الكاظمي يخوض حربا على واجهتين: إيران وداعش

الكاظمي يخوض حربا على واجهتين: إيران وداعش

بغداد – يواجه مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي، تحديات أمنية على واجهتين لفرض سيطرة حكومته على الوضع، الأولى ضد إيران والميليشيات التابعة لها في العراق، والثانية ضد تنظيم داعش الذي عاود الظهور مستفيدا من تركيز الحكومة على مواجهة الميليشيات.

وعقب انتهائه من اجتماع طارئ مع مجلس الأمن الوطني، السبت، أعلن الكاظمي أن الرد على “من سفك دماء العراقيين الطاهرة سيكون قاسيا ومزلزلا وسيرى قادة الظلام الداعشي أي رجال يواجهون”.

وكتب رئيس الوزراء عبر حسابه في تويتر، “أثبت شعبنا صلابة عزيمته أمام الإرهاب التكفيري الداعشي”، مشيرا إلى أن “إرادة الحياة لدى أهلنا وهم يتحدون الإرهاب في مكان جريمة الباب الشرقي الشنعاء كانت رسالة شموخ وبسالة شعبية لا نظير لها”.

ويقول مراقبون إن الكاظمي مطالب أمام الشارع بضبط الملف الأمني، ومنع أيّ خروقات متوقعة قبل حدوثها، في حال أراد نيل ثقة العراقيين، لكنه مسؤول أيضا عن منع الجماعات العراقية الموالية لإيران من استغلال هجوم الخميس لتنفيذ عمليات انتقامية في المناطق السنية.

ويمكن أن يكون هجوم الطيران، على بشاعته وحجم الضحايا الكبير الذي خلفه، فرصة للقائد العام للقوات المسلحة، للقضاء على بؤر الفساد المتجذرة في المؤسستين الأمنية والعسكرية، وتقليص مساحة التأثير الإيراني عليهما، فيما يتوقع مراقبون أن تواجه هذه الخطة ممانعة إيرانية شرسة، قد تصل حد العبث في ملف الأمن العراقي.

وعقد الكاظمي سلسلة اجتماعات طارئة يومي الخميس والجمعة، نجمت عنها قرارات عديدة، من بينها الإطاحة بعدد من كبار المسؤولين الأمنيين على خلفية هجوم الطيران.

وأقال الفريق الركن عامر صدام، وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات من منصبه، وكلف الفريق أحمد أبورغيف بدلا منه.

ويعد أبورغيف من أقرب كبار الضباط لرئيس الوزراء، إذ سبق أن كلفه برئاسة لجنة خاصة لمطاردة المسؤولين الفاسدين واعتقالهم.

وسدد الكاظمي ضربة موجعة للنفوذ الإيراني في العراق، من خلال الإطاحة بالفريق الركن جعفر البطاط، قائد الشرطة الاتحادية، وإبعاد أبوعلي البصري عن “خلية الصقور” ذات المهام الاستخبارية الخاصة.

والبطاط والبصري هما من الشخصيات المعروفة بصلاتها الوثيقة مع إيران، ويشغلان منذ أعوام مناصب حساسة ضمن هياكل أجهزة الأمن العراقية.

وشنت وسائل الإعلام العراقية الموالية لإيران هجوما واسعا على الكاظمي، متهمة إياه باستغلال هجوم الطيران لتصفية حساباته مع المؤسسة الأمنية.

واشتملت التغييرات التي أجراها الكاظمي على إقالة اللواء باسم مجيد، مدير قسم الاستخبارات وأمن عمليات بغداد من منصبه، وتكليف اللواء الركن أحمد سليم، قائدا لعمليات بغداد، وإقالة عبدالكريم عبد فاضل، مدير عام الاستخبارات ومكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية.

وتبنى تنظيم داعش الهجوم الانتحاري، مشيرا إلى أن اثنين من عناصره، هما “أبويوسف الأنصاري” و”محمد عارف المهاجر”، فجّرا نفسيهما بالتتابع في ساحة الطيران وسط بغداد، وهي طريقة التنظيم المعروفة لإيقاع أكبر قدر من الضحايا، من خلال تنفيذ تفجير أول ثم انتظار تجمع المدنيين وقوات الأمن في موقعه لتنفيذ التفجير الثاني.

وكشف هجوم ساحة الطيران ثغرات في الأجهزة الأمنية العراقية المنشغلة إلى حدّ بعيد بالتعامل مع التوترات السياسية وتصاعد نفوذ الميليشيات المسلحة المتنافسة.

وقتل ما لا يقل عن 32 شخصا وأصيب أكثر من مئة بجروح، الخميس، في هجوم انتحاري حصد العدد الأكبر من القتلى منذ ثلاث سنوات في العاصمة العراقية بغداد التي شهدت هدوءا نسبياً منذ هزيمة داعش نهاية عام 2017.

وتولّى الكاظمي رئاسة الحكومة بعد شغله منصب رئيس جهاز المخابرات في البلاد. واعتمد بشكل رئيسي على جهاز مكافحة الإرهاب الذي تلقى تدريباته على أيدي القوات الأميركية لملاحقة الخلايا الجهادية واعتقال مسؤولين فاسدين والحد من هجمات الجماعات المسلحة التي تطلق صواريخها في اتجاه السفارة الأميركية.

ويرى مراقبون أن الكاظمي يثق بعدد محدود جداً من القوات الأمنية، ما اضطر قوات مكافحة الإرهاب الى خوض مواجهات غير مرغوب فيها ضد الفصائل الموالية لإيران انتهت أحيانا بتراجعها.

ويقول الباحث مارسين الشمري في معهد بروكينغز إن “التراجع المستمر عن الأوامر والاعتذار للجماعات المستهدفة لا يؤدي إلا إلى إضعاف قوات مكافحة الإرهاب والقائد العام والحكومة العراقية”.

وأربكت الضغوط، التي تمارسها ميليشيات موالية لإيران ودعوتها لانسحاب القوات الأميركية، العلاقة بين العراق والتحالف الدولي، وفتح الباب أمام عودة المتشددين إلى الواجهة.

وأعلن التحالف الدولي العام الماضي، بعد سحب قواته من ثماني قواعد في العراق، أن الجيش العراقي بات قادراً على محاربة فلول الجهاديين لوحده.

ويرى الباحث جاك واتلينغ من “المعهد الملكي لخدمات الأمن والدفاع” في لندن أن هذا يعني كذلك أن قوات الأمن العراقية فقدت جزءا كبيرا من الدعم الذي كان يقدمه التحالف في مجال المراقبة، أي نوعا من “نظام إنذار مبكر” لعب دورا حاسما في كشف هجمات تنظيم الدولة الإسلامية قبل وقوعها.

ويقول واتلينغ إن “تنظيم الدولة الإسلامية لم يعد (…)، لكن هناك بعض المشاكل الواضحة جداً في قطاع القوات الأمنية العراقية، وما حدث خير دليل” على ذلك.

لكن من الواضح أن اختراق المؤسستين الأمنية والعسكرية من الميليشيات دفع إلى غياب الثقة بين العاملين في المؤسستين، وهو ما استفاد منه تنظيم داعش للعودة.

ويقول المحلّل الأمني أليكس ميلو إن “تنظيم الدولة الإسلامية كان يبدو أضعف من أن يتمكن من شن هجمات”، لكنه “وجد ثغرة يمكنه النفاذ منها”.

العرب