البابا في العراق.. مصالحة أديان واليهود خارج المحفل رغم “الإبراهيميات”

البابا في العراق.. مصالحة أديان واليهود خارج المحفل رغم “الإبراهيميات”

إن زيارة البابا التاريخية إلى العراق رغم تهديدات كورونا والإرهاب، جزء من جهوده المتواصلة للمصالحة بين المسيحية والإسلام من خلال الحوار مع زعماء دينيين إسلاميين براغماتيين، والدفاع بهذه الطريقة عن الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط. تثير الزيارة مشاعر الإنسانية كلها، مثلما تثير مشاعري كابنة لوالدين سليلي بلاد النهرين.

تستقبل محافل عديدة في العراق الممزق، المضرجة أراضيه بدماء ضحايا النزاعات الدينية والطائفية، رسائل المصالحة والسلام المعارضة للإرهاب، ورسائل المساواة من زعيم العالم المسيحي بأذرع مفتوحة. لقاؤه مع الزعيم الشيعي الأكبر في العراق، آية الله علي السيستاني، في مدينة النجف المقدسة، جاء لدفع جهوده هذه إلى الأمام. وذلك في ضوء المس بالمسيحيين وبمواقعهم الدينية في العراق من قبل “داعش” السني والميلشيات الشيعية، والتخوف أن يكون مصيرهم كمصير يهود العراق لقلة أعدادهم.

درة تاج الزيارة هو الاحتفال على آثار مدينة أور في وسط العراق، مكان ولادة أبينا إبراهيم وعرش ديانات التوحيد، وفقاً لليهودية والمسيحية والإسلام. وكانت في مركز الاحتفال صلاة مشتركة قرب الموقع المقدس السومري العتيق في المكان تحت عنوان “صلاة لأبناء إبراهيم وبناته”. وحسب الفاتيكان، فقد دعي اليهود أيضاً للمشاركة في الصلاة، ولكنهم لم يحضروا كما يبدو. وافتقد مكانهم في مشهد صورة البابا على المنصة مع ممثلي الطوائف والأديان. ولم يذكر الموقف العراقي في الحدث اليهود البالغ عددهم في العراق أقل من عدد أصابع كف اليد الواحدة. يخيل أن هذا جزء من محاولة مقصودة لإخفاء وجودهم ودورهم المهم في تاريخ العراق. ولكن في احتفال أربيل عاصمة الإقليم الكردي –بالمقابل- شارك ممثلو اليهود من وزارة الشؤون الدينية بحكومة الإقليم الكردي في الوفود الرسمية التي استقبلت البابا.

الكثير من أبناء العراق يشعرون بعدم ارتياح في ضوء تجاهل الحكومة في بغداد لليهود في سياق الزيارة، ويعبرون عن استيائهم في الشبكات الاجتماعية. عمر محمد، عراقي، يوثق يهود الموصل، ودعا البابا للضغط على حكومة العراق للاعتراف بالتراث العراقي غير الإسلامي، بما في ذلك للطائفة اليهودية، والدفاع عنه. وعلى حد قوله، فإن “الصورة ليست كاملة دون الاعتراف بالتاريخ اليهودي للعراق”. كما لا يمكن تجاهل العلاقة التي بين هذه الزيارة واتفاقات إبراهيم، التي وضعت على جدول الأعمال الإسلامي والعربي مسألة تطبيع العلاقات مع اليهود ومع دولتهم إسرائيل. وعلى هذه الخلفية بالذات، يبرز غياب اليهود عن زيارة البابا أكثر فأكثر.

بدلاً من ذلك، فإن العراق الرسمي يشطب الطائفة اليهودية (التي بدايتها في منفى بابل بعد خراب البيت الأول في القرن السادس قبل الميلاد) من كتب تاريخه ذكراً ومادياً أيضاً، بإهماله المباني والمؤسسات اليهودية، وهدم المقابر وتحويل مواقع التراث إلى مساجد (هكذا حصل مع قبري النبي يحزقيل وعزرا الكاتب. ولم يتبقَ على حاله اليوم في بغداد إلا كنيس واحد والمقبرة الجديدة، التي أقيمت بعد هدم المقبرة العتيقة التي دفن فيها اليهود على مدى مئات السنين، وفيها أيضاً القبر الجماعي للذين قتلوا في الاضطرابات ضد اليهود في حزيران 1941. في شمال العراق حفظ قبر النبي ناحوم، الذي ترممه الولايات المتحدة والأكراد.

ومن جهة أخرى، يشار إلى العلاقات المتطورة في السنوات الأخيرة بيننا نحن أنسال يهود بابل، وبين العراقيين الذين يعيشون في العراق وخارجه، المعنيين بأن يبنوا معنا جسور سلام ويدعون إلى إلغاء الخطاب الديني – الطائفي في العراق.

القدس العربي