يشغل محللون وخبراء سياسة عرب وأجانب أنفسهم بنتائج الانتخابات الإيرانية المقبلة، ويؤجلون توقعاتهم حول المرحلة القادمة، ويتوهمون بأنَّ على أساسها سيتقرر شكل المنطقة وملامح العلاقة المقبلة بين إيران وإدارة بايدن وإسرائيل، وموقع السعودية وروسيا والصين على خارطة المستقبل القريب، ثم الغد البعيد.
هم يقفزون على الحقائق الثابتة التي تؤكد أنها انتخابات بحق، وبأن الفائز فيها برئاسة الجمهورية سيكون هو المتحكم بخط سير السياسة الخارجية، وبالتالي بمصير الملف النووي والعقوبات الأميركية والتقارب أو التباعد مع إدارة بايدن.
إنها انتخابات شكلية يحتاج إليها النظام الإيراني الاستبدادي الدكتاتوري المتطرف لتجميل وجهه أمام العالم الخارجي فقط لا غير. أما نتائجها فمعروفة ومقررة سلفا، ما دام الولي الفقيه هو الذي يقرر من المسموح له الترشح، لا لرئاسة الجمهورية فقط بل حتى لعضوية البرلمان والوزارة، ومن المقرَّر له أن يفوز.
فمنذ قيام جمهورية الخميني والسلطة الحقيقية والقرار الأول والأخير بيد شخص واحد متفرد وممسك بجميع مفاتيح القوة العسكرية والمالية والأمنية والدينية في البلاد، وحده لا شريك له.
لم يكن أبوالحسن بني صدر وعلي خامنئي أثناء قيادة الخميني، ثم هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد وحسن روحاني في عهد المرشد الأعلى علي خامنئي بأكثر من موظفين مُعيَّنين فقط لتنفيذ سياسات مرسومة ومقررة من علٍ ليس لهم فيها سوى صلاحية الاجتهاد في طريقة التنفيذ، أي أنهم مجرّد مدراء مكتب القائد الأعلى مكلّفين بنقل أوامره إلى أجهزة الدولة المختلفة وإلى دول الخارج، وينقلون الوارد منها إلى سيدهم الرئيس.
وواضح أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهي أكثر القائلين بانتظار نتائج الانتخابات الإيرانية، تحاول أن تكسب مزيدا من الوقت أملا في اقتناع المرشد الإيراني بسرعة العودة إلى التفاوض حول الملف النووي والصواريخ. وهي من أجل ذلك لم تدخر وسعا في بذل إشارات إيجابية عديدة توحي بأنها غير معنية سوى بما يتعلق بالملف النووي من الشروط الإثني عشر التي وضعها مايك بومبيو وزير الخارجية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وهي:
وقف محاولات تطوير سلاح نووي.
السماح لمفتشي الوكالة الدولية بدخول كل المواقع النووية.
وقف إنتاج أي صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
الكشف عن جهودها السابقة لبناء سلاح نووي.
أما باقي شروطه الأخرى، وهي:
وقف دعم الإرهاب وخاصة حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي.
وقف دعم الميليشيات الشيعية في المنطقة والحوثيين.
سحب قواتها من سوريا.
وقف دعم طالبان وجماعات إرهابية في أفغانستان.
وقف استضافة قيادات القاعدة.
وقف تهديد دول جوارها.
الإفراج عن كافة المعتقلين الأميركيين في إيران.
وقف عمليات القرصنة الإلكترونية.
كل هذه الشروط أصبحت من الماضي.
إذن فالولايات المتحدة بقيادة بايدن ومعها إسرائيل لا تريدان من النظام الإيراني سوى الموافقة على وقف تجارب تصنيع السلاح النووي من أجل إبقاء إسرائيل المالكة الوحيدة له في المنطقة، ثم بعد ذلك يأتي دور ملف الصواريخ الإيرانية التي تتمنى الولايات المتحدة ضبطها والتعهد بعدم استخدامها لاحقا ضد إسرائيل.
وما عدا ذلك فلا شغل للولايات المتحدة به ولا لإسرائيل والتدخل فيه. فالوجود العسكري الإيراني في اليمن والعراق وسوريا ولبنان شأن خاص لا يدخل ضمن ممنوعاتهما. فقط قواعد الحرس الثوري وحزب الله والميليشيات العراقية الولائية في سوريا، واقترابها من حدود إسرائيل. وهو ما يفسر الهجمات المتكررة على معسكرات إيرانية ومستودعات أسلحة لا يريدها ولا يأمنها الإسرائيليون وبموافقة أميركية كاملة ودون تردد.
أما تصريحات المسؤولين الأميركيين عن عدم وجود نية لديهم لرفع العقوبات قبل عودة إيران إلى التفاوض فما هي سوى محاولات لتلقين الإيرانيين بأن رفع العقوبات وإطلاق الأموال الإيرانية المجمدة أمرٌ في حكم المؤكد، ولكن فقط حين يعودون إلى طاولة المفاوضات حول الملف النووي، ثم بعد ذلك يتعهدون بعدم استخدام صواريخهم من سوريا ولبنان ضد إسرائيل، لا اليوم ولا في الغد القريب أو البعيد.
وكما يجري في لعبة جر الحبل الشعبية المعروفة نسمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصرح بأن الولايات المتحدة “لن ترفع أي عقوبات عن طهران قبل عودتها إلى التزاماتها النووية”، ثم يرد عليه قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني متوعدا “بتهشيم عظام الولايات المتحدة”، ولا هذا ولا ذاك في وارد القفز من الأقوال الطائرة في الهواء إلى أفعال حقيقية مسلحة بالبارود.
والحقيقة أن إيران أكثر من إدارة بايدن شوقا واستعجالا للمفاوضات، خصوصا بعد أن بلغت مرحلة الاختناق المالي والاقتصادي والاجتماعي حداً جعل رئيس الجمهورية السابق أحمدي نجاد يقول إن “غالبية الإيرانيين عاجزون عن شراء أرجل الدجاج لأكلها، ونحن ما زلنا نبشر بتصدير الثورة إلى دول الجوار”.
إن كل واحد منهما ينتظر الخطوة الأولى من أخيه، فالنظام الإيراني يعلم بأن قبوله بالمفاوضات سيكلفه أثمانا باهظة أمنية وعسكرية وسياسية وشعبية وطائفية وقومية، وعليه فهو يخشى من أن يُقدم رِجله أولاً ثم تتأخر الولايات المتحدة في رفع العقوبات فتكون الكارثة.
وإدارة بايدن هي الأخرى ومن خبرة الإدارات الأميركية المتعاقبة على مدى أربعين عاما بغدر المعممين الإيرانيين ومماطلاتهم وشطاراتهم في التفلت من التزاماتهم، تخاف من أن تتقدم هي أولا فتتنازل ثم لا يلبي النظام الإيراني مطالبها ومطالبَ حلفائها الإسرائيليين، فتكون الفضيحة التي لا يقوى بايدن على تحمل تبعاتها الانتخابية القادمة.
أما من يتأمل أن تتضمن المفاوضات الإيرانية – الأميركية القادمة ملفات الوجود الإيراني المذل والمفقر والمفسد والمستغل في العراق وسوريا ولبنان واليمن فهو واهم وسابح في عالم الأحلام التي لا تتحقق.
العرب