بعد سنوات على توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، لم يشعر الإيرانيون خلال احتفالاتهم بعيد النوروز هذه الفترة بتحسّن في حياتهم المعيشية، خاصة بعد الضغوط الأميركية خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب على بلدهم، فيما استمات النظام في ترويج مقولة أن الأزمة الاقتصادية ستنتهي، لكنها باتت أكثر حدة وقد فاقمتها أكثر الأزمة الصحية المستمرة بلا حلول في الأفق.
طهران- تبدأ السنة الفارسية الجديدة، في اليوم الأول من الربيع وهي مناسبة يتم الاحتفال فيها بكل الأشياء الجديدة ضمن عيد النوروز، ولكن وعلى الرغم من احتفال العائلات وترحيبها بالعام الجديد من خلال تناول أعشاب غنية ومقرمشة وتنظيف المنازل وشراء ملابس جديدة إلا أن التغيير الذي طرأ على البلاد لم يكن بمثل هذا الحجم.
وبعد مرور عام على انتشار جائحة كورونا التي دمرت إيران، وأودت بحياة نحو 61.7 ألف شخص حتى الآن، وهو أعلى عدد وفيات في منطقة الشرق الأوسط. ولكن هذا ليس كل شيء، فالأزمات القديمة لا تزال تلقي بظلالها على العام الفارسي الجديد.
فالضغوط الاقتصادية متواصلة وعزلة إيران الدولية مستمرة رغم التحالفات التي بنتها مع روسيا وتركيا بوجه الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، وهو ما ينعكس على مظاهر حياة الإيرانيين.
لا جديد يذكر
مؤشرات سلبية في إيران
• 61.7 ألف إيراني توفوا بسبب الجائحة
• 1.8 مليون إيراني مصابون بفايروس كورونا
• 5 في المئة انكماش الاقتصاد الإيراني في 2020
• 1 مليون شخص فقدوا وظائفهم منذ بدء الأزمة الصحية
• 50 في المئة معدل التضخم مقارنة مع 10 في المئة في 2018
على الرغم من أن الإيرانيين رحبوا بانتخاب الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن بعد أن شعروا بالقليل من الارتياح بعد حملة الضغط الاقتصادي، التي فرضتها عليهم إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إلا أن العقوبات لا تزال سارية إلى الآن. ولا توجد مؤشرات على أن الأمور تغيرت حتى بعد تخفيف العقوبات.
ويقول هاشم سنجر، وهو عامل توصيل الطعام البالغ من العمر 33 عاما وحاصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة لوكالة أسوشيتد برس “كنت أعد الثواني حتى ينتهي هذا العام. لكنني قلق بشأن العام المقبل”.
لكن عيد النوروز، وهو احتفال يستمر على مدار أسبوعين – في المنازل والمتنزهات والساحات – ستقيده الجائحة، حيث اختفى من شوارع طهران الفنانون الذين يرتدون زي “الحاج فيروز”، الشخصية الشعبية القديمة التي ترقص وتغني وتقرع الدفوف في العيد. كذلك لم تستطع العائلات التخلص من الأثاث القديم، كما هو معتاد مع بداية العام الجديد.
ويمنع حظر التجول الليلي في العاصمة الإيرانيين من الخروج بعد الساعة 9 مساءً ويطالب مسؤولو الصحة الناس بالبقاء في المنزل، كما حظرت الحكومة السفر إلى المدن الأكثر تضرراً بالفايروس.
ومع ذلك، ستسمح السلطات للعائلات بالسفر إلى بحر قزوين وأماكن العطلات الأخرى ذات معدلات الإصابة المنخفضة، في محاولة لتعزيز قطاع مبيعات التجزئة المتراجع في إيران. وقبل الوباء، كانت إيرادات السفر المحلي تقدر بنحو 1.2 مليار دولار خلال العطلة. وحذرت الشرطة من ازدحام حركة المرور من طهران اتجاهاً إلى الساحل الشمالي.
وفي العام الماضي مع اقتراب عيد النوروز، أصبحت الدولة البالغ عدد سكانها 83 مليون نسمة مركزًا عالميًا لفايروس كورونا. وانتشر المرض في أنحاء إيران حيث دعا رؤساء الأضرحة الحجاج إلى الاستمرار في القدوم ولم تعلن السلطات حالة الطوارئ بعد ارتفاع الوفيات.
وفي محاولة يائسة لإنقاذ اقتصادها المتعثر، قاومت الحكومة الإيرانية الإغلاق على مستوى البلاد، مما أدى إلى انتشار المرض بشكل سريع وباتت البلاد ضمن أكثر الدول تضررا بالجائحة.
لكن الآن، من الصعب إنكار ألم الفايروس فقد تداخلت الأزمة الصحية مع جميع جوانب الحياة اليومية، وأصاب 1.8 مليون شخص وملأ المستشفيات بالمرضى والمقابر بالوفيات وضرب الاقتصاد، الذي يعاني بالفعل تحت وطأة العقوبات الأميركية.
