بايدن يتسلّح بخبرته لاستعادة الدور الأميركي في سوريا

بايدن يتسلّح بخبرته لاستعادة الدور الأميركي في سوريا

يشهد الملف السوري حالة من الترقّب الحذر بانتظار أولى الخطوات التي ستتخذها الإدارة الأميركية الجديدة، فيما تلوح عدة مؤشرات على أن إدارة جو بايدن ستتجه إلى تبني استراتيجية مختلفة عن إدارة سلفه دونالد ترامب. ويراهن محللون على أن الإدارة الجديدة ستعمل على استعادة الدور الأميركي في سوريا بعد تراجعه بشكل كبير خلال المرحلة السابقة، لكن ذلك يبقى رهين تسويات مع الفاعلين في الأزمة وفي مقدمتهم روسيا وإيران.

لندن – تدور تساؤلات تراود المراقبين السياسيين عما يمكن أن تحمله الرياح الأميركية إلى السوريين مع وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض قادما من مدرسة سياسية مغايرة عن سلفه دونالد ترامب، الذي لم يفعل الكثير بحسب البعض للتأثير أكثر على نظام بشار الأسد الذي لم يسقط من اندلاع انتفاضة شعبية قبل عشر سنوات.

ويبدو أن استمرار دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شرق سوريا، والوجود الإيراني، وتمركز روسيا على البحر المتوسط، والعلاقة مع تركيا، ستمثل كلها محاور كبرى لكيفية التعاطي الأميركي مع القضية السورية، وقد تتبنى إدارة بايدن إجراءات أكثر خشونة ضد القوات الإيرانية المنتشرة على الأراضي السورية، وضد النفوذ الروسي أيضا.

ميول طاقم بايدن
لا تحدث تغييرات جذرية على صعيد السياسات الخارجية الأميركية باختلاف الرؤساء والأحزاب، فالإدارات المتعاقبة على تنوعها تخضع إلى استراتيجيات موحدة بعيدة المدى، مرتبطة بمصالح قومية عليا ثابتة للبلاد، والقول الفصل في المحصلة يكون للمؤسسات وليس للأشخاص، وتعتبر فترة ترامب حالة فريدة في التاريخ الأميركي.

ومع ذلك، تبقى للرئيس وإدارته هوامش كثيرة تسمح بحيز واسع من التغييرات في الداخل والخارج. وتكتسب هذه الهوامش أهمية إضافية، عندما يتعلق الأمر بإحداث تغييرات ملموسة في مسار البوصلة الأميركية، بالنسبة إلى دول كثيرة، دون أن يؤثر ذلك على المصالح الكبرى للولايات المتحدة.

وغالبية الطاقم القيادي الذي عيّنه بايدن، وفي مقدمتهم وزير الدفاع الجديد لويد أوستن، ونائبته كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، لهم مواقف مناهضة وحادة من بشار الأسد بشكل شخصي، ومن نظام حكمه “القمعي” بشكل عام.

وعمل بايدن خلال حملته الانتخابية الرئاسية على استمالة الناخبين من خلال إطلاق الوعود بتحقيق استراتيجيته، وخاصة في ما يتعلق بالملف السوري، لكنّ بعض المتابعين يعتقدون أن حقائق الأمر الواقع اليوم قد تجعله يعيد حساباته وربما ينتهي به المطاف مع انتهاء ولايته في 2024 دون إحداث أي اختراق في جدار الأزمة.

غالبية أعضاء فريق بايدن لديهم مواقف مناهضة وحادة من بشار الأسد بشكل شخصي، ومن نظام حكمه القمعي بشكل عام

وثمة مؤشرات على أن فريق بايدن يعمل على سياسية مغايرة لفريق ترامب، فنائبة الرئيس هاريس هاجمت في مناظرة رئاسية في نوفمبر الماضي، النائبة تولسي غابارد لرفضها وصف رأس النظام بشار الأسد بـ”مجرم حرب”. وقالت هاريس حينها “هذا يأتي من شخص كان مدافعا عن الأسد، الذي قتل الناس في بلاده مثل الصراصير”.

وفي أعقاب الضربة الأميركية لنظام الأسد، والتي استهدفت مطار الشعيرات وعدة مواقع للنظام عام 2017 ردا على هجوم خان شيخون الكيميائي، أصدرت هاريس بيانا قالت فيه إن “بشار الأسد هاجم المدنيين الأبرياء بشراسة، بمن فيهم العشرات من الأطفال الذين ماتوا اختناقا بالأسلحة الكيمائية. وهذا الهجوم يعزز الحقيقة الواضحة بأن الأسد ليس فقط دكتاتورا لا يرحم، يعامل شعبه بوحشية، بل إنه مجرم حرب لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله”.

ولا يقل موقف وزير الخارجية بلينكن، الذي عمل في مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون قبل أن يصبح مديرا للموظفين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ عندما كان بايدن رئيسا للجنة، حدة عن مواقف هاريس وبقية “فريق أحلام” بايدن في التعاطي مع أكثر الملفات حساسية في الشرق الأوسط.

