العلاقات بين المملكة المتحدة وأوروبا صعبة ولكنها في تحسن

العلاقات بين المملكة المتحدة وأوروبا صعبة ولكنها في تحسن

لندن – منذ انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بعد الاستفتاء الذي أجري في الثالث والعشرين يونيو 2016، حيث صوت 51.9 في المئة لصالح الانسحاب، برزت عدة إشكاليات كادت أن تهدد مسار التعاون المستقبلي بين الجانبين.

وقال الباحث بيبين برغسن والبروفيسور ريتشارد جي ويتمان والباحثة أليس بيلون جالاند في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس البريطاني والمعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية، إن العلاقات بين المملكة المتحدة وبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تحسنت مؤخرا، ويجب على الجانبين الآن الاستفادة أكثر من هذه الأمور على الرغم من العلاقة التي لا تزال صعبة، وإن كانت تتحسن بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وحتى وقت قريب، تداخلت علاقات المملكة المتحدة الصعبة مع بروكسل مع محاولاتها لإيجاد طرق جديدة للتعامل مع الشركاء الأوروبيين خارج إطار الاتحاد الأوروبي.

ولا ترى حكومة المحافظين الجديدة بقيادة ريشي سوناك فائدة سياسية تذكر في العلاقات العدائية مع الاتحاد الأوروبي، ويبدو أنه لم يعد هناك المزيد من الصدامات الشخصية بين القادة من الجانبين.

حتى في أكثر الجوانب انقساما في العلاقات بين بروكسل ولندن، يبدو أن هناك تغييرا في اللهجة على كلا الجانبين

وهذا واضح في النهج البناء من كلا الجانبين في المناقشات الحالية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حول التعديلات المحتملة على بروتوكول أيرلندا الشمالية، والتي يأمل الجانبان في الانتهاء منها في الأشهر المقبلة.

ويقول الباحثون إن الوقت ضمّد أيضا بعض جراح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في القارة، حيث أصبح خروج المملكة المتحدة من التكتل الأوروبي الآن مقبولا ببساطة كحقيقة واقعة من قبل المحاورين الأوروبيين.

وقد ساعد على ذلك حزب العمال الذي يمثل المعارضة الرئيسية في المملكة المتحدة، بعدم رغبته في تغيير الخطوط العريضة الأساسية للعلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من أنه يقترح تعاونا أوثق وتنسيقا أكثر انتظاما بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، إلا أن خططه لا تترك أي احتمال لانضمامها إلى الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي أو السوق الموحدة في أي وقت قريب.

وشهد العام الماضي تنفيذ شعار أن المملكة المتحدة “تغادر الاتحاد الأوروبي وليس أوروبا”، حيث أثبتت لندن أنها واحدة من الدول الأوروبية الرائدة التي تدعم أوكرانيا وجيرانها بعد الغزو الروسي.

ويظهر التعاون الوثيق، مع العقوبات المنسقة والعمل الجماعي بفعالية على توريد الأسلحة وغيرها من المساعدات إلى أوكرانيا، أن التعاون الهادف عبر القنال أمر بالغ الأهمية وممكن في العديد من مجالات السياسة.

ويرى الباحثون أن علاقات المملكة المتحدة مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المتاخمة لروسيا هي الأكثر ودية بشكل ملحوظ، وكان هناك تعميق مستمر للتعاون في مجال الأمن والدفاع، حتى خلال ذروة توترات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وأدى غزو أوكرانيا إلى تقريب المملكة المتحدة وحلفائها الأوروبيين من بعضهم البعض بناء على مشاركة المملكة المتحدة الغنية من خلال حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والأشكال متعددة الأطراف مثل قوة المشاة المشتركة بقيادتها في منطقة الشمال والبلطيق، وتعزيز الاتفاقيات الثنائية والضمانات الأمنية مع دول مثل إستونيا والسويد وفنلندا.

ويقول الباحثون إن دعم أوكرانيا وضمان أمن القارة الأوروبية يجب أن يستمر في التقريب بين المملكة المتحدة وشركائها، وفي ما يتعلق بمشاريع القدرات، أعلنت المملكة المتحدة وإيطاليا مؤخرا أنهما ستطوران طائرة مقاتلة من الجيل السادس جنبا إلى جنب مع اليابان.

