جرت عدة محاولات لفك الاستعصاء في الوضع السياسي اللبناني، يذكر منها قيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الماضي بزيارتين إثر الانفجار المدمر الذي هز العاصمة بيروت، وكانت هناك زيارة مميزة في وقت مناظر لمبعوث الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، وكذلك زيارة لنائب رئيس الوزراء القطري، وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قبل أيام.
الوزير القطريّ طالب الأطراف بـ«تغليب المصلحة الوطنية» وأبدى استعداد الدولة الخليجية لدعم تشكيل الحكومة و«رأب الصدع» ويأتي ذلك بعد تصريح يلخّص اقتراب موقف الإليزيه من اليأس في إمكانية حلحلة الوضع، ويلخّص تصريح لماكرون صدر الشهر الماضي هذا بقوله إن النظام اللبناني في مأزق بسبب «الحلف الشيطاني» بين الفساد والترهيب.
رفع اغتيال الباحث والناشط اللبناني لقمان سليم وتيرة «الترهيب» والذي تزامن مع رفض مستمر من الرئيس اللبناني ميشال عون للتشكيلات التي يقدّمها رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، الذي يرفض وجود «ثلث معطّل» ويطالب بحكومة تقنيين غير حزبية.
خلال خطاب متلفز، في الذكرى السادسة عشرة لاغتيال والده، رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، كشف رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري أمس عن أن «مسلسل الاغتيالات مستمر» كما أوضح كواليس تشكيل الحكومة، متّهما، ضمنيّا، الرئيس عون بالكذب، في خصوص الادعاءات بـ«إهانة موقع رئاسة الجمهورية» والمقصود بذلك هو إعطاء الرئيس حقّ تسمية الوزراء المسيحيين، الأمر الذي أكّد الحريري أنه لم يحصل.
يتجاوز عدم قبول الرئيس اللبناني لاقتراحات الحريري، على ما يبدو، التزام الأخير بالأسماء التي اقترحها عون، وتيّاره السياسي، وهو يعكس، بالأحرى، التزاما، واستقواء، بـ«الفيتو» الذي يضعه «حزب الله» على تشكيل حكومة لا تضم ممثلين عنه، أو لا تسمح له بـ«ثلث معطّل» عبر وزراء يفرضهم شريكه السياسي عون.
تحاول التدخّلات الخارجية، وخصوصا الأمريكية، بهذا السياق، تغليب التوازنات العالمية على التوازنات الداخلية، والتي تستخدم فيها العقوبات ضد «حزب الله» وكذلك على جبران باسيل، رئيس التيار «الوطني الحر» وصهر رئيس الجمهورية النافذ، كما تستخدم الضغوطات المالية والسياسية.
تتركز الضغوط الداخلية، في المقابل، بالسيطرة التي يملكها «حزب الله» على الأرض، وعلى المكوّنات السياسية في لبنان، وهو ما يجعله يتخذ دور «الحزب الحاكم» (كما وصفته شقيقة الباحث سليم خلال العزاء) أو «الحزب الحاكم بأمر السلاح» كما قال مفوض الحكومة السابق لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، فيما يتموضع الرئيس عون، في دور «الحاكم المدمر» كما وصفه القائد السياسي اللبناني وليد جنبلاط، الذي يناصر «حزب الله» في تمرير سياساته اللبنانية.
ترتبط الصراعات الداخلية والخارجية بشكل وثيق، بالملفين الإيراني والسوري، فإيران المؤثرة بقرار «حزب الله» تساهم في منع الحصول على حكومة لبنانية لا يمكنها تعطيلها والتلاعب بأمورها، أو استخدامها للتخديم على مناطق نفوذها في المنطقة، ومن غير المعقول، في ظل صراعها الحاليّ مع الولايات المتحدة الأمريكية، على قضية إعادة الاتفاق النووي، أن تسمح بإخراج هذه الورقة من يدها.
يحاول اللبنانيون، منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، فكّ مركّبي الترهيب والفساد، عبر احتجاجات تم قمعها، وتأطيرها، وإضعافها، بشكل تدرّجي، وساهمت موجة وباء كورونا في تقديم أسباب جديدة لسجن أحلام اللبنانيين بالتغيير، ولا يبدو أن المتحكمين بالنظام السياسي مهتمون، بأقلّ درجة، بالهاوية الاقتصادية والاجتماعية التي تهوي إليها البلاد والعباد.
القدس العربي