الصندوق القومي اليهودي وتنفيذ وصية هرتزل

الصندوق القومي اليهودي وتنفيذ وصية هرتزل

«الصندوق القومي اليهودي» ركن أساسي من أركان المشروع الصهيوني في فلسطين، ولا عجب أنه تأسس في سنة 1901 خلال المؤتمر الصهيوني الخامس وبإلحاح شديد من تيودور هرتزل شخصياً. وقبل النكبة لعب الصندوق دوراً محورياً في بسط سيطرة اليهود على مئات الآلاف من الدونمات، وتواصلت ممارساته هذه بعد النكبة مع فارق أنها اشتملت على مصادرة أراضي المهجّرين و«الغائبين» الفلسطينيين، وتمليكها لليهود تحت الشعار الشهير «لا بيع للأراضي لأن الأرض لنا أصلاً».
وتشير المعطيات الراهنة إلى أن الصندوق يتملك قرابة 15٪ من الأراضي في فلسطين المحتلة، ويديرها من ضمن قاعدة تمييزية وعنصرية مفادها أن الأرض لليهود ولا يحق للفلسطينيين تملكها أو الإقامة عليها. وقد تواصلت هذه السياسة خلال العقود التي كان فيها الصندوق تحت سيطرة حزب العمل، ولم تتغير أيضاً بعد أن آلت القيادة إلى اليمين المتدين والاستيطاني، كما لم تتأثر بالأحكام الشكلية التي صدرت عن المحكمة العليا الإسرائيلية بناء على شكاوى من منظمات محلية وعالمية معنية بحقوق الإنسان والقانون الدولي، لأن معظم تلك الأحكام كانت في واقع الأمر تشترط تعويض الصندوق بمساحة مماثلة لكل قطعة أرض يكسب أي صاحب شكوى فلسطيني الحق في استملاكها.
ورغم أنه كان سند الاستيطان الأقدم، سواء عن طريق التمويل المباشر أو استخدام وسائل وسيطة، فإن حرص الصندوق على جلب ملايين التبرعات من يهود العالم والدول الغربية المتعاطفة مع دولة الاحتلال حال دون دخوله على خط تمويل الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية بعد حرب 1967 بصفة خاصة. ولكن مجلس إدارة الصندوق قطع مؤخراً خطوة نوعية بصدد هذه السياسة فصادق مجلس إدارته على مشروع قرار يبيح له المشاركة في توسيع مستوطنات إسرائيلية على تخوم الخليل ورام الله وبيت لحم ومناطق أخرى.
مشروع القرار لن يصبح نهائياً ويوضع قيد التطبيق الفعلي إلا بعد موافقة مجلس الصندوق، وكان زير الدفاع بيني غانتس قد استبق الخطوة فكتب إلى رئيس الصندوق يحثه على تأجيل المصادقة على المشروع بالنظر إلى حساسيته في المرحلة الراهنة وما يمكن أن يثيره من إشكاليات مع الإدارة الأمريكية الجديدة. كذلك عبر الحاخام ريك جاكوبس، رئيس حركة الإصلاح اليهودي الأمريكية، عن تحفظه على خطوة الصندوق لأسباب تتعلق بإرباك عمل مجموعات الضغط اليهودية في جمع التبرعات للصندوق، خاصة من طرف الدول التي تعتبر أن الاستيطان في الضفة الغربية مخالف للقانون الدولي.
ومع ذلك كله فإن من غير المرجح أن يتراجع الصندوق عن الخطوة لسبب جوهري أول هو وظيفته التاريخية في خدمة الاستيطان بوصفه ركيزة كبرى في المشروع الصهيوني، ولسبب ثان هو أن اتساع رقعة الاستيطان خلال السنوات الأخيرة بات هو تياراً جارفاً يشمل الحكومة والأحزاب وشرائح عريضة في الشارع الإسرائيلي. صحيح أن سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد شجعت على هذا النمو المتسارع، وأن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن قد تكبح جماحه في قليل أو كثير، إلا أن خطوة الصندوق اليهودي إنما تسير مع التيار إياه، وتطبّق ما أوصى به هرتزل قبل 120 سنة.

القدس العربي