بعد عامين على خروج بريطانيا الفعلي من الاتحاد الأوروبي، مازالت هذه الخطوة تترك وقعا مريرا لدى البريطانيين الذين تتصاعد انتقاداتهم للخطوة بعد أن تسببت بشكل مباشر في ارتفاع تكاليف المعيشة ونسبة التضخم. وبات التوجه إلى استفتاء ثان للانضمام مجددا إلى الاتحاد الأوروبي مسألة وقت لا غير.
لندن – يعكس تحذير عمدة لندن صادق خان من ضرر ”هائل” بسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي، انقلابا في الرأي العام البريطاني من (بريكست) إذ أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرا أن غالبية كبيرة من البريطانيين تريد إجراء استفتاء جديد بشأن الانضمام مجددا للاتحاد الأوروبي، بعد شعورهم بأن أوضاعهم الاقتصادية باتت أسوأ، واعتقادهم بأن نفوذ بلادهم قد تراجع على الساحة الدولية.
ودعا خان الخميس رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى الاعتراف بـ”الضرر الهائل” الناجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والإقرار بأن بريكست “لا يعمل”، في أحدث تعبير عن الاستياء العام المتزايد من سياسات حكومات حزب المحافظين المتعاقبة.
وقال خان، المنتمي لحزب العمال المعارض، “بعد عامين من الإنكار، علينا الآن مواجهة الحقيقة الصعبة: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يعمل”.
وأضاف أن “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أضعف اقتصادنا وكسر اتحادنا ولطّخ سمعتنا، ولا يمكنني ببساطة أن أبقى صامتا بشأن الأضرار الهائلة التي سببها بريكست”.
لكنه لا يرى أن الوضع “لا يمكن إصلاحه”، موضحا “نحن نحتاج إلى المزيد من التوافق مع جيراننا الأوروبيين – مقاربة مختلفة حيال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي القاسي والصعب، أي: نقاش براغماتي حول مزايا أن تكون الدولة جزءا من الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة”.
وبحسب عمدة لندن “لا أحد يريد أن يرى عودة الانقسام والطريق المسدود الذي سيطر على نظامنا السياسي لمدة خمس سنوات طويلة”.
وتابع “الحقيقة هي أن المركز المالي القوي في لندن تضرّر بشدة من فقدان عقود ومواهب ذهبت إلى أماكن أوروبية أخرى مثل باريس وأمستردام”.
أطلقت عبارة بريكست على الاتفاق الذي تم التفاوض عليه مطوّلا بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي من أجل تنظيم العلاقات بين الجانبين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، إثر استفتاء شعبي، دخل حيز التنفيذ في نهاية عام 2020.
وتأتي تصريحات عمدة لندن بعد أيام من استطلاع أجرته صحيفة الإندبندنت، وأظهر أن غالبية كبيرة من البريطانيين تريد إجراء استفتاء جديد بشأن الانضمام مجددا للاتحاد الأوروبي، بعد شعورهم بأن أوضاعهم الاقتصادية باتت أسوأ، واعتقادهم بأن نفوذ بلادهم قد تراجع على الساحة الدولية.
وبحسب الاستطلاع الجديد، الذي نشر الأحد غرة يناير 2023، فإن 65 في المئة من البريطانيين يرون ضرورة إجراء استفتاء بشأن العودة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، ليشهد ارتفاعا من 55 في المئة قبل عام، فيما انخفضت نسبة من يرون عدم إجراء استفتاء جديد من 32 في المئة إلى 24 في المئة.
65 في المئة من البريطانيين يرون ضرورة إجراء استفتاء بشأن العودة إلى الاتحاد الأوروبي
وفي ديسمبر 2022 نشر استطلاع للرأي قد أشار إلى أن التأييد لبريكست قد انخفض إلى أدنى مستوى له حتى الآن، حيث قال 32 في المئة فقط ممن شملهم الاستطلاع الذي أجرته شركة يوغوف؛ إنهم يعتقدون أن مغادرة الاتحاد الأوروبي كانت فكرة جيدة، بينما قال 56 في المئة إنها كانت خطأ.