وبحسب صندوق النقد الدولي انكمش اقتصاد البلد بواقع 5 في المئة العام الماضي. وقد أفادت وزارة الداخلية أن أكثر من مليون شخص فقدوا وظائفهم في عام 2020.
وارتفع معدل التضخم إلى نحو 50 في المئة مقارنة بنحو 10 في المئة في 2018، قبل أن ينسحب ترامب من الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية ويعيد فرض العقوبات، كما تضاعفت أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك سلع عيد النوروز الأساسية مثل المكسرات والملابس مرتين أو ثلاث مرات.
ويتحمل العمال المؤقتون وطأة التداعيات، وقد ارتفع معدل الفقر إلى 55 في المئة، وفشلت رواتب الحكومة البالغة 40 دولارًا للأسر الفقيرة في سد الفجوة.
وقال بايمان فدوي، صاحب متجر إلكترونيات في مركز تسوق بطهران، إنه يواجه خرابًا ماليًا “أدى الفايروس إلى إحداث مشاكل اقتصادية للعالم بأسره، لكن الأمر أسوأ في إيران، فنحن نعاني من عقوبات إلى جانب فايروس كورونا”، مضيفًا أن الوباء أجبره على إقالة معظم موظفيه “أعتقد أنني يجب أن أغلق المتجر قريبًا”.
وكافح رسول حمدي، عامل نظافة لأن العملاء “لا يسمحون لي بالحضور وتنظيف منازلهم خوفًا من الفايروس”. ولقد غيّر المرض حياته بطرق أخرى، لاسيما بعد أن مرض الناس من حوله، ورحل جميع جيرانه، وهناك عائلة كاملة ماتت بسببه.
وسط كل هذا البؤس، وعلى الرغم من أمطار البرد القارص، عادت بوادر الحياة إلى طهران قبل العطلة، لكن السبت الماضي في تمام الساعة الواحدة ظهرا، لم تهتم العائلات الإيرانية كثيرا بالأزمات المتصاعدة في بلادهم وخلال تناولهم للوجبات الدسمة، احتضنوا بعضهم البعض، على أمل أن يعيشوا أوقاتاً أفضل.
وخلال الأوبئة والحروب والكوارث، تم الاحتفال بعيد النوروز الزرادشتي القديم أو “اليوم الجديد” باللغة الفارسية، بشكل مستمر لأكثر من 3 آلاف عام. ويتجمع نحو 300 مليون شخص في إيران وخارجها حول موائد مليئة بالرموز القديمة للتجديد والحظ، مثل براعم القمح الأخضر والتفاح والعملات الذهبية والبرتقال أو الأسماك الذهبية في أوعية الماء.
وتسابقت حشود من المتسوقين يرتدون الأقنعة لشراء هدايا اللحظة الأخيرة والحلويات في البازار الكبير في طهران. وفي ساحة تاجريش الشمالية، كان الباعة يبيعون الشموع والزهور، وهم ينادون بالتمنيات بعام جديد بهيج.
وحتى مع انخفاض معدلات الإصابة من الذروة التي وصلت إليها في الخريف الماضي، أشار الازدحام إلى ترسخ الوباء بدلاً من التعافي على مستوى الدولة، خاصةً مع تأخر طرح اللقاح في إيران.
ولا تزال إيران تنتظر شحنات كبيرة من لقاح “كوفاكس”، وهي المبادرة العالمية لتقديم جرعات إلى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، ولم تقم إيران حتى الآن بتلقيح سوى عدة آلاف من العاملين في مجال الرعاية الصحية.
انتشار الجائحة زاد من تعقيد أزمات الإيرانيين المركبة، والتي لطالما روّج النظام إلى أنه قادر على تجاوزها
ووفقًا للإحصاءات الحكومية، لا يزال حوالي مئة شخص يموتون يوميا بسبب الفايروس. ويتم تسجيل أعداد العدوى اليومية لتصل إلى 8 آلاف حالة منذ اكتشاف سلالة جديدة سريعة الانتشار في وقت سابق هذا العام.
ويجد الكثيرون في إيران نقصا متزايدا في الرموز الموسمية على طاولات النوروز وتتضاءل الآمال في العودة السريعة إلى الاتفاق النووي حيث ترفض إدارة بايدن، التي تصارع معارضة الكونغرس، وسلسلة من الأولويات العليا والضغط لانتزاع المزيد من التنازلات من إيران، رفع العقوبات، وتصر على عودة إيران إلى الامتثال للاتفاق النووي أولاً.
ومع تعمق الإحباط، تتجه البلاد نحو نوع مختلف من التجديد، عبر انتخابات رئاسية في يونيو المقبل. ويقول المحلل بهنام مالكي إن خيبة الأمل من استمرار العقوبات في ظل الرئيس حسن روحاني يمكن أن تلعب دورا حاسما في التصويت. ويواجه روحاني، المحظور من الترشح مرة أخرى، معارضة قوية من المتشددين، مما يضيق نافذة توقيع عقد دبلوماسي مع الولايات المتحدة.
العرب