انقلاب في ميانمار يطيح بالديمقراطية و”حقوق” الروهينغا

انقلاب في ميانمار يطيح بالديمقراطية و”حقوق” الروهينغا

عطّل الانقلاب العسكري الذي شهدته ميانمار الإثنين، مسار سنوات من الجهود المدعومة من الغرب لإرساء الديمقراطية في هذا البلد المضطرب، ما أثار مخاوف دولية واسعة من انتكاسة هذا المسار رغم تعهد الانقلابين بتسليم السلطة إلى المدنيين بعد إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

رانغون (ميانمار) – استيقظ العالم، الإثنين، على نبأ انقلاب عسكري في ميانمار من شأنه الإطاحة في آن واحد بالديمقراطية وبـ”حقوق” مسلمي الروهينغا في البلاد.

ورغم أن السلطات في ميانمار لم تبذل جهودا كافية لحماية الروهينغا وغضت الطرف عن الاعتداءات التي تنفذها مجموعات بوذية في حق الأقلية المسلمة، يرى مراقبون في انقلاب الجيش على السلطة المدنية تعكيرا للوضع المتدهور أصلا وتراجعا عن بعض الحقوق التي اكتسبتها الأقلية المسلمة عبر قبول السلطة المدنية التفاوض بشأن وضعيتهم مع الأمم المتحدة وبنغلاديش المجاورة.

ودعت بنغلاديش، التي تؤوي زهاء مليون نسمة من الروهينغا الذين فروا من ميانمار، إلى “السلام والاستقرار” وقالت إنها تأمل في أن تمضي عملية إعادة اللاجئين قدما، حيث وافقت السلطة المدنية في ميانمار بضغوط دولية على التفاوض من أجل إعادة توطين الروهينغا، إلا أن وصول الجيش إلى السلطة قد يقوّض هذه التفاهمات.

واتفقت الدولتان على إعادة طواعية لأفراد الروهينغا في نوفمبر2017، ومنذ ذلك الحين أخفقت محاولتان لإعادة اللاجئين عقب أن قال اللاجئون إنهم يخشون على سلامتهم في ميانمار.

وبوصول قائد جيش مدرج على قائمة العقوبات الأميركية منذ ديسمبر 2019 وذلك على خلفية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، قالت منظمات إنها ترتقي إلى الإبادة الجماعية ضد الروهينغا في البلاد، تتجه أوضاع الأقلية المسلمة إلى المزيد من التدهور ما يثير مخاوف الأمم المتحدة من انتكاسة أوضاع من تصنفهم بأنهم الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم.

وتواجه أقلية الروهينغا المسلمة، حملة عسكرية وحشية في ولاية “أراكان” الغربية في ميانمار، ولجأ أكثر من 1.2 مليون منها إلى منطقة “كوكس بازار”، جنوب شرق بنغلاديش.

وفي أغسطس 2017، أطلق جيش ميانمار وميليشيات بوذية متطرفة، حملة عسكرية دامية بحق الروهينغا، وصفتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة آنذاك بأنها “تطهير عرقي”. وتعتبر حكومة ميانمار، الروهينغا “مهاجرين غير نظاميين” من بنغلاديش.

ومنذ 25 أغسطس، يشن الجيش في ميانمار وميليشيات بوذية متطرفة حملة عسكرية ومجازر وحشية ضد الروهينغا في أراكان.

وأسفرت الجرائم المستمرة عن لجوء قرابة مليون شخص إلى بنغلاديش، وفق الأمم المتحدة.

ومنذ ذلك التاريخ، قُتل حوالي 24 ألف من مسلمي الروهينغا على يد القوات الحكومية، وفقًا لتقرير صادر عن “وكالة أونتاريو للتنمية الدولية” (غير حكومية- مقرها كندا).

وأفاد التقرير بأن أكثر من 34 ألف من الروهينغا أُلقي بهم في النيران، وتعرض ما يزيد عن 114 ألف آخرين للضرب.

وأضاف أن 18 ألف امرأة وفتاة من الروهينغا تعرضن للاغتصاب من جانب قوات الجيش والشرطة في ميانمار. كما تم إحراق أكثر من 115 ألف منزل للروهينغا، وتعرض 113 ألف منزل آخر للتخريب، بحسب التقرير.

واستولى جيش ميانمار على السلطة الإثنين في انقلاب على حكومة أونغ سان سو تشي المنتخبة ديمقراطيا والحاصلة على جائزة نوبل للسلام التي اعتُقلت مع زعماء آخرين من حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية.

وأعلن الجيش في بيان على محطة تلفزيونية تابعة له أنه نفذ اعتقالات ردا على “تزوير الانتخابات” وسلم السلطة لقائد الجيش مين أونغ هلينغ وفرض حالة الطوارئ لمدة عام.

