يثير حزب سياسي جديد تأسس مؤخرا في العراق تحت مسمّى “حركة 25 أكتوبر”، غضب أحزاب الإسلام السياسي لجهة تبنيه العلني للنهج العلماني وجرأته في نقد إيران والانفتاح على مختلف الملفات الحساسة، مثل التطبيع مع إسرائيل.
ويقول الأمين العام للحزب طلال الحريري، إنّ حزبه “تأسس برؤية علمانية ليبرالية خالصة شعاره الاقتصاد أولا ويضع تطلعات الأمّة العراقية في المقدمة”، واصفا إياه بأنّه يمثل “أول تجربة شبابية قيادة وفكرا”.
ويضيف أن حزبه يستلهم حراك أكتوبر 2019، الذي أطاح بحكومة عادل عبدالمهدي وزلزل النفوذ الإيراني في العراق لكنه لا يحتكر تمثيله.
ويشير الحريري بذلك إلى الانتفاضة العارمة التي انطلقت في ذلك التاريخ احتجاجا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة وللمطالبة بتوفير الوظائف والخدمات العامّة، لكنّها سرعان ما تحوّلت إلى تحدٍّ لتجربة الحكم التي تقودها أحزاب شيعية موالية لإيران، برفعها شعار إسقاط النظام وتحجيم النفوذ الإيراني في البلد وقطع الأذرع المحلية القائمة على حمايته من أحزاب سياسية وميليشيات طائفية مسلّحة.
وعلى هذه الخلفية تحوّلت الانتفاضة إلى “علامة” تسويق سياسي يرغب كثيرون في استخدامها استعدادا للانتخابات المبكّرة التي كانت مقرّرة لشهر يونيو القادم وتقرّر إرجاؤها في شهر أكتوبر لعدم الجاهزية لوجيستيا وتنظيميا لإجرائها في الموعد الأوّل.
ويخشى مشاركون في الحراك الاحتجاجي من أن يؤدّي ذلك إلى تشتيت أنصار الحراك ومنعهم من التحوّل إلى قوة انتخابية مؤثّرة في مسار الانتخابات ودافعة نحو التغيير الذي اندلعت الانتفاضة لأجله.
ويبرّر تلك المخاوف الظهور المتسارع لعناوين حزبية تتبارى في استلهام الانتفاضة وشعاراتها. وتظهر إحصاءات رسمية مؤقتة أن أكثر من أربعمئة حزب وكيان سياسي تقدمت بطلبات تسجيل لخوض الانتخابات المقبلة، تم منح أكثر من مئتين منها إجازة رسمية، تمكّنها من المشاركة في الاقتراع.
وتعليقا على ظاهرة التوالد الفوضوي للأحزاب، لاسيما تلك التي تدعّي النطق باسم المشاركين في انتفاضة أكتوبر، يقول المتحدث السابق باسم الحكومة العراقية أحمد ملا طلال في تغريدة عبر تويتر، إنّه “من دون حزب واحد يجمع شتات انتفاضة تشرين (أكتوبر) ويحمل روحها وأهدافها ومن دون مشاركة كثيفة غير مسبوقة ومن دون إشراف دولي محكم، فمقاطعة الانتخابات أولى وأجدى.. وإلا فإننا سنترحم على فضيحة انتخابات 2018 وتداعياتها الكارثية”.
طلال الحريري: نعمل على إزاحة الفاشية الدينية وإعلان دولة المستقبل
طلال الحريري: نعمل على إزاحة الفاشية الدينية وإعلان دولة المستقبل
ويتطلع الحريري إلى مساندة “أمّة الرافدين” بكل تنوعها وتطلعاتها وكل العراقيين في الخارج “لأول مشروع علماني يعمل على إزاحة الفاشية الدينية وطي صفحة الإرهاب الإسلامي وإعلان دولة المستقبل وبداية عصر السلام والتحولات الاقتصادية الكبرى”.
