الإطارات المحروقة رسائل غضب شعبية في لبنان

الإطارات المحروقة رسائل غضب شعبية في لبنان

بيروت- لم يتوان المتظاهرون اللبنانيون عن استخدام كل الوسائل الاحتجاجية للتعبير عن غضبهم ونقمتهم على الوضع الاقتصادي المتأزم في بلد يشهد أسوأ أزمة سياسية منذ نهاية الحرب الأهلية.

ويقوم المتظاهرون في تحركاتهم الأخيرة بالتعبير عن غضبهم عبر حرق الإطارات وإغلاق الطرق الرئيسية وإطلاق كرات كثيفة من الدخان لتحوم في سماء العاصمة بيروت وأجزاء أخرى من البلاد.

وأصبحت ممارسات حرق الإطارات هي السمة المميزة للمظاهرات التي اندلعت ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والمحاصصة الطائفية، والتي لا تفعل شيئا للخروج من الأزمة، في وقت تبدو فيه البلاد تنزلق بسرعة نحو الهاوية السياسية والاقتصادية.

ويسود الدخان الناتج عن احتراق الإطارات وجوه المتظاهرين، الذين يرتدون أقنعة للحماية من وباء كورونا ويتجمهرون عند حواجز الطرق التي تقطع حركة المرور حول بيروت وبين المدن. ويؤكد إصرار المتظاهرين والحرق اليومي للإطارات مدى صعوبة حل مشاكل البلاد.

إصرار المتظاهرين والحرق اليومي للإطارات يؤكد مدى صعوبة حل مشاكل البلاد

وقال المتظاهر منير حجيري، الذي يبلغ من العمر 23 عاما من بلعبك شمال شرقي لبنان ويقضي وقته بين وظيفة يومية منخفضة الأجر والاحتجاجات، إن “النار تجعلنا نعبر عن غضبنا، وتهدئ قلوبنا”.

وأضاف حجيري، لوكالة “أسوشييتد برس”، أن “الحل لن يأتي إلا من الشوارع. بالطبع، أولئك الذين أغلقت شوارعهم، أو شوارع أحزابهم السياسية، سيغضبون”.

ويعيش لبنان على وقع أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، حيث تفاقم الوضع بسبب القيود المفروضة بسبب الوباء، وقطاع الرعاية الصحية المتهالك.

وبدأت أولى الاحتجاجات الشعبية لأول مرة أواخر عام 2019 ومنذ ذلك الحين انهارت العملة المحلية بعد أن ظلت مرتبطة بالدولار منذ ما يقارب من 30 عاما. وظلت الرواتب كما هي مع ارتفاع التضخم حيث فقد الكثير من الناس وظائفهم وأثر الفقر على ما يقرب من 50 في المئة من السكان.

وعلى الرغم من ذلك، وقف النظام السياسي اللبناني القائم مكتوف الأيدي، لاسيما بعد أن رفض السياسيون التنازل عن تشكيل الحكومة أو اتخاذ قرارات مالية صعبة خوفا من فقدان نفوذهم أو قاعدة دعمهم.

وشاهد اللبنانيون، المنهكون والخائفون من فايروس كورونا، أعضاء من النخبة الحاكمة يلومون بعضهم البعض في الأزمة. وفي الأسبوع الماضي، سجلت العملة أدنى مستوى قياسي لها، حيث تم تداولها في السوق السوداء عند 11 ألف ليرة مقابل الدولار، وهو انخفاض عن المستوى الرسمي الذي بلغ 1500 ليرة مقابل الدولار، مما أثار موجة جديدة من الاحتجاجات.

وتعد حواجز الطرق وسيلة يائسة لاستعادة الغضب الذي انفجر في انتفاضة عام 2019، عندما اضطرت الحكومة إلى الاستقالة مما أثار الأمل في أن التغيير قد يكون ممكنا، لكن الوضع الآن أصبح مخيفا بشكل أكبر.

ويحذر مسؤولون من الفوضى ويقول البعض إن الجماعات السياسية تلاعبت بالاحتجاجات لإشعال العنف أو انتزاع تنازلات من الخصوم.

ويخشى الكثيرون من أن التوتر الاجتماعي قد وصل إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ ما قبل اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 1975. وعلى مدى السنوات الخمس عشرة التالية من الصراع، أصبح حرق الإطارات أمرا شائعا، وهي طريقة رخيصة لإقامة حواجز على الطرق بين الفصائل المتحاربة.

ومن الصعب إخماد حرائق الإطارات ويمكن أن تستمر لساعات، فتلفت الانتباه وتبعد المنافسين. وتم استخدام هذا التكتيك في الأراضي الفلسطينية والعراق والسودان.

وأحرق الفلسطينيون الإطارات أثناء الاحتجاجات ضد الاحتلال الإسرائيلي التي بدأت في انتفاضتهم الأولى عام 1987. وتم حظر عمليات حرق الإطارات، التي كانت تستخدم في بعض الدول لتشغيل الأفران، في معظم أنحاء العالم بسبب انبعاثاتها العالية من الملوثات.

وقالت سحر مندور، الباحثة اللبنانية في منظمة العفو الدولية، إن ممارسة حرق الإطارات كشكل من أشكال الاحتجاج انتشرت في العديد من الدول في ثمانينات القرن الماضي، لكنها أصبحت ممارسة عفا عليها الزمن بسبب التأثير البيئي.

وأضافت مندور “يتقدم العالم من حولنا، لكن لبنان لم يتقدم. لدينا نفس الأحزاب ونفس القادة وبالتالي لدينا نفس الأدوات”.

ويقول حجيري، الذي شارك في الاحتجاجات منذ انطلاقها في عام 2019، إنه وأصدقاؤه يحرقون ما بين 100 و150 إطارا يوميا. ويشير إلى أنهم يجمعون الإطارات المستعملة والمثقوبة من أكوام القمامة، رافضا مزاعم قيام الأحزاب السياسية بتسليمها. وأوضح “دخان أسود قليل لن يضر. لا توجد طريقة لنا للوصول إلى منازل السياسيين”.

العرب