ولا يزال عدم تواجد المملكة المتحدة على الطاولة في بروكسل يشكل عقبة كبيرة بالنسبة إلى الكثير من مجالات السياسة، حيث يعني ذلك أن بريطانيا تخاطر بأن تصبح أكثر انفصالا عن الاقتصاد الأوروبي في القطاعات الحيوية المهمة للمستقبل.

وعلى سبيل المثال، لا تشارك المملكة المتحدة في العديد من المناقشات المهمة حول السياسة الصناعية وجدول أعمال الاستقلال الإستراتيجي في الاتحاد الأوروبي، وهما مجالان يشهدان استثمارا في موارد كبيرة وطاقة سياسية، على سبيل المثال، حيث يبني الأوروبيون استجابتهم المشتركة لقانون الحد من التضخم في الولايات المتحدة.

لكن مشاركة المملكة المتحدة في بعض المبادرات الأقل تأثيرا والمتعلقة بالاتحاد الأوروبي أحرزت تقدما، مثل قرار الانضمام إلى مشروع “بيسكو” للتنقل العسكري، والذي يعد جزءا من جهود الاتحاد الأوروبي لتعميق التعاون الدفاعي بين الدول الأعضاء فيه.

وعلاوة على ذلك، فإن المشاركة البريطانية في “المجتمع السياسي الأوروبي” المُنشأ حديثا، وهي صيغة حكومية دولية تتألف من دول الاتحاد الأوروبي والدول غير الأعضاء، ترسل إشارة إيجابية إلى انفتاح المملكة المتحدة على إعادة الانخراط مع القارة.

إعادة بناء الثقة البطيئة تُظهر أن الفترة الحالية هي اللحظة المناسبة ليس فقط لمناقشة المجالات ذات الاهتمام المشترك ولكن للبدء في بناء طرق أكثر تنظيما وطويلة الأجل للتعاون

وتجدر الإشارة إلى أن المشاركات الثنائية لن تصلح العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو تعالج التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يفرضها خروجها من الاتحاد الأوروبي مثل زيادة الحواجز التجارية، أو تقود الدول الأعضاء للضغط على الاتحاد الأوروبي لتقديم تنازلات في المناقشات حول قضايا مثل بروتوكول أيرلندا الشمالية والمشاركة البريطانية في برنامج “هورايزون يوروب”، وهي مبادرة بحث علمي مدتها 7 سنوات تابعة للاتحاد الأوروبي.

ولكن حتى في أكثر الجوانب انقساما في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، يبدو أن هناك تغييرا في اللهجة على كلا الجانبين.

ويمكن القيام بالمزيد خارج هياكل الاتحاد الأوروبي، مثل العمل من أجل التغير المناخي، أو في مجالات السياسة التي لا يتمتع فيها الاتحاد الأوروبي بالكفاءة مثل أزمة الطاقة.

وتعد الطاقة تحديا سياسيا رئيسيا يواجه الحكومات في جميع أنحاء القارة، ولعبت المملكة المتحدة دورا مهما في ضمان ملء مستودعات تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي قبل فصل الشتاء

ويرى الباحثون أن إعادة بناء الثقة البطيئة تُظهر أن الفترة الحالية هي اللحظة المناسبة ليس فقط لمناقشة المجالات ذات الاهتمام المشترك ولكن للبدء بنشاط في بناء طرق أكثر تنظيما وطويلة الأجل للتعاون، والحفاظ عليها بطريقة ما من صعود وهبوط التغييرات والأزمات السياسية.

ويعد هذا أكثر أهمية لأن الضرورات السياسية المحلية قد تتداخل مؤقتا مرة أخرى في عام 2024 مع انتخابات عامة أخرى في المملكة المتحدة.

ولا يزال هناك مجال لعمل المزيد وتوسيع نطاق المناقشات. وأظهر العام الماضي أن المملكة المتحدة لديها الكثير لتقدمه لشركائها الأوروبيين، فضلا عما تكسبه لندن من التعاون الوثيق مع جيرانها في القضايا ذات الاهتمام المشترك. والآن هو الوقت المناسب للبناء على ذلك الزخم.

العرب