وخلال تعليقات صحافية، على هامش الإعلان عن نيل الحزب إجازة العمل السياسي، شن الحريري هجوما لاذعا على إيران، متهما إياها بالمسؤولية عن الخراب الذي حل بالعراق.
ويقول أمين عام الحزب الوليد، إن أي مقاربة سياسية للوضع العراقي يجب أن تبدأ من مواجهة النفوذ الإيراني وطرد الميليشيات التي زرعتها طهران في مختلف مدن البلاد.
ويضيف أن حزبه يضع “على رأس مبادئه السياسية فصل الدين عن الدولة والوقوف بحزم ضد سياسات إيران المزعزعة للاستقرار وجعل مصالح العراق أولا”. وأثارت هذه الانتقادات حفيظة أتباع إيران في العراق، وردوا بحملة إعلامية كبيرة ضد الحريري، متهمين إياه بدعم المثلية في البلاد.
وبدلا من أن يرد الحريري على هذه الاتهامات، أمعن في استفزاز الميليشيات والمنصات الرقمية التي تدافع عنها، من خلال الظهور بصفة سياسي عراقي في قناة إسرائيلية تبث باللغة العربية للتعليق على بعض التطورات السياسية.
وأثارت هذه الجرأة الإعلامية في التعاطي مع إيران بهذا القدر من الوضوح الجدل بشأن الجهة التي تقف وراء الحريري وحزبه، وما إذا كان هذا المشروع لديه الحماية الكافية للاستمرار حتى موعد الانتخابات الذي جرى تأجيله حتى أكتوبر 2021.
وتقول مصادر مطلعة إن هذا الحزب يمثل أحد التيارات الشبابية الصاعدة التي تحظى بدعم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
ويرفض الفريق المقرب من الكاظمي التعليق على طبيعة الصلة بين رئيس الوزراء وحزب الخامس والعشرين من أكتوبر. ولا يفصح الفريق عن النوايا السياسية لرئيس الحكومة في المرحلة المقبلة، بما في ذلك المشاركة المباشرة في السباق الانتخابي.
ويثير هذا الغموض في موقف الكاظمي أتباع إيران في العراق، ويدفعهم إلى مهاجمة جميع المشاريع السياسية الجديدة، تحسبا لأن يكون أحدها مدعوما من الكاظمي.
ويقول مراقبون إن قلق الإسلاميين الشيعة التابعين لإيران في العراق يتضاعف من حزب 25 أكتوبر، لأنه يبني سقفا مرتفعا جدا للمواجهة.
وفي حال صحّت الأنباء المتعلقة بدعم الكاظمي لهذا الحزب، فإنّ طرد إيران من العراق سيكون شعارا جذابا جدا خلال الانتخابات المقبلة، فيما ستكون قدرة أصحابه على الصمود قوية لأنهم يحظون برعاية الحكومة.
ويرى مراقبون أن هذا الحزب الجديد وسقفه العالي ربما هو بالون اختبار لقدرة إيران على ردع الأحزاب العراقية التي تستهدف تقليص نفوذ طهران في بغداد.
ويمكن أن يشكل هذا الحزب بديلا لبعض الناخبين العراقيين الذين يرون أن المشاركة في الانتخابات القادمة، ضرورة لإنقاذ البلاد من وضعها الصعب، لكنهم في الوقت نفسه يرون أن جميع المشاريع السياسية القديمة لا تستحق الدعم.
ويرى مراقبون أن ظهور أحزاب جديدة من هذا النوع، قد يحفز الناخب العراقي على مشاركة أوسع، ما قد يضفي طابعا من التنافس الحاد غير المسبوق على الاقتراع القادم ويعسّر توقّع نتائجها بعد أن اعتاد العراقيون على انتخابات تكون محسومة سلفا لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي وعدد من التشكيلات والتحالفات السنيّة والكردية.
صحيفة العرب