المهربون الإيرانيون يحتجون بدورهم ضد النظام

المهربون الإيرانيون يحتجون بدورهم ضد النظام

لطالما تخفت إيران وراء نظرية المؤامرة لتبرير قمعها للأقليات الرافضة للإجراءات المجحفة بحقهم، فقد انتفض مؤخرا مهربون بمحافظة سيستان وبلوشستان على سوء معالجة السلطات لأزمة البطالة. ولم تكتفي بذلك بل يروج المسؤولون لانتصارات واهية لأنهم يعتبرون أنه باحتواء أي احتجاجات سيتم إحباط مؤامرة ستدبر ضد بلدهم.

طهران – سلطت الاشتباكات الأخيرة في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية بسبب حملة قمع ضد تهريب الوقود عبر الحدود إلى باكستان المجاورة، الضوء على نقاط ضعف النظام في طهران، فضلا عن عدم قدرته على التغلب على الصدمات والمشاكل المتتالية.

وتتميز هذه المحافظة بأغلبيتها السنية مما يجعلها في صراع دائم مع السلطات الإيرانية، وهي تشهد بين الفينة والأخرى أجواء أمنية مضطربة بسبب نشاط بعض الجماعات المناوئة للحكومة الإيرانية، من بينها جماعة “جيش العدل”، وأيضا تنظيم “جند الله” الذي ظهر عام 2002 ويتبنى العمل المسلح للمطالبة بحقوق البلوش.

ويعتقد الخبير في قضايا الشرق الأوسط والأدنى جيمس دورسي، وهو صاحب مدونة “عالم الشرق الأوسط المضطرب”، أن تلك الاشتباكات حققت ما فشلت في إنجازه المحاولات الأميركية والسعودية السابقة، وهو افتعال اضطرابات عرقية في مقاطعة ذات أغلبية سنية استراتيجية فقيرة ومضطربة منذ فترة طويلة في إيران ذات الأغلبية الشيعية.

بالنسبة لسكان سيستان وبلوشستان، وهي إحدى المحافظات التي بها أعلى معدل للبطالة في إيران، غالبا ما تكون عمليات التهريب هي الطريقة الوحيدة لكسب القوت، ويتصاعد الغضب بسبب مقتل العشرات من المهربين كل عام على يد قوات الأمن.

وتعاني الأقليات في إيران، وهم الأذريون والجيلاك والأكراد والبلوش والتركمان إضافة إلى العرب، تهميشا اجتماعيا متعمدا ممزوجا بدوافع أيديولوجية تحكم النظام السياسي، ما يدفع بها إلى الاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بالإدماج في المجتمع، وهو ما تقابله السلطات بالعصا البوليسية كعادتها.

وكانت قد اندلعت اشتباكات في فبراير الماضي بعد أن قتل الحرس الثوري اثنين من المهربين، مما دفع المتظاهرين إلى اقتحام مكتب الحاكم بمدينة سرافان وحرق سيارات الشرطة، وقد فرقت قوات الأمن الحشود بالغاز المسيل للدموع وأغلقت الطرق وقطعت الاتصال بالإنترنت مؤقتا لمنع الاحتجاجات من الانتشار.

وبينما نفى الحرس الثوري مسؤوليته عن الحادثة، انبرت وكالة أنباء تسنيم، المقربة من النظام للدفاع عن هذا الجهاز، الذي يعود مباشرة للمرشد الأعلى علي خامئني قائلة إن “الطلقات التي قتلت المهربين انطلقت من إقليم بلوشستان الباكستاني”، وأشارت إلى أن هناك هجمات حثت على استهداف الحرس الثوري ومسؤولي وزارة المخابرات في سيستان وبلوشستان.

ويقول دورسي إن رد الحرس الثوري يشكل تهربا من المسؤولية، حيث يأتي بناء على الاعتقاد الراسخ بأن عدوي إيران الرئيسيين، وهما الولايات المتحدة والسعودية، عازمان على الإطاحة بالنظام في طهران وحاولا مرارا إثارة الاضطرابات باستخدام بلوشستان الباكستانية كنقطة انطلاق.

وفي حين أن لدى إيران سببا للخوف من محاولات زعزعة استقرار البلاد، فإنها غالبا ما تفشل في تمييز الصالح من الطالح. ونتيجة لذلك، كثيرا ما تستجيب الحكومة للأزمات بطرق تهدد بتفاقم المشكلات بدلا من حلها.

ويشير تأكيد الحرس الثوري على إطلاق الرصاص من باكستان إلى أن التحقيق في الحادث، الذي أعلنته وزارة الخارجية، من غير المرجح أن يخلص إلى نتيجة مختلفة.

وعاد الهدوء غير المستقر إلى سيستان وبلوشستان بمساعدة رجل دين سني محلي بارز، وهو الشيخ عبدالحميد إسماعيل زاهي، الذي استغل الفرصة لدعوة الحكومة إلى تطبيق القانون ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.

