بعد عقدين من الحروب وتدني الأولوية المخصصة للبنية التحتية للمؤسسات الصحية جاءت جائحة كورونا لتضرب آخر ما تبقى لهذا النظام الهش من القدرة على مقاومة الأزمات، في وقت يواجه فيه العراق تخبطات سياسية وأمنية واحتجاجات شعبية وسط وجنوب البلاد نتيجة سوء النظام السياسي وتفشي البطالة والفساد في المؤسسات الحكومية. العراق بلد غني ويلجأ للمساعدات الخارجية لمواجهة تفشي كورونا.. ما السبب؟
وقد تراكم خطر فيروس كورونا، مع ضعف استعداد القطاع الصحي لمخاطر قدرات التأقلم على احتواء الجائحة ومواجهة الإصابات، حيث افتقرت عدة مستشفيات إلى قناني الأوكسجين ومعدات الوقاية من الفيروس فكان الأطباء يوفرون هذه المعدات من أموالهم الخاصة.
ولم يتوقف خطر كورونا على القطاع الصحي إنما امتد لينتشر عبر قطاعات متعددة أهمها الاقتصاد مع مواجهة أزمة اقتصادية ناجمة عن انهيار أسعار النفط وقرار الإغلاق العام لعدد من المراكز التجارية والترفيهية والمؤسسات، مما أدى لفقدان الوظائف وتفاقم الفقر وانعدام الأمن بدون أي خطة حكومية مسبقة.
تسويق شركات اللقاح
يقول المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي إن أغلب الدول النامية تلقت المساعدات كنوع من المجاملة في العلاقات الدولية أو للترويج للقاح، أي أن الغرض من هذه المنح هو التسويق للشركات المصنعة للقاح.
كما أن وزارة الصحة -يتابع الصميدعي- لا تملك خططا لتزويد الجرعة الثانية ممن هم بحاجة لها خاصة الكوادر الطبية، والخلل الرئيسي يعود إلى الفساد في وزارة الصحة والفساد السياسي كما حدث مع شركة تدعى شركة العراق القابضة التي حصلت على تفويض من مجلس الوزراء للتعاقد نيابة عن وزارة الصحة لتدخل كوسيط لشراء اللقاح، ولكن تم سحب تفويضها لاحقا من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.
ورغم إعلان وزير الصحة حسن التميمي عن الاتفاق مع شركة “فايزر” (pfizer) على استيراد 1.5 مليون جرعة لقاح بانتظار توفير مستلزمات التبريد لجلبه إلى العراق، والاتفاق على 16 مليون جرعة مع الاتحاد العالمي للقاحات، فإن غالبية العراقيين يشككون في قدرة الحكومة على توفير اللقاح للمواطنين وحصره بالشخصيات السياسية وذوي النفوذ.
وبعد وصول الشحنة الأولى من اللقاح الصيني الموجه بالدرجة الأولى إلى موظفي الكوادر الطبية، أعلنت باكستان منح العراق 3 شحنات من المساعدات الطبية في بادرة خيرية للتعبير عن العلاقات التاريخية المتينة بين البلدين، مما عاد إلى الأذهان قضايا الفساد السابقة في وزارة الصحة والتساؤلات عن تأخر عقود شراء اللقاح من قبل الحكومة، وفيما إذا كان هذا جزءا من الصفقات السياسية للاستحواذ على عقود اللقاح.
ويقول بائع الخضراوات أسعد حسن (40 عامًا) “إننا نعيش الموت كل لحظة، وإن هذا الفيروس لن يكون أكثر خطرًا علينا من سنوات الحرب وتفشي المجاميع المسلحة ولا حتى حالة الفقر التي أعانيها مع أقراني”.
ويرى محمد المحمودي (صحفي من بغداد) أن عدم الثقة بين المواطن والسلطة متجذر منذ عقود، وهذه السلطة رسخته وجعلت نفسها في عداء مستمر مع المواطن، فيتعامل معها على أنها محتالة ومظللة تنهب خيراته ولا تعير لحياته أي اهتمام.
ويشير إلى أن هذا الموقف مبرر لليوم حيث لم يأتِ رجل دولة يكسب الثقة، كما أن أرقام المصابين والتحذيرات التي أطلقتها السطلة كانت مُضللة وجزءا من محاولتها من أجل التنصل من مسؤوليتها في توفير مؤسسات صحية نموذجية، مما أدى إلى الحذر والشك من قبل المواطن في قضية اللقاح.
أبعاد سياسية
وقال الباحث في شؤون العراق للمياه والطاقة والاقتصاد من واشنطن، هاري ستبينين، إن هناك بعض الشكوك عن تورط وسطاء في شراء اللقاح للعراق، ولكن يبدو أن هناك بيانًا مفاده أن الحكومة ستشتري مباشرة من الموردين، فالبلد بحاجة إلى حوالي 20 مليون جرعة، وبضعة آلاف من المانحين لن تحدث فرقًا كبيرًا.
وبالنظر إلى سجل “كوفيد-19” (COVID-19) في باكستان، لا يبدو أن هذا البلد قد أبلى بلاءً حسنًا لأن موجة ثالثة من جائحة الفيروس التاجي تلوح في الأفق، وبالتالي “أنا أشك في أن المساعدات ستشمل أي جرعات للقاحات” مشيرا إلى أن مخزون باكستان من لقاح “سينوفارم” تبرعت به الحكومة الصينية في يناير/ كانون الثاني الماضي، كما أن مبادرة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مدفوعة سياسياً لإقامة علاقات اقتصادية وتعاون عسكري واستخباراتي وثيق مع بغداد خاصة بعد زيارة وزير الدفاع جمعة عناد سعدون إلى إسلام آباد الشهر الماضي حينها عرضت الأخيرة تدريب القوات المسلحة العراقية.
كما تنظر باكستان إلى العراق كمورد بديل للنفط بسعر مخفض بعد تدهور علاقاتها مع السعودية التي أوقفت القروض وإمدادات النفط لها.
يشار إلى أن قطاع الصحة بالعراق يحتل المرتبة رقم 176 من أصل 195 دولة، بحسب المؤشر العالمي للأمن الصحي استناداً إلى لائحة أعدها مركز “جونز هوبكنز” من مشاكل متعلقة بندرة التمويل، وتدني الأولوية المُعطاة للصحة بالميزانية الحكومية، والبنية التحتية ونقص الأطباء وطاقم التمريض، ما جعل العراق غير قادر على مواجهة فايروس “كورونا”. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، هناك ما يعادل 8.2 أطباء لكل 10 آلاف نسمة في العراق.
المصدر : الجزيرة