ونشرت صفحة لحزب سو تشي على فيسبوك تم التحقق منها تعليقات، قالت إنها كُتبت تحسبا لوقوع انقلاب ونقلت عنها قولها إن على الناس الاحتجاج على استيلاء الجيش على السلطة.

ويعطل الانقلاب مسار سنوات من الجهود المدعومة من الغرب لإرساء الديمقراطية في ميانمار، التي كانت تعرف سابقا باسم بورما.

وجاء تحرك الجيش قبل ساعات من موعد انعقاد البرلمان للمرة الأولى منذ الفوز الساحق لحزب الرابطة الوطنية في الانتخابات التي أجريت في الثامن من نوفمبر والتي اعتبرت بمثابة استفتاء على الحكم الديمقراطي الوليد لسو تشي.

وفاز حزب سو تشي بنسبة 83 في المئة من الأصوات في ثاني انتخابات فقط تجرى منذ أن وافق مجلس عسكري على تقاسم السلطة في 2011.

وقوبلت انتخابات نوفمبر ببعض الانتقادات في الغرب بسبب حرمان الكثير من الروهينغا من حقوقهم، لكن مفوضية الانتخابات رفضت شكاوى الجيش بخصوص حدوث تزوير.

ويأتي الانقلاب الذي نفّذه الجيش بعد سنوات من تقاسم للسلطة بالغ الحساسية بين الحكومة المدنية والعسكريين الذين يتمتعون بنفوذ كبير جداً في البلاد.

وأصبح الجنرال ميينت سوي، الذي كان يدير القيادة العسكرية النافذة في رانغون ويشغل منصب نائب الرئيس الحالي، رئيساً مؤقتاً للبلاد لمدة عام، وهو منصب فخري إلى حدّ بعيد.

وباتت السلطات “التشريعية والإدارية والقضائية” بيد الجنرال مين أونغ هلينغ، الذي أصبح عملياً يملك شبه كامل السلطات.

وهذا الانقلاب الذي أثار موجة تنديد دولية عارمة، ليس الأول: فمنذ استقلالها عام 1948، حكمت ميانمار أنظمة عسكرية لقرابة خمسين عاماً. وحصل انقلابان في عامي 1962 و1988.

ووضع المجلس العسكري الدستور الحالي عام 2008، قبل أن يسلّم السلطة تدريجياً إلى المدنيين بعد ثلاثة أعوام.

ويعطي الدستور للجيش الحق في السيطرة على ثلاث وزارات أساسية هي الداخلية والدفاع والحدود، ما يضمن للمؤسسة العسكرية أن تكون لديها سيطرة جزئية على السياسة في ميانمار.

وأكد المحلل السياسي سو ميينت أونغ أن الجيش قام بكل ما بوسعه لمنع وصول “سيدة رانغون” إلى الحكم، إلا أنه لم يتوقع هذه الثغرة. وأضاف أن العسكريين كانوا غير راضين على الإطلاق بعد أن “فقدوا السيطرة بشكل كبير على الآلية السياسية”.

وقادت الأمم المتحدة إدانة الانقلاب والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وإعادة الديمقراطية في تصريحات تشابهت مع ما أدلت بها أستراليا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والهند واليابان والولايات المتحدة.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن “يجب على الجيش التراجع عن هذه الإجراءات على الفور”، بينما أصدرت السفارة الأميركية في يانغون تحذيرا للمواطنين الأميركيين بخصوص “احتمال حدوث اضطرابات مدنية وسياسية”.

ودعت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وميانمار من أعضائها، إلى “الحوار والمصالحة والعودة إلى الوضع الطبيعي”، بينما في بانكوك اشتبكت الشرطة مع مجموعة من النشطاء المؤيدين للديمقراطية أمام سفارة ميانمار.

وقال مسؤول في الحكومة التايلاندية عن أحداث ميانمار إنها “شأن داخلي”، وهو نهج عدم تدخل اتبعته ماليزيا والفلبين أيضا.

وندّد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الاثنين “بشدة” في تغريدة بالانقلاب مطالباً بالإفراج عن “جميع الذين اعتُقلوا بشكل غير قانوني”.

وكتب ميشال في تغريدة “أدين بشدة الانقلاب في بورما وأدعو العسكريين إلى الإفراج عن جميع الذين اعتُقلوا بشكل غير قانوني أثناء مداهمات في أنحاء البلاد. يجب احترام نتيجة الانتخابات واستعادة العملية الديمقراطية”.

واعتبر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في تغريدة أيضاً أن “شعب ميانمار يريد الديمقراطية. والاتحاد الأوروبي معه”.

العرب