وفي الوقت الذي رفض زاهي على ما يبدو رواية الحرس الثوري للأحداث وأصر على أن “الضباط الذين ارتكبوا أخطاء يجب أن يعاقبوا وفقا للقانون”، رد نائب محافظ المحافظة محمد هادي مرعشي على رواية الحرس الثوري، الذي أكد أن أفراد قوات الأمن “اضطروا إلى اللجوء إلى إطلاق النار لأنهم شعروا بالإهانة بسبب دخول المحتجين إلى مكانهم، وألقوا الحجارة عليهم، وغير ذلك من الأعمال المدمرة”.

وأضاف زاهي أن “بيع المحروقات ليس جريمة أو تهريبا، بل هو وسيلة من وسائل الدخل التي تكسب من خلالها الآلاف من الأسر قوتها. وعلى الحكومات واجب التخطيط لإعالة الناس بحيث لا يتم إجبار أحد على اختيار وظائف خطرة”.

لعب كبار المسؤولين الأميركيين والسعوديين في عام 2017 علنا على فكرة الضغط على إيران من خلال دعم الاضطرابات المحتملة بين الأقليات العرقية الإيرانية، بما في ذلك البلوش، الذين ينتشرون على جانبي الحدود الإيرانية الباكستانية.

وأكد مسلحون باكستانيون في ذلك الوقت أن الأموال السعودية كانت تتدفق على المعاهد الدينية في بلوشستان، التي كانت تديرها جماعات معارضة للشيعة وإيران.

وتعود الجهود المتقطعة لإثارة الاضطرابات في إيران باستخدام بلوشستان الباكستانية كقاعدة إلى فترة رئاسة جورج دبليو بوش. ويقترح رجال الدين مثل زاهي أن الاستثمار في التجارة عبر الحدود من شأنه أن يعمل على تهدئة الاضطراب في الجنوب الشرقي لإيران، وتحسين مستويات المعيشة، والسماح لإيران بالالتفاف على العقوبات الأميركية.

وقال زاهي “تمثل الحدود أماكن غاية في الأهمية. بلدنا له حدود واسعة مع بعض الدول العربية في الجنوب الشرقي عن طريق البحر، ويشترك في الحدود البرية مع أفغانستان وباكستان. ويعد تبادل البضائع على الحدود أحد أهم سبل العيش والتوظيف بالنسبة للكثيرين”.

ويرى دورسي أن التصرف بناء على نصيحة زاهي يتطلب من السلطات الإيرانية توسيع تركيزها على أمن الحدود ليشمل الأمن البشري، وقد يعني ذلك تبني منظور لا يتم العمل به بسبب الاهتمام بالمؤامرات والمكائد الخارجية الحقيقية والمتخيلة.

ومع انشغال الحكومة باللعب مع الرئيس الأميركي جو بايدن حول من يبدأ أولا بإحياء الاتفاقية النووية، التي حدت من البرنامج النووي الإيراني، والانتخابات المقرر إجراؤها في الأشهر المقبلة، من المرجح أن تصبح هذه التوصيات مهمة صعب تحقيقها.

تواجه الأقليات، التي تخرج من تحت عباءة النظام، عقوبات قاسية، فإن لم تكن ملاحقتهم وقتلهم عن طريق الأجهزة الأمنية هي نهايتهم، فإن مصيرهم سيكون أمام المحكمة الثورية التي غالبا ما تقضي بإعدامهم.

وبحسب دورسي، زميل أول في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية بجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، ينتظر نحو 120 شخصا، يعتقد كثير منهم أنهم من القوميين البلوش، تنفيذ حكم الإعدام فيهم في السجن المركزي بالعاصمة الإقليمية زاهدان، بعد أن أُعدم خمسة منذ يناير الماضي.

ويدخل مهربو الوقود في هذه المخاطرة عبر حقيقة أن القوميين البلوش العاملين من باكستان شنوا هجمات متكررة على الجانب الإيراني من الحدود.

وكانت السلطات الإيرانية تأمل في أن يؤدي ارتفاع أسعار الوقود في نوفمبر 2019، والذي أشعل فتيل احتجاجات حاشدة معارضة للحكومة قتل فيها ما لا يقل عن 225 شخصا على أيدي قوات الأمن، إلى إضعاف الحافز على التهريب. ويقول مسؤولون ومهربون إن الأمر لم يحدث.

وقال أحمد أحد المهربين “زيادة سعر البنزين لا تؤثر على تهريب الوقود لأن الوقود الأساسي الذي يتم نقله هو الديزل. عندما أجلس خلف مقود شاحنة مليئة بالديزل، أشعر أنني أحمل قنبلة موقوتة. ولكن ليست لدي طريقة أخرى للهروب من البطالة وكسب لقمة العيش”، ويضيف “المخاوف الإيرانية بشأن الحدود التي يسهل اختراقها مع باكستان لا أساس لها من الصحة”.

العرب