وكان سريان خروج بريطانيا من الاتحاد قد بدأ فعليا في الحادي والثلاثين من يناير 2020، لكن كانت هناك مرحلة انتقالية حتى نهاية ديسمبر الماضي، وهو ما يعني خضوع بريطانيا لبعض قوانين الاتحاد الأوروبي وعضوية السوق المشتركة حتى نهاية العام الماضي.
ووفق الاستطلاع الجديد، فإن البريطانيين يعتقدون أن نفوذ بلادهم في العالم، وقدرتها على ضبط الحدود قد شهدت تراجعا أيضا. وهذا، إلى جانب الوضع الاقتصادي، ساهم في زيادة الرغبة بإجراء استفتاء جديد.
وقال كريس هوبكنز، من مؤسسة سافاتنا التي أجرت الاستطلاع الأخير، إن الكثيرين قد ضخّموا المنافع المحتملة لبريكست، مضيفا أنه من الصعب تصور أن عضوية الاتحاد الأوروبي يمكن أن تحل المشكلات الاقتصادية الحالية للبلد.
وأوضح هوبكنز أن تصور بريكست قضية تشديد القيود على الحدود لم تكن تعني استعادة السيطرة على الحدود، وفق ما وُعد به المصوِّتون لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
كما أظهر الاستطلاع أن 56 في المئة من البريطانيين يقولون إن بريكست جعل أوضاعهم الاقتصادية أسوأ، مقابل 44 في المئة قبل عام.
ومع انتهاء المرحلة الانتقالية وتصاعد الأزمة الاقتصادية في بريطانيا، تجدد الجدل حول الآثار الاقتصادية للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بينما دعا اتحاد الغرف التجارية البريطانية، الحكومة للنظر مجددا في طرق تحسين التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي.
تشير التقديرات الرسمية من مكتب مسؤولية الميزانية إلى أن خسارة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تزيد على 1250 جنيها إسترلينيا للفرد على امتداد السنوات القادمة، أي أنها تفوق مكاسب البلاد من الصفقات التجارية بأكثر من 178 مرة.
ووفقا لتحليل الأرقام الحكومية، تبين أن قيمة جميع الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها المملكة المتحدة منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي لا تتجاوز 50 بنسا للفرد سنويا.
وفي تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، قال الكاتب جون ستون إن جميع اتفاقيات حكومة بوريس جونسون السابقة التجارية الجديدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستحقق مجتمعة فائدة اقتصادية تتراوح بين 3 و7 جنيهات إسترلينية فقط للفرد على مدار الأعوام الـ15 القادمة، وذلك وفقا لأرقام الحكومة الرسمية.
وبينما تُعد المملكة المتحدة الدولة الوحيدة بين دول مجموعة السبع التي لم تعُد بعد إلى الناتج المحلّي الإجمالي قبل وباء كورونا، فإنّ مكتب مسؤولية الموازنة يقدّر أنّ مغادرة الاتحاد الأوروبي ستقلّل من حجم الاقتصاد البريطاني بنحو 4 في المئة على المدى الطويل.
ويرى العديد من خبراء الاقتصاد أنّ بريكست أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد، الذي بات اليوم على حافة الانكماش، وذلك من خلال خنق التجارة الخارجية أو الاستثمار التجاري أو عن طريق التسبّب في انخفاض الجنيه الإسترليني، ممّا أدى إلى تفاقم التضخّم الذي يقترب حاليا من 11 في المئة ويسبب أزمة خطيرة في كلفة المعيشة.
ويقول جوناثان بورتس خبير الاقتصاد في كينغز كولدج “هناك درجة معقولة من الإجماع على أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قلّص التجارة الخارجية لبريطانيا بنحو 10 – 15 في المئة مقارنة بسيناريو عدم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
العرب