سياسة أميركية جديدة مع الفلسطينيين أم عودة إلى القديم

سياسة أميركية جديدة مع الفلسطينيين أم عودة إلى القديم

يبدو أن سقوط دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية أعطى السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس دفعة للحياة السياسية، وأنقذها من براثن ترامب الذي فاق كافة الرؤساء الأميركيين في دعم الأهداف الإسرائيلية، وتجاهل الحقوق الفلسطينية التي تؤيدها الشرعية الدولية.

قبل أن نرفع رايات النصر والاطمئنان للإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن علينا أن ندرك أن سياسة واشنطن المقبلة هي استمرار لكافة السياسات الثابتة للرؤساء السابقين منذ عام 1948، والتي اكتوى منها الشعب الفلسطيني ولا زالت الآثار ماثلة حتى الآن.

يتحتم الاعتراف بموقف الرئيس الفلسطيني في التصدي لسياسات وقرارات الرئيس الأميركي السابق، والتي تجاوزت حدود السياسة والمصالح وتغلغلت في وقف المساعدات الإنسانية والأعراف الدبلوماسية، وأصبحت هذه الإجراءات من الماضي وقد يتلاشى ضررها، كما أوحت الإدارة الأميركية الجديدة.

لكن يبدو أن تمسّك الرئيس عباس بالوصاية الدولية وإشرافها على التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي يضع صخرة كبيرة في طريق التوصل إلى اتفاق سلام بين العدوّين اللدودين.

تتمسّك إسرائيل وبالتالي الولايات المتحدة بشرطين مقدسين في علاقتها مع الفلسطينيين والدول العربية، ولا يمكن التخلي أو التنازل عنهما، أولهما رفض التفاوض الجماعي والتمسك بالتفاوض المنفرد مع كل دولة عربية ومع الفلسطينيين، وثانيهما رفض الإشراف الدولي على التفاوض بينها وبين الفلسطينيين، ما عدا الإشراف الأميركي.

وتم تنفيذ ذلك في اتفاقات الهدنة مع مصر والأردن وسوريا ولبنان بعد حرب عام 1949، كما تم في التفاوض العربي – الإسرائيلي بعد حرب 1967، وعند التوصل إلى اتفاقيات سلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن بين عامي 1977 و1994.

بعد انتهاء الحرب الأميركية – العراقية عام 1991، بدأ عهد الاتصالات واللقاءات الفلسطينية – الإسرائيلية، وفي محاولات أوروبية وأميركية وروسية تم الاتفاق عل عقد اجتماع دولي في مدريد في 30 أكتوبر من العام نفسه.

التأم الاجتماع بحضور القوى الكبرى وعدد من الدول الأوروبية، وانتهى بقرار تشكيل وفد مشترك أردني – فلسطيني من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وتجاوز الاجتماع منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يصل المجتمعون في واشنطن لاحقا إلى اتفاق بسبب تعنت إسرائيل، ورفضها المبطن لوجود دولة الأردن مشاركة مع الفلسطينيين.

كان الرئيس الراحل ياسر عرفات في تلك الفترة فتح اتصالات مع الإسرائيليين مباشرة في أوسلو، وأعطته إسرائيل، كما ذكر البعض من المراقبين الدوليين، في مفاوضات أوسلو أكثر مما رفضته في واشنطن. هكذا تم الانطلاق ومن ثم التوصل إلى اتفاق السلام الفلسطيني – الإسرائيلي، بسبب الإشراف الأميركي فقط والتفاوض المباشر المنفرد مع الفلسطينيين. وهكذا سوف يتم فرض هذا الأسلوب في المفاوضات القادمة.

الخطورة الأولى للموقف الأميركي في ما يتعلق بالإشراف المنفرد على سير المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية تتمثل في الإصرار على أن تفاوض الطرفين واتفاقهما أو اختلافهما هو الطريق الوحيد للتوصل إلى اتفاق سلام، وأن ذلك يتم دون الاستناد إلى قرارات الشرعية الدولية أو قرارات الأمم المتحدة بغالبية دول العالم.

في هذا الصدد يجب تذكّر أن الولايات المتحدة لم تؤيد أي قرار من الأمم المتحدة يدعم القضية الفلسطينية، واعترضت ورفضت أي قرار يتعلق بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.

والخطورة الثانية التي ترتكبها الولايات المتحدة في عملية الإشراف وحدها على التفاوض هي فتح بوابة الوضع الراهن الذي استمر منذ الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي عام 1993 على مصراعيه، فيما لو رفض الفلسطينيون اتفاقا جائرا أو منحازا لإسرائيل، تتمتع فيه إسرائيل بحرية مصادرة الأرض وبناء المستوطنات وطرد السكان.

إن معظم ما تم من سرقة الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات وطرد للمواطنين من أملاكهم تم في مراحل الوضع الراهن، وكل تلك الجرائم قد تمت بعلم وتأييد الولايات المتحدة المتساهلة والمشاركة والداعمة للعدوان الإسرائيلي.

والخطورة الثالثة ليست من عمل الأميركيين بل من الفلسطينيين أنفسهم، وتتعلق بالانقسام، وتعرف الولايات المتحدة وإسرائيل أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يمثل كل الفلسطينيين، وأن الانتخابات المقبلة بمستوياتها التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني لن تفلح في توحيد الفلسطينيين، ويمكن أن لا توحّد أعضاء حركة فتح نفسها.

الفريق الفلسطيني الأكبر المنافس لحركة فتح والسلطة الوطنية هو حليف لأعداء الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، ويمثل تهديدا للدول العربية الخليجية. ومطلوب من الفلسطينيين أكثر بكثير مما تعرضه القيادات المنقسمة والمتضاربة.

الوضع الحالي على الجانب الفلسطيني لا يبشر بخير لشعبنا المظلوم. وكذا الوضع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة غير متوقع أن يفرز موقفا صلبا وداعما لنا. وعلى القيادة الفلسطينية أولا أن تتّحد، ليس عن طريق تجديد الشرعية المفقودة، بل من خلال التوصل إلى اتفاق على برنامج سياسي ونضالي موحّد يلتف حوله الشعب بأطيافه.

نحن لا يمكننا توقع الحصول على دعم من الدول المعادية للولايات المتحدة، ونصفنا يعمل مع واشنطن وحلفائها، ولا نتوقع الدعم منها وحلفائها بينما نصفنا الآخر يتحالف مع أعداء الولايات المتحدة وحلفائها أيضا.

مروان كنفاني

صحيفة العرب