الغضب الشعبي يكشف اهتراء شرعية البرلمان التونسي

الغضب الشعبي يكشف اهتراء شرعية البرلمان التونسي

اتجهت أنظار المتابعين التونسيين للتركيز على اختلاف القراءات الدستورية والمواقف السياسية بشأن مدى مشروعية وجود البرلمان المنبثق عن الانتخابات التشريعية، التي تم إجراؤها أواخر سنة 2019، في ظل الغضب الشعبي جراء الجمود، الذي بات السمة الطاغية على نشاط المؤسسة التشريعية نتيجة الحسابات والاختلافات الأيديولوجية بين القوى السياسية التي تعمل تحت قبته.

تونس – تزايدت انتقادات الأوساط السياسية والقانونية الموجهة للبرلمان التونسي، والذي بات مؤسسة دستورية فاقدة للفاعلية بالنظر إلى الجمود، الذي بات يعتريه، وبدل أن يكون سندا لتحقيق مطالب الشعب أضحى عائقا يعرقل المسار الديمقراطي الهش.

ويلحظ المتابعون للمشهد السياسي أن البرلمان، المنقسم على نفسه، يصطدم بحزمة من المطبات والعقبات، أضعفت طبيعة نشاطه، وسط رفض شعبي متنام للمنظومة التي جاءت به، والتي تطالب بتغييره بعد السجالات السياسية العقيمة التي تسببت في الوصول إلى الوضع الراهن.

وبالنظر إلى الحالة السائدة، التي بات عليها البرلمان بعد عام ونصف العام من تشكيله، اعتبر الكثير من المراقبين أن الوقت قد حان من أجل تعديل أوتاره خاصة وأن المؤسسة التشريعية لم تعد تحترم المنظومة الانتخابية.

وضعت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي رأسها عياض بن عاشور سنة 2011 والتي كلفت بتكوين مؤسسات تشرف على الانتقال الديمقراطي في تونس نواة القانون الحالي.

وبعد مسار سياسي متقلب، أفرزت الانتخابات التشريعية في العام 2019 فيسفساء من الكتل النيابية داخل البرلمان، لم تجد طريقا لأي توافق، مما دفع أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ إلى اعتبار أن مجلس نواب الشعب الحالي غير شرعي نظرا لعدم احترامه المنظومة الانتخابية.

وقال محفوظ في مداخلة له على هامش ندوة نظمت حول القانون الانتخابي مؤخرا إن البرلمان “غير شرعي، فنوابه منتخبون بمقتضى أمر يعود إلى سنة 2011 ويتعلق بتقسيم الدوائر بالنسبة إلى المجلس الوطني التأسيسي والحال أنه كان لا بد لانتخابات 2019 أن تقوم على أساس تقسيم دوائر جديدة وعدد مقاعد جديد بموجب قانون يصدر سنة قبل انتخابات سنة 2019 طبق الفصل 106 من القانون الأساسي المتعلق بانتخابات 2014”.

وأوضح أن هذا “الخرق للمنظومة الانتخابية تم بتزكية ورعاية وحماية من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي يفترض أن يكون دورها ضمان انتخابات حرة و نزيهة وشفافة. كما أن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية معطلتان”.

وتتباين آراء خبراء القانون، حول مسألة شرعية البرلمان الحالي من عدمها، وسط قراءات وتفسيرات مختلفة تعلقت أساسا بالفشل في أداء المهمات التي أوكلت إليه.

ويرى الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي، أن “المسألة تطرح من زاوية الشرعية القانونية والمشروعية الشعبية”. وقال لـ”العرب”، إن “مسألة الشرعية تتعلق بالإحراج الذي وقع للنواب والكتل بعد صدور نتائج تقرير دائرة المحاسبات، وبالعودة إلى الفصل 163 للقانون الانتخابي، فإن النص يتحدث عن إسقاط القائمات الانتخابية في غضون 6 أشهر”.

ولفت إلى أنه يمكن الحديث عن الزاوية المنسية لحل البرلمان، باعتبار أن الزاوية الدستورية غير متوفرة الآن، في ظل التصويت على حكومة هشام المشيشي، وتبقى الحالة الواقعية هي أن يتم إسقاط القائمات الانتخابية المتعلقة بالتمويلات الخارجية.

