المناورات تنقذ أردوغان من أزمات الخارج لكنها تفشل في حل أزمة الليرة

المناورات تنقذ أردوغان من أزمات الخارج لكنها تفشل في حل أزمة الليرة

أنقرة – يستطيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يحلحل مشاكله مع مصر، وتمكن من تحريك الأمور خليجيا بموازاة المصالحة القطرية مع دول المقاطعة، ولا يتردد في خوض ثلاث حروب على ثلاث جبهات في ليبيا وسوريا وناغورني قره باغ، لكن الحرب التي يفشل في إدارتها هي حربه على سعر الفائدة وانعكاسه على قيمة الليرة التركية وتأثيره على الاقتصاد التركي.

وأقال أردوغان محافظ البنك المركزي ناجي إقبال السبت، وذلك بعد يومين من رفع البنك أسعار الفائدة للحد من ارتفاع التضخم وانخفاض الليرة، ليحل محله نائب سابق في البرلمان من الحزب الحاكم.

وهذه هي المرة الثالثة التي يقيل فيها أردوغان، الذي دعا مرارا إلى خفض أسعار الفائدة، محافظ البنك المركزي منذ يوليو 2019 ومن المرجح أن يجدد الضغط على العملة التركية عند إعادة فتح الأسواق.

وينظر الرئيس التركي إلى موضوع رفع أسعار الفائدة بحساسية خاصة، فهو بالنسبة إليه ليس فقط إجراء اقتصاديا بل جزء من مؤامرة خارجية تستهدف تركيا واقتصادها، وبالأساس تستهدف التجربة الاقتصادية التي يشرف عليها منذ كان رئيسا للوزراء، والتي حققت في البداية طفرة إيجابية قبل أن تتراجع تحت تأثير تقلبات مواقفه السياسية التي أربكت علاقات تركيا الخارجية وأثرت بشكل جلي على اقتصادها.

ويقول أردوغان إن أسعار الفائدة المرتفعة تتسبب في التضخم ولا تحد منه، وإن الممولين الأجانب وحلفاءهم المحليين يستخدمونها للسيطرة على حكومته، فيما يعتبر مراقبون أن الرئيس التركي يتعامل مع قضية أسعار الفائدة وأزمة الليرة بعقلية سياسية انطباعية، وأنه بدلا من ذلك كان يفترض أن يترك الأمر بيد الخبراء في المجال للتعاطي معها كقضية اقتصادية تتطلب مواقف وخطوات خاصة بقطع النظر عن الخلفيات والحسابات السياسية.

وبات الرئيس التركي يتعامل مع الخبراء الاقتصاديين بنوع من الريبة والشك، خاصة اضطرار محافظي البنك المركزي السابقين إلى رفع نسب الفائدة في تناقض مع قناعاته، وهو ما دفع به إلى تعيين شهاب كافجي أوغلو، العضو السابق بالبرلمان عن حزب العدالة والتنمية، في منصب المحافظ الجديد، ما قد يزيد من حدة الأزمة خاصة إذا اختار المحافظ الجديد تنفيذ أفكار أردوغان بشأن أسعار الفائدة.

ويريد أردوغان الإمساك بمختلف الملفات وإدارتها بنفسه لكونه مهووسا بنظرية المؤامرة، ويعتقد أن قضية الليرة ورفع أسعار الفائدة هدفها محاربته سياسيا وضرب شعبيته التي بدأت تتراجع تحت وقع الأزمة الاجتماعية الناجمة عن مخلفات أزمة الليرة وارتفاع التضخم وما يتبعه من ارتفاع في الأسعار وتراجع المقدرة الشرائية واتساع دائرة الفقر.

ويرفض الرئيس التركي علنًا أسعار الفائدة المرتفعة، لاعتقاده أنّها تزيد التضخّم، وسبق له أن وصفها بأنّها “أمّ وأب كلّ الشرور”، فهو يودّ خفض معدّل التضخّم السنوي إلى أقلّ من 10 في المئة بحلول نهاية العام المقبل، وإلى 5 في المئة بحلول الانتخابات المقبلة المقرّر إجراؤها في 2023.

وكان انهيار الليرة من بين الأسباب التي دفعت أردوغان إلى إقالة صهره وزير الخزانة والمالية السابق بيرات البيرق بالرغم من أنه كان ينفذ سياسات أردوغان الاقتصادية، وهو ما يظهر أن الرئيس التركي يريد تحميل الآخرين مسؤولية الفشل في تنفيذ أفكاره، وإظهار أن المشكلة فيهم وليست في تلك الأفكار.

وتلجأ وسائل الإعلام التركية إلى محللين غربيين بمصداقيات غير مثبتة للإيحاء بأن القرارات التي يتخذها أردوغان على مستوى عال من الأهلية، لكن التركي يواجه صدمة بعد أن يعود الرئيس التركي ويصدر مراسيم تزيح قراراته أو تغيّر الأشخاص المعنيين بتنفيذها أو المكلفين بتوجيه الدفة المالية والاقتصادية للبلاد.

وفي خطوة تستبق القرار الرئاسي بإقالة المحافظ وتعيين محافظ من الحزب الحاكم استضافت وكالة الأناضول الرسمية التركية من وصفته بالخبير الاستثماري الأميركي مارك موبيوس ليشيد بـ”حزمة الإصلاحات الاقتصادية الجديدة” لأردوغان.

واعتبر موبيوس أن “أنقرة تحركت في الوقت المناسب”، مشيرا إلى أن “هذه الفترة تعتبر الأمثل لتقييم الفرص الاستثمارية فيها”.

لكن خبراء يعتقدون أن تجميل مواقف الرئيس التركي وقراراته، خاصة الإقالة غير المبررة لمحافظ البنك المركزي، من شأنه أن يزيد من معاناة الاقتصاد التركي من ناحية، وأن يُبقي على مخاوف أردوغان بشأن تراجع شعبيته واهتزاز صورة الحزب الحاكم من ناحية ثانية.

وكان المحافظ المقال، وزير المال السابق، قد تولى منصبه قبل أقل من خمسة أشهر وقام برفع سعر الفائدة الرئيسي 875 نقطة أساس إلى 19 في المئة، وهو أعلى معدل في أي اقتصاد كبير، وحظي بإشادة محللين قالوا إنه وطد مصداقية البنك المركزي.

وجاءت إقالة إقبال بعد يومين من رفع البنك المركزي سعر الفائدة 200 نقطة أساس يوم الخميس بشكل أكبر مما كان متوقعا، في خطوة لوقف أي زيادات أخرى في التضخم وتراجع الليرة.

وعرف المحافظ الجديد كافجي أوغلو بأنه من معارضي رفع أسعار الفائدة. وقال في مقال بصحيفة “يني شفق” الشهر الماضي “على الرغم من اقتراب أسعار الفائدة من الصفر في العالم فإن اختيار رفع سعر الفائدة بالنسبة إلينا لن يحل المشاكل الاقتصادية”.

العرب