيت الأبيض.
ويرى البعض أن ترامب سيستمر قريبا من الحزب الجمهوري، بحيث يصبح “صانع الملوك” بين أعضائه في مجلسي النواب والشيوخ وحكام الولايات. في حين يعتقد بعض المحللين أن ترامب سيتفرغ لمواجهة التحديات القانونية المتراكمة أمامه، وعلى رأسها المحاكمة المنتظرة أمام مجلس الشيوخ، إضافة إلى عدد من القضايا المرفوعة أمام عدة محاكم في ولايات نيويورك وفلوريدا وواشنطن العاصمة. كما تشير تكهنات إلى أن ترامب يفكر في تأسيس شبكة إخبارية يمينية تسحب البساط من تحت أقدام شبكة “فوكس” بين المشاهدين الجمهوريين.
وبعيدا عما يفكر في فعله ترامب بعد مغادرته البيت الأبيض، فمن المؤكد أن تأثيره لن يختفي سريعا؛ إذ فاز بأصوات 74 مليون أميركي (47% من أصوات الناخبين)، بزيادة تقدر بـ11 مليون صوت عما حققه في انتخابات 2016، وذلك رغم تعرضه لتحقيقات حول التدخل الروسي استمرت عامين، وتحقيقات بهدف عزله استمرت نصف عام على خلفية قضية أوكرانيا، وجائحة غير مسبوقة نتج عنها وفاة 400 ألف أميركي، وإصابة 24 مليون آخرين مع نهاية فترة حكمه.
ومع النهاية الكارثية لفترة ترامب الرئاسية، التي شهدت إدانته في مجلس النواب عقب اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول؛ صوت 10 أعضاء جمهوريون فقط من 213 عضوا -أو ما نسبته 4.7% فقط- لصالح إدانة ترامب؛ ويدل ذلك على خوف الأعضاء من تأثير غضب ترامب على مستقبلهم السياسي.
تشغيل الفيديو
ترامب وأزمة الجمهوريين
منذ ستينيات القرن الماضي يضم الحزب الجمهوري تيارات فكرية متنوعة، تبلورت بوضوح مع إقرار قوانين الحقوق المدنية، التي منحت حقوقا مساوية للسود. وعلى رأس تلك التيارات يأتي المحافظون الاقتصاديون (في ما يتعلق بالضرائب وقطاع الأعمال)، والمحافظون الاجتماعيون (ممن يؤيدون وبشدة شكل العائلة التقليدي ويعادون الإجهاض)، والمحافظون الجدد (ممن يدفعون لاستخدام القوة والحروب الخارجية)، واتفقت التيارات الثلاثة على رفض الدور المتضخم للحكومة الفدرالية.
واحتفظ الجمهوريون الوسطيون المرتبطون بالمؤسسات الحزبية بالسيطرة على قيادة بوصلة الحزب منذ ستينيات القرن الماضي وحتى عام 2008، ونجحوا في احتواء الأصوات اليمينية ودفعها للهامش.
ومنذ بدء حكم باراك أوباما، الرئيس الأسود الأول في التاريخ الأميركي، الذي تزامن مع أكبر أزمة اقتصادية تتعرض لها الولايات المتحدة قبل بدء جائحة كورونا؛ بدأ ظهور قوة تيار يميني جديد داخل الحزب الجمهوري.
وتركت الأزمة الاقتصادية تداعيات واسعة على قطاعات كبيرة من عمال المصانع والمناجم والبناء، وفي الوقت ذاته زادت مخاوف الطبقات الدُّنيا من البيض الأميركيين من زيادة الهجرة والتداعيات السلبية للعولمة وما شهدته من نقل آلاف المصانع إلى الصين أو المكسيك. وظهرت قوة التيار اليميني في انتخابات الكونغرس 2010، حين اغتنم أعضاء جماعة “حزب الشاي” أكثر من 80 مقعدا في الكونغرس، ومنحوا الجمهورين أغلبية مجلسي النواب والشيوخ.
اعلان
وجاء ظهور ترامب على الساحة الجمهورية عام 2015 معتمدا على القواعد الشعبية للحزب على حساب مرشحي وزعماء الحزب الجمهوري التقليديين، وغاب أي تحد لترامب خلال سنوات حكمه، وصولا لانتخابات 2020، التي لم ينافسه فيها على بطاقة الحزب الجمهوري أي مرشح جاد.
تشغيل الفيديو
سيطرة ترامب المطلقة على الجمهوريين
عقب اقتحام آلاف من أنصار ترامب مبنى الكابيتول يوم السادس من يناير/كانون الثاني الجاري، أدان الجمهوريون الحادث، واختار عدد محدود إلقاء اللوم على الرئيس ترامب بالتحريض على عملية الاقتحام.
وخلال مناقشات مجلس الشيوخ أمس الثلاثاء، أشار زعيم الأغلبية الجمهورية السيناتور ميتش ماكونيل إلى أن “اقتحام الكونغرس تم بتحريض من ترامب وأشخاص آخرين نافذين”.
وفهم البعض من رسالة ماكونيل أن الجمهوريين يريدون طي صفحة الرئيس المنتهية ولايته، وأنها تحمل صيغة تهديد لترامب بدعم جهود الديمقراطيين في المحاكمة.
لكن أغلب القيادات الجمهورية لا تتفق مع موقف ماكونيل؛ إذ أكد السيناتور ليندسي غراهام -في حديث مع شبكة فوكس نيوز (Fox News) أمس “أن من غير الحكمة محاكمة الرئيس ترامب المنتهية فترة حكمه أمام مجلس الشيوخ، سوف يزيد ذلك الانقسام، وقد يؤدي إلى تدمير الحزب الجمهوري”.
وشن كبار مقدمي البرامج في شبكة فوكس الإخبارية -مثل شين هانتي وتاكر كارلسون- هجوما ضاريا على ما ذكره السيناتور ماكونيل، واعتبروا كلماته محاولة لتدمير سجل وإرث الرئيس ترامب كي يُحظر من لعب دور سياسي في المستقبل.
تشغيل الفيديو
من يقود الترامبية؟
يأتي توقيت تنصيب بايدن رئيسا جديدا مع استمرار اعتقاد 3 أرباع مؤيدي ترامب أن الانتخابات سُرقت منهم، وتم تزويرها، واستلزم الأمر أكثر من 25 ألف جندي أميركي لتأمين انتقال السلطة، في ظل رفض الرئيس ترامب الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية، ولم يذكر ترامب في كلمته الوداعية اسم الرئيس جو بايدن.
وقال ترامب “إن جميع الأميركيين أصيبوا بالذعر من الهجوم على مبنى الكابيتول، في عنف سياسي لا يمكن التغاضي عنه، مثّل ذلك هجوما على كل ما يعتز به الأميركيون”.
وبمجرد خروج ترامب من البيت الأبيض، بدأ الجمهوريون البحث عن زعامة جديدة يلتفون حولها، ومن المرجح أن يكون هناك “تيار ترامبي” مستمر ومتواصل بين الجمهوريين اليمينيين بمجلسي الكونغرس.
وسواء تزعم الرئيس ترامب شخصيا التيار الترامبي أو تنافس على زعامته أحد السياسيين ممن أظهروا له ولاء كبيرا -مثل السيناتور تيد كروز من ولاية تكساس، أو السيناتور جوش هاولي من ولاية مسيسيبي- لا يرى كثير من المعلقين أن ما نادى به ترامب من مبادئ وسياسات سيختفي من أجندة الجمهوريين بعد انتهاء حكم ترامب.
الجزيرة