بالرغم من أن الرئيس الأميركي الجديد الذي تولى منصبه منذ أيام جو بايدن، وعد خلال حملته الانتخابية بتغيير سياسات بلاده في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن ملامح سياسات إدارته لم تتبلور بعد.
وبالرغم من أن التوجس يخيم على البعض في الولايات المتحدة كما في خارجها من أن تُنهي أميركا اهتمامها بالمنطقة، ما قد يخلق فراغات سوف يستغلها الخصوم، إلا أن مراقبين يرجحون أن واشنطن لن تترك الشرق الأوسط، ولكنها في نفس الوقت لن تقوم بدور قيادي فيه في عهدة بايدن.
ويقول هؤلاء المراقبون إن الولايات المتحدة ستواصل تواجدها ونفوذها في المنطقة، على الرغم من أنها سوف تكون أكثر انتقائية في ارتباطها بالمنطقة.
ويبدو أن إدارة بايدن قد حسمت أمرها بشأن الأولويات الأكثر إلحاحا في المنطقة، وهي العودة إلى الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 مع طهران، شريطة ضمان التزام إيران به.
كما تحدث بايدن عن رغبته في إجراء مفاوضات إضافية للتعامل مع أنشطة إيران في المنطقة، وكذلك التعامل مع الحرب في اليمن، وتعزيز السلام بين العرب وإسرائيل.
ويرى روبرت دانين، أحد كبار الباحثين بمشروع “مستقبل الدبلوماسية” في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية التابع لـ”مدرسة كيندي في جامعة هارفارد”، والمسؤول السابق بوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي، وماهسا روهي الباحثة بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة الدفاع القومي الأميركي، في تقرير لهما نشرته مجلة “ناشيونال إنتريست” الأميركية، أن بايدن وكبار مستشاريه أوضحوا تماما أن مهمتهم الأولى هي استعادة الشراكات الدولية، وانتظار قيام أصدقاء الولايات المتحدة بدور أكبر في مواجهة التحديات العالمية والإقليمية.
ويُضيف دانين وروهي أن “بايدن يدرك أن أهدافه بالنسبة للمنطقة يستحيل على واشنطن تحقيقها بمفردها (..) ولا بد أن هذا أمر مرحب به بالنسبة للمنطقة، حيث تشعر الدول العربية وإسرائيل منذ فترة طويلة بالاستياء من استبعادهما من الاتفاق النووي الإيراني (..) ولدى أصدقاء أميركا في أوروبا والشرق الأوسط الآن فرصة فريدة لأن يكون لها رأي أكبر في شؤون منطقتهم، وبدء أساليب تعاونية جديدة بالنسبة لمنطقتهم التي تمزقها الصراعات”.
ومع ذلك، هناك مشكلة رئيسية تواجه الجهود المستقبلية للتوصل إلى أساليب تعاونية في المنطقة، وهي أنه لا توجد في الوقت الحالي سبل واضحة ومتفق عليها للقيام بذلك.
مشكلة رئيسية تواجه الجهود المستقبلية لإقامة تعاون في الشرق الأوسط، وهي غياب سبل واضحة للقيام بذلك
وفي كل حالة من الحالات، فإن الجهود للتعامل مع الحرب والصراع في سوريا أو ليبيا أو اليمن، على سبيل المثال، تمت فيها إضاعة الوقت الثمين والجهد الدبلوماسي المهم ببساطة في تحديد المكان والصيغة والمشاركة بالنسبة للمباحثات بدلا من التعامل مع الخلافات الفعلية. وبالإضافة إلى ذلك، كان الأمر في كل حالة لا يتسم بالشمول إلى حد كبير، حيث يتم بتجاهل الأطراف المعنية المهمة والأطراف المعرقلة لأي اتفاق.
وبالرغم من أن هناك في المنطقة وخارجها أكثر من منظمة ومؤسسة تحمل اسم منتدى الشرق الأوسط، يؤكد الباحثان دانين وروهي أن ما هو مطلوب جدا للتعامل مع القضايا في الشرق الأوسط، هو منتدى إقليمي دائم شامل واسع النطاق، يضم كل دوله في مكان واحد. ومثل هذا المكان، على خلاف الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمكن أن يكون بمثابة نقطة محورية داخل الشرق الأوسط، ومكرسا لمواجهة قضايا المنطقة.
ويشير الباحثان إلى أنه يتعين عقد هذا المنتدى الخاص بالشرق الأوسط تحت إشراف شخصية دولية تحظى بالاحترام، مثل سكرتير عام الأمم المتحدة أو من يقوم بتعيينه.
ورغم أن المنتدى سوف يرحب بمشاركة جميع دول المنطقة، لن تتضمن المشاركة أو تتطلب الاعتراف أو العلاقات بين أعضائه. ومن ثم، يكون للخصوم مثل إيران والسعودية وسوريا وإسرائيل، الحق في مكان على الطاولة.
ويقول الباحثان إنه “رغم أن المنتدى سيكون لخدمة أجندة خاصة بالشرق الأوسط وتحت قيادتها، فإنه سوف يتعين أن يدرك أن تحديات وصراعات المنطقة، وسبل علاجها المحتملة، ليست معزولة تماما عن العالم الخارجي”.
ويضيفان “هكذا، فإنه لكي يكون المنتدى فعالا ومتصلا بالمعنيين العالميين، يتعين أن يدعو مجموعة صغيرة من الدول، على غرار الدول الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي، للحضور كمراقبين. ومن ثم، فإن دولا مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا وروسيا والصين وغيرها، سوف تكون حاضرة، ومع ذلك لا تستطيع فرض أجنداتها على المنتدى”.
ويتابع الباحثان “إدراكا للعداءات العميقة ووجهات النظر المتضاربة، يجب أن يبدأ كل حوار إقليمي في المنتدى بصورة تدريجية وبأجندة متواضعة (..) فمن الممكن أن يبدأ بمعالجة مجموعة كبيرة من التحديات الفورية والمشتركة والعابرة للدول، ابتداء من فض الخلافات المتعلقة بالأمور البحرية والمجال الجوي إلى مواجهة فايروس كورونا وتغير المناخ. كما يمكن أن يكون هذا المنتدى بمثابة المكان المناسب لأي حوار هيكلي مع المنطقة تتصوره إدارة بايدن”.
وقد اتضحت تماما قيمة وجود كيان دائم ومنظم للحوار الإقليمي منذ عدة أسابيع وفقا للباحثين في الخامس من يناير، عندما أنهى اتفاق العلا الخلاف بين قطر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر.
والأمر الذي جعل تحقيق هذا الاتفاق ممكنا هو وجود منتدى إقليمي وهو مجلس التعاون الخليجي الذي حققت قمته السنوية حسم الخلاف بين دوله، حيث قامت دول أعضاء مثل الكويت، التي عملت بكل جد واجتهاد من وراء الكواليس لإعداد النتيجة الإيجابية التي أسفرت عنها القمة.
ويختتم الباحثان تقريرهما، بالقول إن الشرق الأوسط يواصل مواجهة مجموعة كبيرة من التحديات والصراعات، التي لا تظهر أي دلائل على إمكانية أن تنتهي دون بذل جهد لتحقيق ذلك.
صحيفة العرب