وكانت فضيلة القرقوري، رئيسة دائرة بمحكمة المحاسبات قد قالت في وقت سابق إن المحكمة رصدت أثناء الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019 عدة اخلالات التي شابت الحسابات المالية للمترشحين وشرعية الموارد ومجالات إنفاقها وعدم الإفصاح عن مصادر التمويل واستعمال مال مشبوه غير مصرّح به في الحملات الانتخابية وعدم احترام أحكام مرسوم الأحزاب.

ويرى الخرايفي أن المنظومة الانتخابية تتدخل فيها عدة قوانين على غرار قانون الأحزاب، وقانون الجمعيات، وقانون سبر الآراء، وقانون هيئة الاتصال السمعي البصري، وقانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وقال “من المهم الحديث عن تنقيح القانون الانتخابي، لكن بعض الفصول الانتخابية لا تعطيك برلمانا يدخله الكفء والنزيه”، مبرزا أن “المشروعية الشعبية لمّا يكون البرلمان منتخبا من قبل أوسع قاعدة انتخابية، لكن الآن هناك برلمان وهناك أيضا احتجاجات”.

وبرأي الخرايفي فإن البرلمان أصبح مشكلة من الناحية السياسية لأنه يضم شخصيات مطلوبة من طرف القضاء “وسط تكتم رئيس البرلمان على هذه القائمة، وهو ما يشجع على الإفلات من العقاب”.

وبالمقارنة مع الوقت الذي تم إهداره، فإن الخرايفي يعتقد جازما أنه “لا يوجد منجز سياسي ومردود البرلمان ضعيف، بالإضافة إلى فشله في تركيز المحكمة الدستورية. وقال “البرلمان يفعل كل شيء إلا ما يطلبه التونسيون والتونسيات”.

وتطرح النتائج التي نشرتها محكمة المحاسبات في تقريرها بشأن مراقبة الانتخابات التشريعية والرئاسية التونسية التي جرت العام الماضي، وكشفت جملة من الخروقات الحزبية، مسألة إصلاح المنظومة الانتخابية بمختلف عناصرها وفي مقدمتها تعديل القانون الانتخابي بالبلاد.

ترى شخصيات وأحزاب سياسية تونسية أن القانون الانتخابي الحالي يمثل عائقا أمام تقدم مسار الممارسة الديمقراطية بالبلاد.

واعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية بالبرلمان، عبدالرزاق عويدات، خلال تصريح لـ”العرب” أنه “ليس لنا قانون بديل لمرسوم 2011، وعلى البرلمان أن يناقش النظام الانتخابي الحالي، وطالما أنه لم يكن هناك نظام برلماني جديد لا يمكن الحديث عن ذلك”.

وأكد أنه لا بد من العودة إلى نتائج تقرير دائرة المحاسبات، وفي هذه الحالة لا يُحلّ البرلمان وإنما يتم إجراء انتخابات جزئية بناء على ما ورد في التقرير.

وتشهد البلاد حالة من الانسداد السياسي، فبينما يرفض الرئيس قيس سعيّد أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد المقترحين في التعديل الوزاري ويعتبر أنه تحوم حولهم شبهات فساد، يتمسك المشيشي بإقرار التعديل مسنودا بالحزام السياسي لحكومته (حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة).

وأشار عويدات في هذا الشأن إلى أن سحب الثقة من رئيس الحكومة مسألة سياسية، والإشكال بين المشيشي وقيس سعيد قانوني بالأساس.

ويرى مراقبون أن البرلمان الحالي فقد وزنه السياسي، عبر فقدان منسوب الثقة لدى التونسيين فيه. وأفاد المحلل السياسي طارق الكحلاوي في تصريح لـ”العرب”، أن “هناك اهتراء كبيرا لمصداقية البرلمان منذ سنوات، وأصبح المؤسسة الأقل ثقة لدى التونسيين”.

وثمة مجموعة كتل، بحسب الكحلاوي، تسعى لبناء شعبيتها للانتخابات القادمة عبر الصراعات والعنف على غرار الدستوري الحر وكتلة ائتلاف الكرامة، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي يواجه صعوبات كبيرة في تسيير المؤسسة التشريعية، وكان خيارا خاطئا له بوضع كل بيض النهضة في سلة واحدة.

ومن هنا، لا يرى الكحلاوي لإصلاح الوضع الاقتصادي سوى تشكيل حزام برلماني حقيقي، وإن لم يحدث ذلك فإن هذا البرلمان سيواصل انحداره.

العرب