وفي معرض انتقاده لسياسة ترامب في سوريا صرح بلينكن، الذي عمل في السنوات الأولى من إدارة باراك أوباما، إلى مجلس الأمن القومي، قبل أن ينتقل إلى وزارة الخارجية ليعمل كنائب لوزير الخارجية جون كيري في ذلك الوقت، قائلا “فشلنا في منع وقوع خسائر مروعة في الأرواح وفي منع النزوح الجماعي للناس داخليا في سوريا، وبالطبع في الخارج كلاجئين”.

وشدد على أنه في الوقت الذي كان لدى الولايات المتحدة نفوذ ما متبقٍ في سوريا لمحاولة تحقيق بعض النتائج الإيجابية، لسوء الحظ، قامت إدارة ترامب بتحويل ذلك إلى حد ما للانسحاب بالكامل في سوريا.

ورغم أن بلينكن كان مهندس الاتفاق النووي الإيراني الذي تسعى طهران إلى إحيائه من جديد، إلا أنه كان في نفس الوقت من دعاة توجيه ضربة عسكرية للأسد بعد تخطيه خطوط أوباما الحمراء.

أما بريت ماكغورك، المبعوث السابق للتحالف الدولي لقتال تنظيم داعش، الذي استقال احتجاجا على قرار ترامب أواخر 2018 بسحب القوات الأميركية من سوريا، فقد اعتبر ذلك “انقلابا كاملا على السياسة المرسومة سابقا”.

والآن يعود ماكغورك، الذي عرف خلال توليه منصب مبعوث التحالف الدولي منذ 2015 حتى أواخر 2018، بدعمه المطلق للأكراد في شرق سوريا، إلى المشهد السوري بقوة بعد تعيينه مستشارا في مجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تدرك إدارة بايدن أن بقاء نظام الأسد ستترتب عليه تداعيات خطيرة، في مقدمتها استمرار معاناة الشعب السوري، وتدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى الدول المجاورة، وتوفير أرضية خصبة للمنظمات الإرهابية المتطرفة، واحتمال عودة الاشتباكات المسلحة بين أطراف النزاع، مما قد ينعكس سلبيا على استقرار دول الجوار.

ويشكل تعهد بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، هاجسا يؤرق السوريين خشية انعكاسه على استمرار تواجد إيران في سوريا. لكن إحياء اتفاق تم تعطيله لسنوات لن يكون سهلا، حيث هناك فرصة بأن تطالب الولايات المتحدة والدول الأوروبية إيران بالمزيد من التنازلات، خصوصا في ما يتعلق بملف برنامجها الصاروخي المثير للجدل، وكذلك دعم طهران لميليشيات مسلحة تعتبرها الولايات المتحدة وأوروبا مزعزعة للاستقرار.

ويرى محللون أن إعادة عقارب الساعة إلى العام 2015 يبدو أمرا مستحيلا، وإذا فشلت الدبلوماسية مرة أخرى، فإن انتشار الأسلحة، وانهيار الاقتصاد الإيراني المحتضر قد يتبعان ذلك، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تبعات هامة وخطيرة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم.

ويبقى الاختبار الأهم لسياسات الرئيس بايدن وإدارته في سوريا، مدى تعاطيه مع قرار مجلس الأمن 2254، وجديته في دفع عملية الانتقال السياسي، ومنع نظام الأسد من فرض أمر واقع، من خلال إجراء انتخابات صورية يكتسب من خلالها شرعية زائفة تستند عليها موسكو في إطالة أمد معاناة السوريين.

وفي خضم ذلك، قد تستمر إدارة بايدن في اتباع بعض السياسات التي اتخذتها إدارة ترامب، كفرض عقوبات على دمشق والتي يجسّدها “قانون قيصر”، فمنذ اعتماده قبل عام تقريبا أصبح قانونا أميركيا نافذا وعابرا للتوجهات السياسية للإدارات الحاكمة، سواء بالنسبة إلى الديمقراطيين أو الجمهوريين على السواء.

وبموجب هذا القانون، طبقت إدارة ترامب عقوبات صارمة طالت نظام الأسد وداعميه الروس والإيرانيين، والعديد من الشخصيات والمؤسسات اللبنانية.

وفي حكم المؤكد، أن تستمر إدارة الرئيس بايدن في تطبيق القانون، عبر فرض حزم إضافية من العقوبات بموجبه، وربما تذهب لجهة توسيعها لتشمل النشاط العسكري للنظام، للحد من تفكيره بالإقدام على المزيد من العمليات العسكرية ضد مناطق سيطرة المعارضة، ما سيتسبب في المزيد من الدماء والتهجير.

ورغم أن القانون يتيح للرئيس الأميركي رفع العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، شرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني، أو لأسباب أخرى تتعلق بالأمن القومي الأميركي، إلا أن هذا الخيار، في حال فكر فيه بايدن سيكون محط نقاش ولغط كبيرين في الكونغرس، وسيتوجب عليه إقناع النواب بالأسباب الموجبة لذلك.

العرب