يعتبر تطبيق اتفاق البريكست بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي أصعب من الوصول إليه نفسه، فبعد أسابيع قليلة من إعلان الاتفاق التاريخي لخروج المملكة من التكتل الأوروبي، ظهر أول مؤشرات الخلاف بين الطرفين، وكما كانت البحار آخر وأعقد نقطة تم الاتفاق عليها، فهي الآن أولى نقاط الخلاف لدرجة تلويح لندن بإطلاق “حرب المياه”.
وفجّرت صحيفة “تلغراف” (Telegraph) البريطانية قنبلة بنقلها عن مصادر حكومية نية رئيس الوزراء بوريس جونسون الدخول في حرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي، كرد على قرار الأخير حظر العديد من المنتجات السمكية القادمة من المملكة المتحدة، وفي مقدمتها المحار.
هذه المواجهة تأتي في وقت لا تمر فيه العلاقات بين الطرفين بأفضل حالاتها، بعد أسابيع من حرب اللقاحات التي كادت أن تتحول لأزمة دولية، بعد قرار الاتحاد الأوروبي وضع قيود على تصدير اللقاحات خارج أراضيه، ثم التراجع عنه لما فيه من خطورة دبلوماسية وسياسية.
خطوة الاتحاد الأوروبي وضع قيود تصل لحد حظر بعض المنتجات البحرية البريطانية، يمكن أيضا وضعها في سياق الرد على لندن التي استعملت ورقة الصيد البحري بشكل ذكي للضغط على الأوروبيين من أجل الوصول لاتفاق تجاري بلغت قيمته 500 مليار دولار، بالنظر إلى أهمية الصيد في مياه بريطانيا بالنسبة لدول الاتحاد، خصوصا فرنسا وهولندا وإسبانيا.
تلويح بالحرب
ما سرّبته صحيفة تلغراف حول نية المملكة المتحدة خوض حرب مياه مع الاتحاد الأوروبي، يأتي نتيجة لغضب جونسون من هذا القرار الذي يعتبره رغبة في إحراجه داخليا، خصوصا أن هناك تقارير تحدثت عن تعهد أوروبي بالإبقاء على ملف تصدير المحار البريطاني نحو أوروبا على طاولة المفاوضات، وعدم اتخاذ أي قرار بشأنه.
وتبحث الحكومة البريطانية حاليا خطة من أجل منع استيراد المياه المعدنية وبعض المواد الغذائية من الاتحاد الأوروبي، بما لا يشكل ضررا على السوق البريطانية، وفي نفس الوقت يضع الضغط على الأوروبيين للتراجع عن قرارهم فيما يتعلق بمنع المحار وبعض الأنواع من المنتجات البحرية.
وحتى الآن لم تقدِم الحكومة البريطانية على هذه الخطوة، ولهذا ذهبت بعض التحليلات الاقتصادية إلى كون تسريب الخبر هو من باب الطلقة التحذيرية للأوروبيين، من أجل التفاوض حول هذا الخلاف وعدم منع الفواكه البحرية البريطانية من دخول السوق الأوروبية.
وبدأ البريطانيون التخلي عن برودة أعصابهم المعهودة بعد ما ظهر من تشدد من طرف الاتحاد الأوروبي، حيث أعلنت المفوضية الأوروبية أن بعض الفواكه البحرية سوف يتم حظرها ربما إلى الأبد، لأنها انتقلت من التصنيف “أ” الذي يطابق معايير الاتحاد الصحية، إلى التصنيف “ب” الذي تخضع له الدول من خارج الاتحاد.
ومما زاد من غضب حكومة جونسون، رفض المفوضة الأوروبية للصحة وسلامة الغذاء ستيلا كيرياكيدس، طلبا للقاء وزير البيئة البريطاني جورج يوستيس من أجل التفاوض بشأن حل هذا الخلاف.
كما كانت البحار آخر وأعقد نقطة تم الاتفاق عليها فهي الآن أول نقطة خلاف بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي (غيتي إيميجز)
ضغوط على جونسون
ويواجه رئيس الوزراء البريطاني ضغوطا متزايدة أولا من نواب حزبه المؤيدين بشدة للبريكست، والذين يعرفون بمناهضي الاتحاد، حيث يطالب هؤلاء بالإقدام على خطوة “حرب المياه” ومنع المياه المعدنية الأوروبية من الوصول إلى السوق البريطانية، ومنهم من ذهب إلى حدّ منع السفن الأوروبية من الصيد في المياه البريطانية، وهي خطوة تنافي ما تم التوصل إليه في اتفاق البريكست.
أما الجهة الثانية التي تضغط بشكل كبير على جونسون فهي: العاملون في قطاع الصيد البحري، حيث أكد الاتحاد الوطني لمنظمات الصيادين البريطانيين -في بيان له- أن قرار الاتحاد الأوروبي “مدمر للعاملين في صيد المحار ولا يمكن ترك هذا الملف معلقا، وكل ما يصلنا أن هناك مفاوضات جارية لكن دون التوصل لأي نتيجة مرضية، وهذا يؤثر على الصيادين البريطانيين”.
ويبلغ حجم سوق المحار وبعض الفواكه البحرية الموجهة إلى التصدير حوالي 15 مليون جنيه إسترليني، لكنه يؤثر بشكل كبير على صغار الصيادين الذين يشكل هذا النشاط دخلهم الرئيسي، وتقع معظم المصايد المتأثرة في إنجلترا وويلز، وحتى الآن لم تنجح الحكومة في تحديد حجم الخسائر لأن بعض المنتجات البحرية تخضع لعملية “تنقية” تسمح لها بالتوافق مع المعايير الصحية الأوروبية.
ومن أجل تخفيف الضغط والحرج على جونسون، أعلنت وزارة البيئة والغذاء البريطانية أنها سوف تقدم حزمة من المساعدات تبلغ قيمتها 25 مليون دولار، من أجل مساعدة صناعة صيد الأسماك، خصوصا الصيادين ومصدّري المحار المتأثرين بالحظر الأوروبي، وستكون مفتوحة لبعض القوارب ومصدّري المحار الذين تضرروا من انخفاض الطلب محليا أثناء الإغلاق وتعطيل التصدير إلى الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من ضآلة قيمة هذه السوق بالنسبة للاقتصاد البريطاني، وكذلك تأثيرها على السوق الأوروبية، فإن الكثير من الخبراء الاقتصاديين، يذهبون لكون هذه المعارك في صلبها سياسية، فكل طرف يريد تسجيل موقف على الآخر، ولا يريد تقديم أي هدية للجهة المقابلة.
كما أن الأوروبيين لا يخفون حجم المرارة التي يشعرون بها من استعمال بريطانيا ورقة الصيد البحري لانتزاع اتفاق “لا غالب ولا مغلوب” مع التكتل الأوروبي.
ويكتسب هذا الخلاف أهميته لكونه أول خلاف يصل حدَّ التهديد بالحرب التجارية منذ بداية تطبيق بنود اتفاق الخروج، وسيكون مختبرا لمعرفة طريقة تصريف الخلافات بين الطرفين في مرحلة ما بعد البريكست.
المصدر : الجزيرة